أظهرت الحملة الانتخابية الحالية وجود حالة من الانقسام في صفوف التيار السلفي الذي دخل عدد من شيوخه في سباق انتخابي أدى بهم إلى مواجهة بعضهم البعض، وبات كل "شيخ" منهم يستميت في الدفاع عن الحزب الذي ينتمي إليه، ويهاجم خصومه السياسيين. وكالعادة، فالخطاب السلفي مليء بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية المبررة للأفعال السياسية التي يقدم عليها كل شيخ لدعم تيار سياسي معين، فانتقلت بذلك المواجهة السياسية إلى حقل جديد يسود فيه الخطاب الديني لتبرير السياسي. وأصح الخلاف على أشده بين من يوصفون ب"شيوخ" السلفية في المغرب، خصوصا بين حماد القباج، المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، والشيخ محمد عبد الرحمن المغراوي، حول خلفيات إعادة فتح دور القرآن بمدينة مراكش؛ حيث يصر القباج على أن العملية هي نتيجة صفقة بين المغراوي وحزب الأصالة والمعاصرة، بين ينفي المغرواي الأمر، ويعتبر أن تصريحات القباج تأتي في إطار المنافسة الانتخابية. خصام سلفين آخر حدث بين الشيخ أبو حفص، الذي تبرأ في وقت من الأوقات من التيار السلفي قبل أن يعود ليقدم نفسه للرأي العام على أنه ممثل السلفية داخل حزب الاستقلال، وبين السلفيين المنتمين لحزب الفضيلة، وتبادل الاتهامات بكون انتقال أبو حفص إلى حزب الاستقلال كان "لأسباب مادية"، بحسب ما جاء على لسان السلفي محمد خليدي، الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة. ويرى الباحث المغربي محمد شقير أن الاختلافات بين السلفيين ليست وليدة اللحظة، "والسلفية في المغرب لم تكن أبدا متجانسة، كما أن الشيوخ كانوا دائما مختلفين حول العديد من القضايا"، مضيفا أن السلطة "حاولت أن تظهرهم كمكون متجانس، ووضعت على هذا التيار مجموعة من الشيوخ، لكن لكل تيار أفكاره المختلفة". ووفق شقير، فإن عملية محاولة إدماج ممثلي التيار السلفي بدأت من خلال استقطابهم من طرف الأحزاب السياسية كحزب النهضة والفضيلة، و"حزب عرشان"، ثم حزب العدالة والتنمية، وحزب الاستقلال، مواصلا بأن "الاختلاف ظهر للعلن نتيجة للتنابزات الانتخابية، والمرحلة الحالية فرضت على كل شيخ أن يؤيد حزبه وأن يدخل في منافسة مع الشيوخ الآخرين". واعتبر شقير أن الخلافات بين شيوخ السلفية تعد أمرا "عاديا"، مع اقتراب موعد الانتخابات، متوقعا أن يزداد الأمر حدة إلى أن تضع الانتخابات أوزارها، موردا أن "خصوصية المرحلة أظهرت التباين الفكري بين التيار السلفي". وفسر شقير لجوء شيوخ السلفية إلى القرآن والأحاديث النبوية بكون آلية العمل السلفي في السياسة تقوم على "تبرير كل ما هو سياسي بالقرآن والحديث النبوي، ويتم استخدام هذا الأمر في الحملة الانتخابية"، مقللا من خطورة هذا الوضع، "لأن السلطة لم تكن لتسمج بإدماج السلفيين في العمل السياسي لو لم تتوفر على جميع المعطيات بأن الأمر لا خطورة فيه".