لماذا قد لا يفوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات 7 أكتوبر؟ عندما ننطلق من نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2011 التي حقق فيها فوزا مثيرا وغير مسبوق (107 مقاعد نيابية)، وانتخابات الجماعات الترابية لسنة 2015 التي حطم فيها رقما قياسيا وطنيا من حيث عدد الأصوات (مليون و600 ألف صوتا)، ورفع فيها عدد مقاعده ثلاث مرات، وتصدر النتائج الخاصة بانتخابات الجهات، وحل الأول في خمس من بينها، كما حقق فوزا كاسحا واستثنائيا في مدن كبيرة واستراتيجية كان أعضاؤه وأنصاره قبل غيرهم لا يصدقون أن يتمكن حزبهم من ضمان تسييرها لوحده ودونما حاجة إلى تحالفات، يبدو حزب العدالة والتنمية مرشحا فوق العادة لتصدر نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2016، وقيادة الحكومة لولاية جديدة، وتكريس نفسه باعتباره "الحزب المهيمن" على الحياة الانتخابية والسياسية. لكن أخذ بعض المعطيات الأخرى بعين الاعتبار يظهر أن هذه النتيجة قد لا تكون بالضرورة هي ما سيتم إعلانها من طرف وزارة الداخلية، مساء يوم السابع من شهر أكتوبر الجاري. وإليكم بعض هذه المعطيات: أولا: حزب العدالة والتنمية يدخل هذا الاستحقاق وهو مجرد من عدد من العناصر التي كانت قد صنعت نجاحاته وانتصاراته الانتخابية خلال الاستحقاقين الانتخابيين السابقين. فالمناخ السياسي الذي فرضه سنة 2011 باعتباره "الحزب الضرورة"، والخيار الذي لا محيد عنه في مواجهة "الخطر القادم من الشرق"، لم يعد قائما أو لنقل توارى بشكل كبير مع المسارات المؤلمة التي اتخذها "الربيع العربي" في أكثر من بلد عربي، ومع تحول حركة 20 فبراير المغربية إلى مجرد ذكرى ليس إلا. ولا يتردد اليوم جزء غير يسير من الناخبين الذين يفترض أنهم جعلوه يتصدر نتائج الانتخابات، لتقديرهم أنه يشكل عنوانا للتغيير، في التعبير عن امتعاضهم من عجزه عن تحقيق أقوى وعوده الانتخابية، ومن إقدامه على اتخاذ قرارات كلفتهم بشكل كبير، وقد يدفعهم ذلك إلى البحث عن منح أصواتهم لاتجاهات أخرى، وربما السقوط هم أيضا في خانة المقاطعين. والصورة التي ظل يمثلها بالنسبة لشريحة هامة من المجتمع باعتباره حزبا "أخلاقيا"، ويتمتع أعضاؤه بقدر مهم من الالتزام و"ضبط النفس"، يبدو أنها قد أخذت تتزعزع مع تناسل الفضائح الشخصية لبعض قيادييه، ولا يهم إن كانت هذه الفضائح قد تفجرت بكيفية عفوية أو كان توقيت تفجيرها مخططا له ومختارا بعناية. ثانيا: يوجد على رأسه شخص مزعج، ويبدو أن استمرار وجوده في قيادة الحكومة لم يعد أمرا محبذا ومرغوبا فيه. فرغم ما أسداه من خدمات للدولة، وهو يقدم على اتخاذ قرارات اقتصادية واجتماعية مؤلمة بالنسبة لبعض الفئات الاجتماعية، لم تجرؤ الحكومات السابقة على الاقتراب منها، لتخوفها من تداعيات ذلك سياسيا وأمنيا، يظهر أن الكيفية التي تصرف بها خلال السنوات الخمس التي قضاها على رأس الحكومة، وقاموس الخطاب الذي وظفه في مواجهة منافسيه وخصومه، وطبيعة العلاقات التي نسجها في محيطه الاجتماعي والسياسي، قد حولته إلى عبء، وجعلت رأسه مطلوبا من أكثر من طرف. وهذا الأمر كان من الممكن تجاوزه لو احترم عبد الإله بنكيران أجندة مؤتمر حزبه، ولم يسع إلى تمديد فترة ولايته وجعل الدولة والحزب معا أمام الأمر الواقع. صحيح أنه انتبه إلى هذا الأمر لما صرح، في ما بعد، بأن الدستور يخول للملك صلاحية تعيين شخص آخر من الحزب نفسه، بما يفيد أنه يقبل أن يحل محله قيادي آخر من حزبه في رئاسة الحكومة، لكن ذلك قد يبدو صعبا، بالنظر لما قد يكون له من تداعيات على الوضع الداخلي للعدالة والتنمية، خصوصا في ظل تحكم الأمين العام في مجريات الأحداث داخله، وأيضا في ظل ما قد يسببه من إحراج للملك، الذي قد يظهر وكأنه وقف في وجه شخص قاد حزبه نحو نجاح انتخابي جديد، وخرج عن التقليد الذي اتبعه سنة 2011 لما آثر تكليف الأمين العام للحزب المتصدر لنتائج الانتخابات برئاسة الحكومة، في وقت كانت الكثير من التكهنات تتوقع أن يقع اختياره على شخص آخر من داخل الحزب نفسه. ثالثا: يواجه خلال هذا الاستحقاق منافسة شرسة من حزب كانت شهادة ميلاده مكتوبا عليها محاصرة الإسلاميين والحيلولة دون استمرار تغلغلهم في المجتمع، وتغولهم في الحياة السياسية. فبعد أن مر حزب الأًصالة والمعاصرة بلحظة عصيبة، خلال الفترة السابقة على الانتخابات التشريعية لسنة 2011 وأثناءها وما بعدها، فرضت عليه تحجيم ذاته وكبت طموحاته في تصدر المشهد السياسي، وربما الهيمنة عليه، ها هو اليوم، بعد أن مرت العاصفة، يحاول أن يعبر عن نفسه من جديد، ويرد الاعتبار لنفسه، ويعلن صراحة عن رغبته في أن يكون الربان الجديد للتدبير الحكومي. وهذا الأمر إذا كان قد برز خلال انتخابات الجماعات الترابية لسنة 2015، التي تصدر مقاعدها، فإنه يبدو أكثر وضوحا مع حجم الاستقطابات الواسعة التي قام بها خلال الاستحقاق التشريعي الحالي، الذي يدخل غماره وهو مسلح ب"أجود اللاعبين" في حلبة التنافس الانتخابي، وأكثرهم قدرة وسخاء في الإنفاق على كسب أصوات الناخبين والتأثير على اختياراتهم. رابعا: لحظة التحضير لهذا الاستحقاق الانتخابي عرفت اتخاذ تدابير وإجراءات، ووقوع أحداث وممارسات فهمت بأنها موجهة لمحاصرة نفوذه السياسي والانتخابي، وأعطت الانطباع بأن قيادته لتجربة حكومية جديدة لم تعد محبذة ولا مرغوبا فيها. فالخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لهذه السنة، وهو يدعو المواطن إلى "تحمل مسؤوليته في اختيار ومحاسبة المنتخبين وتغييرهم بناء على ما قدموه خلال مدة انتدابهم"، يبدو أنه كان يمسك الحزب الذي يقود الحكومة من اليد التي توجعه، خصوصا عندما يكون هذا الحزب يرغب في أن يتم تقييم أدائه على أساس دوره السياسي في جلب "الاستقرار"، لا على ضوء أدائه الحكومي في معالجة الملفات والقضايا المطروحة عليه. وبلاغ الديوان الملكي الموجه ضد تصريحات الأمين العام للتقدم والاشتراكية هناك من يعتقد أنه محاولة لعزل "الحزب الإسلامي" عن أكثر الأحزاب السياسية قربا منه، بل وتماهيا مع توجهاته واختياراته. والظهور المتكرر للأمين العام للأصالة والمعاصرة، الحزب الآخر الذي تخوله بعض الآراء إمكانية تصدر نتائج الانتخابات، بجانب الملك، في المناسبات الرسمية، (زيارة الصين، صلاة الجمعة...) ينظر إليه الكثيرون ليس فقط كعنوان لطبيعة المكانة الخاصة التي يحظى بها لدى الدولة، وإنما أيضا كمؤشر على من سيقود المرحلة القادمة. كما أن التعديلات التي أدخلت على القوانين والتدابير الإدارية المؤطرة للعملية الانتخابية (خاصة موضوع العتبة والتسجيل الإلكتروني للناخبين)، والفيتو الذي ووجه به بعض الراغبين في الترشيح باسم العدالة والتنمية (حماد القباج في مراكش، بوصوف في تاونات...)، يبدو أنهما يندرجان في إطار الهدف نفسه؛ أي الاستنزاف الانتخابي لحزب عبد الإله بنكيران، وإضعاف قدرته على الاستمرار في تأكيد تفوقه الانتخابي. خامسا: بعض القوى السياسية التي تشارك في هذا الاستحقاق التشريعي، بعد أن غابت عن سابقه، يبدو من الواضح أن ما ستحصل عليه من أصوات ومقاعد سيكون المتضرر الأول منه، إن لم نقل الوحيد، هو حزب العدالة والتنمية. والمقصود هنا بالذات اليسار المعارض والاتجاه السلفي. فالأول، الذي عاد إلى دائرة المشاركة الانتخابية بعد أن كان قد قاطعها خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، وإن كان لا يتوفر على "شطارة" انتخابية كبيرة، وغير متمرس بالشكل الكافي على نزالات من هذا النوع، كما لا يتوفر على أجهزة تنظيمية قوية تسمح له بترجمة انسجام وجاذبية خطابه السياسي إلى معطى انتخابي، فإنه مع ذلك هناك اعتقاد بأن تكتله في إطار اتحاد حزبي (فيدرالية اليسار الديمقراطي)، وما يتمتع به من مصداقية ونزاهة وثبات على المواقف، والمجهود الكبير الذي بذله على مستوى تغطية الدوائر الانتخابية، فضلا عن إصراره على تقديم نفسه باعتباره "خيارا ثالثا" يمثل بديلا للخيارين الآخرين المطروحين في "سوق التدافع السياسي"، يؤهله لأن يستقطب جزءا مهما من "ناخبي الفكرة"، الذين قد يكون بعضهم ممن صوتوا لفائدة العدالة والتنمية خلال الاستحقاقات السابقة. أما الثاني، وإن كان لا يشارك في هذا الاستحقاق إلا بكيفية محدودة، كما لا يدخله بكيفية موحدة وتحت "راية" واحدة، وإنما مشتتا بين حزبين أو ثلاثة، فيبدو أن مشاركته في حد ذاتها ستغير بعض المعطيات الانتخابية، وخاصة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي كانت أغلب التحليلات ترجع سر نجاحاته الانتخابية، وفي مناطق محددة بالذات مثل طنجةومراكش وفاس، إلى المساندة القوية التي كان يحظى بها من لدن هذا التيار.