اليوم هو يوم القيامة "والليلة هي ليلتو " كما يقول أهل قريتي في كل عيد عاشوراء لتردد باقي الفتيات الأخريات وهن ينقرن بأناملهن على الدفوف " الليلة يموت العدو" ركبت كرسي المتحرك، و التزمت كباقي المواطنين بأن أودي واجبي الوطني " المشاركة في الانتخابات" واختيار من يمثلني في المؤسسات التشريعية،ولم لا وكل دروبي مزينة بألوان الأحزاب وكل المرشحين طرقوا بابي منهم من وعدني بالشغل، ومنهم من وعدني بكرسي جديد، ومنهم من التزم بالتنازل على راتبه من أجل الصالح العام، ومنهم من أراد إعادة الكَرة مثنى وثلاث ورباع وووووالخ. حتى أعوان السلطة الحوا على حضوري حين مدوني بتوصيل يحمل رقمي ورقم مكتب التصويت ؛ توكلت على الله وامتطيت كرسي المتحرك أجرجر عجلاته بين دروب تمنيت منذ أكثر من40 سنة أن يتم إصلاحها. انطلقت يوما كاملا قبل الانتخابات؛ ودعت أسرتي وحملت معي بطاقتي الوطنية وبعض الزاد؛ وسافرت نحو مكتب التصويت الذي يوجد في مدرسة قديمة في أحد الأزقة القريبة من حينا ، وأنا كلي أمل أن أصل في الوقت المحدد. في درج باب دارنا زلت عجلة الكرسي المتحرك فارتطم جسدي الكسيح بالأرض، وهم المرشحون-لأول مرة- على مساعدتي كي أستوي، نفضوا الغبار على ظهري ووعدوني جميعا كما فعل السابقون منهم بأنهم سيصلحون المداخل والمخارج وبأنهم إذا وصلوا سأصل. قلت في غضب ويدي تدوس على مقود الكرسي وأحركه جيئة وذهابا: لقد وصلتم منذ القديم وما زلت أنا والدرج في مكاننا. قالوا بأدب : هذا عهد جديد، عهد دستور 2011 الذي يحارب التمييز على أساس الإعاقة؛ عهد القوانين والإنصاف وحقوق الإنسان، وبدأو يعرضون علي القوانين والتشريعات الدولية والوطنية وذكروني بالمبادئ الثمانية للاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة و استعان بعضهم بخطب أشباه الزعماء الأموات منهم والأحياء، و قالوا انظر يا مولانا الشخص المعاق إلى برامجنا وستعرف أن الآتي أسوأ عفوا أحسن من الآن. دفعت العجلة ببطء واندفعت بصوت أزيزها في أذني؛ وساروا يودعونني وكل واحد يمدني بصور الشياطين الملونة والكلام الذي يشبه العزيمة الشمهاروشية" في الزقاق الأول أوحال جفت منذ شتاء 2000 وبقيت أثار أظلاف حمير مرت من هنا، وفيها منحدر خطير على الكرسي المتحرك، تعطلت فرامل كرسيي فجأة فاندفع الكرسي المتحرك بسرعة دون إرادتي، صارت حركاتي على الكرسي كالراكب على بغل: هبوط وصعود ثم هبوط وصعود فارتعاد قوي كأنني ممسك بثيار كهربائي. في نهاية منحدر الزقاق فتحة واد حار سُرق غطاؤها الحديدي ، وجدت نفسي أسبح وسط مياهها العادمة وعجلات كرسي المتحرك مشتتة . للمرة الثانية يسرع أناس يرتدون لباس ألوان الأحزاب وكلهم يشتمون ويلعنون الحكومات السابقة وينبهونني بأنها هي التي أهملت هذا الزقاق وأن الأمل معقود عليهم. ارتطمت جبهتي بفتحة القادوس وسال كثير من الدماء على الأرض، وتمزق سروالي وتشتت مسامير كرسيي المتحرك وعجلاته. بت الليلة أمام بقايا كرسي الجميل الذي أصلحته لعشرات المرات من عرق جبيني؛ ورغم أن بعض الأحزاب عرضت علي كراسي جلدية وثيرة أو النقل عبر سيارة فارهة أو عبر الطائرة لمكتب التصويت إن شئت، فقد أبيت وألححت أن أشارك العرس الوطني وأن أدلي بصوتي الذي لن أدعه لأحد. لأن المصلحة الخاصة في صوتي لا في شخصي، فقد تم تشكيل حكومة مصغرة للطوارئ في الدرب شهدت تحالفا غريبا بين الذئب والنعجة والكلب من أجل إصلاح الحفر وكرسيي المنكسر، ضمدت جروحي و حزمت يدي إلى كتفي تم نُفِخت عجلات كرسيي التي رَفَضْت تجديدها منذ زمان، حتى لا يقال بأنني انتهازي؛ وكَويت مساميره وتناولت بعض الطعام من زادي وواصلت السير للزقاق الثاني بكرسيي الحبيب الذي ازداد صوت أزيزه أكثر من ذي قبل. غمام كثيف في نهاية الزقاق الثاني يحجب اسم المدرسة التي سأدلي فيها بصوتي، الوقت الخامسة مساء وأنا أقترب من المدرسة... قلت في نفسي: لم يتبق لي إلا ساعتين وأظهر لهم بأننا نحن المعاقون لنا الحق الكامل في الاختيار والتصويت والمواطنة والكرامة، لنا الكامل الحق في جميع مؤسسات بلدنا من الصحة إلى التعليم إلى السكن نحن المعاقون نستطيع الوصول والبناء وأننا نحن المعاقون لسنا عالة على أحد. أمام باب المدرسة يقف عدد هائل من الناس: الممثلين للسلطة، والممثلين للأحزاب، و ثلة من المواطنين كلهم ينظرون إلى بدهشة ويهم يضعون أياديهم على آذانهم هروبا من صوت أزيز عجلات الكرسي المتحرك الذي لا يطاق، كأني قادم من كوكب آخر جسمي ملطخ بالوحل، ويدي اليمنى مربوطة إلى عنقي و ضماد ملفوف على وجهي ورأسي، وروائح كريهة تنبعث من ملابسي المغمورة بالمياه العادمة . استوقفني أحدهم في باب المدرسة : إلى اين... ؟ أريد أن أصوت هل أنت بخير ؟ مابك؟ لملمت أنفاسي وقلت في ضيق : وأنا في طريقي إلى هنا "مدرسة الامل" ارتطم كرسيي المتحرك بالعديد من الحفر والعقبات والعقليات والسلوكات المعيقة للوصول؛ ثم مددت له البطاقة الوطنية فابتسم حتى ابان عن أسنانه المهترئة وقال: وهو يعيدها إلي: اسمك في الطابق الثالث المكتب رقم 60 وليس أمامك إلا الموت أو الصبر أو الانصراف. ارتفع غيظي وبدأت ازبد وأرعد فاندفع جسدي ليرتطم مرة أخرى بالأرض ككيس مملوء عن آخره بالرمل وتفككت كل أسلاك الكرسي المتحرك من جديد فاندفعت أجرجر جسدي أمام ناظرهم على الأدراج ،غير آبه بأسلاك الكرسي ، ملحا على ضرورة الوصول. أخبركم أنه بالأمس أغلقت مكاتب التصويت وأعلنت النتائج وعينت الحكومة ورسمت تقارير الخونة صورا وردية عن كثافة المشاركة وأنا مازلت في طريقي الطويل نحو المكتب اللعين.