أعلنت وزارة التربية الوطنية من خلال بلاغ صحفي نشرته على صفحة بوابتها الالكترونية أنها ستضع رهن إشارة المواطنات والمواطنين النسخة الثانية من الخدمة الالكترونية " إنصات" وذلك انطلاقا من يوم الإثنين 23 شتنبر 2013 وذلك بهدف رصد كل ما من شأنه أن يعرقل السير العادي للدراسة بالمؤسسات التعليمية. وأشار البلاغ المذكور إلى أن هذه الخدمة ستمكن جميع أمهات وآباء وأولياء التلميذات وكذا نساء ورجال التعليم وجميع المواطنات والمواطنين من تسجيل شكاياتهم وملاحظاتهم عبر رقم أخضر أوعبر البوابة الالكترونية للوزارة. ولا شك أن هذه الخدمة التي تضعها الوزارة الوصية رهن إشارة المواطنين لا يسع المرء إلا أن يثمنها باعتبارها تصب في إطار السعي نحو تحصين السير العادي للدراسة من كل ما قد تشوبه من اختلالات وعلل . ولكن يجب أن نستحضر في هذا المقام حقيقة لا يختلف حولها اثنان ولا تغيب عن الجهة الوصية وهي أن المؤسسة التعليمية المغربية تعاني اليوم من عدة اختلالات تعيق السير العادي للمنظومة التربوية التعليمية لاسيما بالمدرسة العمومية ، وهي اختلالات لا يحتاج المرء إلى تسجيلها ورفعها إلى الجهة الوصية لأنها معلومة لدى هذه الأخيرة ولا تخطئها عين المواطنين المغاربة الذين طالما اشتكوا منها ومن تداعياتها التي تهدد مستقبل فلذات أكبادهم . نتحدث مثلا عن ظاهرة اكتظاظ التلاميذ ، هذه الظاهرة التي أصبحت تشكل اليوم تحديا مريبا للفاعلين التربويين داخل الفصول الدراسية ، إذ في ظلها تنعدم البيئة التعليمية والتعلمية المناسبة التي تمكن من تحقيق الأهداف التربوية والتعليمية المنشودة وذلك بسبب ما تفرزه من عراقيل تحول دون أداء الهيئة التعليمية والتربوية لمهامها على الوجه المأمول . ذلك أن تكدس التلاميذ بأعداد غفيرة داخل الفصول الدراسية لا يتيح للفاعلين التربويين القيام بما هو منوط بهم من أنشطة التعليم والتنظيم والتقويم والتوجيه والضبط والتنسيق وتدارك الثغرات والنقائص ودعم التلاميذ المتعثرين . ولا غرابة أننا أصبحنا نسمع في ظل تفاقم معضلة اكتظاظ الفصول الدراسية أن العديد من نساء ورجال التربية والتعليم خاصة في المؤسسات العمومية أصبحوا يشعرون وكأنهم يمارسون مهمة حراسة وضبط التلاميذ داخل الأقسام بدل ممارستهم لمهمة التربية والتدريس . ومما يؤثر كذلك على السير العادي للدراسة بالمؤسسات العمومية بمختلف أسلاكها ظاهرة الخصاص في الموارد البشرية حيث كما هو معلوم تعاني العديد من المؤسسات من نقص مهول في الأطقم الإدارية وهو الأمر الذي يضاعف من ثقل المهام المنوطة بمن تبقى من الإداريين الذين أصبح الانقراض يتهددهم بسبب الشح الذي أصبح يطال عملية توظيف الأطر الإدارية ،كما تعاني من جانب آخر العديد من المؤسسات التعليمية العمومية بمختلف أسلاكها من خصاص حاد في الأطر التربوية إذ ما تزال حتى كتابة هذه الأسطر العديد من الفصول الدراسية بدون أساتذة . ولا ريب أن الخصاص في هيئة التدريس يخلف آثارا سلبية على مستوى مردودية المنظومة التربوية كما أنه يضرب بعرض الحائط بحق المتمدرسين في تكافؤ فرص التربية و التعليم . ومن المشاكل التي تعاني منها المؤسسات التعليمية تفاقم مظاهر الانحلال الأخلاقي في صفوف التلميذات والتلاميذ سواء داخل فضاءاتها أو بمحيطها ، والسبب يعود بالدرجة الأولى إلى غياب التواصل المستمر بين الأسرة والمدرسة والذي يكرسه إحجام أولياء التلاميذ عن القيام بزيارات دورية لإدارة المؤسسات التعليمية للسؤال عن أبنائهم وتتبع أحوال تمدرسهم ، وهذا الأمر بات مقلقا للغاية و من ثمة فإن تخليق الحياة المدرسية يستلزم من كل الجهات المعنية والأطراف المسؤولة التدخل من أجل التصدي لكل السلوكات المشينة التي أصبحت تشهدها رحاب المؤسسات التعليمية ومحيطها . و لعل من أبرز المشاكل التي تعاني منها المنظومة التربوية التعليمية لا سيما على مستوى السلكين الإبتدائي والإعدادي ، هو التدني الفظيع الذي بات يشهده مستوى التلاميذ بسبب إكراهات الخريطة المدرسية التي تخول مقتضياتها للمتمدرسين ابتداء من السنة أولى ابتدائي حتى السنة الثانية إعدادي النجاح حتى ولو بمعدلات هزيلة .ولا شك أن هذا التنجيح الآلي للتلاميذ يفضي في واقع الأمر إلى خلق العديد من التحديات التي أصبحت تواجهها المنظومة التعليمية لاسيما بالسلكين الإبتدائي والإعدادي حيث لم يعد من الغرابة أن تستقبل الفصول الدراسية الإعدادية شريحة من التلاميذ الأميين وذوي صعوبات التعلم والمتأخرين دراسيا بل و المتخلفين ذهنيا وهو ما يحول دون توفير أجواء صفية محفزة على العطاء والإبداع، ذلك أن المدرس يتعذر عليه في ظل هذه الأجواء التنويع في الأنشطة التعليمية وفي طرائق التعليم على أساس تحديد حاجيات وقدرات كل المتعلمين مع مراعاة الفروق الفردية بينهم . إن ما سلف بسطه يبرز بشكل جلي بعض التحديات التي تعيق السير العادي للدراسة بالمؤسسة التعليمية العمومية ، وهي تحديات كما يدرك الجميع تشكل غيضا من فيض ولا تخفى على الوزارة الوصية كما أنها لا تحتاج من المواطن المغربي أن يرفع شكاية بخصوصها ، ويبقى الأمل معقودا على أصحاب القرار لاتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل رفعها إنقاذا للمنظومة التربوية المغربية. * فاعل تربوي وجمعوي