يبدو أن الدخول المدرسي الجديد لهذا العام لا يسر أحدا، آباء وأمهات وتلاميذ ونقابات وحتى جمعيات حقوقية. الموسم انطلق على إيقاع العديد من المشاكل والشكاوى، خاصة من عائلات التلاميذ وذويهم، بعد أن شهدت الأقسام الدراسية اكتظاظا مهولا لم يجد معه أساتذة سوى ترديد "تزاحموا تراحموا". وأقدم ناشطون حقوقيون على القيام بجولات استطلاعية لمجموعة من المدارس العمومية، الابتدائية والإعدادية والثانوية، بمختلف التراب الوطني. وقد توصل الناشطون، خلال تلك الجولات التي شملت عديدا من المؤسسات بالمديريات الإقليمية في كل من مراكش وطانطان وبني ملال والفقيه بن صالح والدار البيضاء، إلى خلاصات ونتائج وصفوها بالصادمة، وضمنوها تقريرا توصلت به هسبريس. واعتبر نشطاء المركز المغربي لحقوق الإنسان أن المدرسة العمومية تعيش على وقع فوضى واكتظاظ غير مسبوقين في تاريخ المدرسة العمومية، لعدة أسباب رئيسة؛ منها خصاص مهول في الأطر التربوية، خاصة في السلكين الابتدائي والإعدادي، تسبب في اكتظاظ رهيب للتلاميذ، بلغ 60 تلميذا فما فوق. وكشف التقرير الحقوقي وجود خلط بين المستويات التعليمية تجاوز السلك الواحد، حيث توجد حالات تضم تلاميذ السلكين الابتدائي والإعدادي، في مشهد فوضوي منقطع النظير"، منتقدا السياسة العمومية غير الديمقراطية وغير المسؤولة، المتبعة في توظيف أطر التدريس، وسد الفراغ الذي يتركه المدرسون المحالون على التقاعد". وسجل التقرير غيابا شبه كامل للأطر المكلفة بإحلال النظام في المدارس؛ وهو ما أدى إلى انتشار الفوضى والتسيب بكل أشكاله، آباء وأولياء التلاميذ تائهون دون إيجاد من يرشدهم، وولوج من هب ودب إلى المدارس لغياب الحراس، وتداول الكلام الساقط بين الناشئة داخل المؤسسات التعليمية دون رادع. ولفت المصدر إلى أن "العديد من الأكاديميات لجأت إلى اعتماد سياسة المناولة، لسد الخصاص المهول في الأطر التربوية"، مبينا أن شركات المناولة أثبتت فشلها في العديد من التجارب والقطاعات، بسبب غياب الحس الأخلاقي والمهني، فبالأحرى المسؤولية التربوية والإنسانية التي تفرضها المنظومة التعليمية". وانتقد الحقوقيون تعمد العديد من الأطر التعليمية تقديم شواهد طبية مزورة لتبرير تغيبهم، فيما يستفيد المئات منهم من امتياز التفرغ، دون القيام بالمهام التي من أجلها استفادوا من هذا الامتياز؛ وهو ما يشكل أحد أسوأ مظاهر الغش والريع، ويعكس التعسف والظلم اللذين يمسان بحق تلاميذ الطبقات المتوسطة والفقيرة في تعليم عمومي جيد وناجع". وذهب التقرير إلى أن "قطاع التعليم الخاص أصبح مرتعا للوبيات، التي بات همها الوحيد ابتزاز الدولة ومص دماء البسطاء من المواطنين، والاستفادة من الامتيازات"، موردا أنه صار قطاعا ربحيا بعيدا عن قواعد الرقابة الحازمة والصارمة، ما جعله مصدر معاناة للأطر التربوية والأسر البسيطة والمتوسطة". وحمل المركز الحقوقي المسؤولية إلى وزارة التربية الوطنية، بسبب الوضعية الكارثية للمدرسة العمومية، بدءا بالفوضى والتسيب الذي يطبع تدبير المؤسسات التعليمية، ومرورا باقتناء تجهيزات وأنظمة معلوماتية غير فعالة ومليئة بالاختلالات، وانتهاء بضعف البنيات التحتية للمؤسسات التعليمية". وطالب الحقوقيون الوزارة الوصية بإجراء تدقيق وافتحاص شاملين لنظام التدبير الإداري للمؤسسات التعليمية، وجرد الاختلالات التنظيمية والمؤسساتية، للعمل من أجل إصلاحها بطرق فعالة، وافتحاص وضعية نظام المعلومات مسار، وإصلاح الاختلالات التي يعاني منها، وتوفير الإمكانات لوقف أعطابه المتكررة". ودعا التقرير الحكومة إلى "وضع حد للنزاع القائم مع الأساتذة المتدربين، وتفعيل الاتفاق الذي التزمت بموجبه الحكومة بمجموعة من الالتزامات، ولم تف بها"، مطالبا بمراقبة تغيب الأطر التربوية، وترشيد امتياز التفرغ، والزيادة في عدد الأساتذة، وإلغاء سياسة المناولة في مجال التدريس".