الكل يعتقد أن الانتخابات التشريعية القادمة في المغرب، مصيرية، وهي منفذ هام لتشغيل آليات الانتقال الديمقراطي مستقبلا، وتنزيل القوانين المدنية من الدستور،وهي باب التجربة المكملة لتجربة حكومة الربيع المغربي،لا يمكن أن نستقبلها بالتوجس والخوف ولا بالغش والمحاباة والتفضيلية والتلاعب بالأطياف السياسية والترجيح ؟ المرحلة تتطلب سير الانتخابات القادمة على النحو الصحيح الذي تفرضه منظومة القوانين الديمقراطية؛ حماية الاستحقاق من الشوائب ورفض كل مظهر سياسي يريد أن يخل بصفاء العملية الانتخابية ونزاهتها،وأول شروطها تحييد السلطة كطرف مؤيد أو ناصح أو محابي في المعادلة الانتخابية،وهو شرط من شروط التنزيل الديمقراطي في العملية.الأهم برلمان يتحمل بجدية رهانات المرحلة القادمة، ويقدم خدمة ذات جودة عالية في الميدان التشريعي. لنتفق جميعا أن خلق التوازن السياسي في الانتخابات وترجيح كفة طيف سياسي عن آخر، بوسائل بشرية، قد انتهى، وإلى الأبد، وهو سلوك هجين وعقلية مرفوضة،وعلينا أن نرفع من إيقاع وعينا السياسي والاجتماعي لنجاري سباق المرحلة التاريخية القادمة، فالمغرب دخل مدارا مناخيا جديدا لا يسمح فيه بالعودة إلى الوراء.من يفاضل بين ب.ج.د و البام؛ هو عنصر التصويت ونتائج المعازل بعد العملية الانتخابية.ما يهمنا نحن كناخبين ومسؤولين عن الانتخابات،هو احترام الخيارات واحترام التنافسية والابتعاد عن التأثير والإشارات الرمزية الملغومة والعزف على الوتر الحساس.فالدين الذي تم توظيفه بمهارة في المعادلة السياسية، ثم استغلاله بغباء في المعادلة الانتخابية والهدف، إعلان حرب وهمية على "الحزب الملتحي" الذي لا يمكن اعتباره حزبا إسلامويا بالقطع.مع الأسف تمت الإشارة إلى "أسلمة المجتمع"، والمصطلح عميق وشائك، لكن استعماله في سياق مختل يحيل على هبوط فضيع في التفكير والمرجعية والبعد الثقافي،ونقص ملحوظ في الفهم الأكاديمي لمعنى الكلمة، مع مجانبة الصواب في فهم الهوية الدينية للمغاربة. هذا التخوف من الأسلمة ليس بريئا،فهو مجرد مزايدة سياسية مفضوحة،.يريد منا البعض تصديقها، فإذا صدق دعاة هذه الفرية ما يقولون، فإن القراءة الأولى لهذا الافتراء السياسي، تبرهن على أنهم غير قادرين على إقناع الناخبين بالتصويت لصالحهم يوم 7 أكتوبر 2016. هذا من الناحية التكتيكية الانتخابية أما من الناحية الفكرية والثقافية -وهذا ما يهمني أكثر في هذا الحديث الأخوي-، فإن شعار:"لا للأسلمة" يبث خارج سياقه العلمي والمنهجي، كأنما بعث به لفئة معينة من المجتمع لن تناقش مضمونه وفحواه، لأنها تتحرك فكريا بوعي سياسي مسطح وفي مساحة عقلية ضيقة، توحي بأن كل كلمة تصدر عن أبواق اللبرالية الفاسدة التي تدعم تيارا سياسيا بعينه وتستهدف موقعا سياسيا بعينه،هي كلمة لا تقبل الشك وعلينا أن نصدقها،خصوصا حين تقول أن "هذا التيار السياسي ظلامي ومخيف" والحق أنه مخيف، لأنه يهدد أمنهم وسلامة مصالحهم ولو بالقول ودون فعل. هم يعلمون قبل غيرهم أن التيار السياسي المعني سلبي ووصولي وبراغماتي وخدوم،بدليل تطبيقه سياسة حكومية ليست سياسته وإتقانه سلوك الامتثال والولاء وفقدانه الشجاعة الكافية ليستقيل.لن تنال منه تهمة "أسلمة" المجتمع ولا "أخونة" الدولة/ لأنه هو نفسه الدولة،ألم يصرخ بنكيران ضد الطلبة في وجدة "هاتوا الدولة"؟.إنما هي مصطلحات أكبر منه وإنما هي كلمة كبرت أن تخرج من أفواه الذين لا يعرفون عنها شيئا.وكل الذي يلام عليه الحزب الذي قاد الحكومة خمس سنوات، هو كونه ارتبط بمرحلة مخضرمة سياسيا ومنفعلة اجتماعيا، كشفت عورة الفساد وطالبت برحيله، وكل الذي يطلب منه الآن، هو أن ينسحب بهدوء لأنه استغل الموجة واستعار خطاب الثورة وتجاوز اللياقة الدبلوماسية في خطابه السياسي.ما عدا ذلك فإن أداؤه الحكومي لا يرتفع في شيء ولا ينزل عن أداء باقي الأحزاب الأخرى. عقلا لا يتقبل "أسلمة" مجتمع مسلم وعاطفة،إن الإشارة البليدة لهذا المصطلح، توحي أن المجتمع المغربي على غير الدين الإسلامي ؟ لقد قال المرحوم محمد عابد الجابري في حوار تلفزي في هذا الشأن :" إنني أرفض هذا المصطلح ولا اقبله " ويعني الإسلاموية أي الأسلمة ..ثم أضاف:"في الحقيقة نحن أقلية في مجتمع إسلامي" ويقصد أقلية التيار اليساري العلماني، ويضيف أيضا: " فأغلبية سكان المغرب هم مسلمون". رفض علماء آخرون أسلوب الدعوة،وقيل إن مصطلح الدعوة، يوجد خارج سياقه الزمني، لأن الدين استتب بقوله عز وجل"اليوم أكملت لكم دينكم ورضيت لكم الإسلام دينا" ولم تعد هناك دوافع لتقريب الناس من هذا الدين الحنيف أكثر من إيمانهم به وإتباع تعاليمه.تبين من خلال كتابات فرج فودة أن الدعوة نفسها سياق تاريخ لخدمة الأهداف السياسية، والدعاة مجرد أدوات لأدلجة الدين.وان الخلاص يوجد في فصل الدين عن السلطة وترسيم الديمقراطية منهجا للحكم .ألا يعتقد حزب العدالة والتنمية هذا الاعتقاد؟ كيف يصير وسيلة للأسلمة ؟ وقد اعتقده من كان أعتي منه تعصبا للدين وتشيعا لتطبيق الشريعة الإسلامية وصار في إطار مراجعة فكرية أقرب إلى أن يعتنق تيارا عقائديا يمكن وضعه بين العلمانية والإسلام.وقد حاز هؤلاء الشيوخ تقدير الناس واحترامهم لأنهم رجعوا إلى الحق والرجوع إلى الحق فضيلة. الذي يجب أن يعرفه واضعو الشعارات الطنانة،أن المجتمع المغربي متأسلم منذ وقت بعيد، ومسلم قلبا وقالبا، ويرفض "التشيع" و"التسلف" و"التطرف" و"التزلف" و"الطائفية العرقية" وعبادة الأصنام البشرية، وإتباع أي من طوائف التشدد العقدي المذهبي والصوفية الفاسدة،فساد المعتقد والتبعية السياسية، يرفض الجبة السوداء القصيرة والخف وتغليف المرأة بالسواد، وكل مظهر من مظاهر التشدد العقدي. ويرفض أيضا التطرف الإيديولوجي والتبليد والحداثة الزائفة التي تتبناها بغباوة أطياف وهيئات سياسية وجمعيات ثقافية وحقوقية ووجوه ثقافية معروفة في بلادنا، تؤسس هوية متخيلة " لمجتمع ديمقراطي متطور" لا وجود له، فكأنما هؤلاء، يعيشون في كندا ويتخيلون أنفسهم في المغرب،مجتمع ما يزال ثلثه يغط في ظلام الأمية وجهل القرون الوسطى، يضعون رؤوسهم في التراب خدمة للبرالية فاسدة مهيمنة تستغل فقر الشعب وحاجته وهامشيته وتدوس كرامته.هل تعلمون ما هي الخدمة التي قدمتها "مسيرة الدارالبيضاء"للرأي العام، لقد قصرت حبل الكذب وكشفت للجميع أن الديمقراطية والمساواة سراب ووهم.أما ما قدمته المسيرة لابن كيران،فقد جاءت لتقول له " إرحل " وبدهائه وذكائه جعل منها " لا ترحل "، رافعة من أسهمه السياسية. يرحل بن كيران والكل كان يتفق على هذا الرحيل، لو خرج الشارع من تلقاء نفسه يهتف ضد فشله الحكومي وهفواته في تدبير المرحلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، مدته في الحكومة حققت رقما قياسيا في التفقير الممنهج وانخفاضا مريعا في القوة الشرائية والغلاء الفاحش، وارتفاع مهول في الضرائب، والزيادات المتتالية في المحروقات والزيادات المتتالية في النقل وجمود الأجر وانعدام الشغل، وتردي الخدمات وتقهقر الأداء الاقتصادي وتردي المستوى التعليمي وضرب المؤسسة العمومية في الصميم وفساد الجامعات والتراجع الفضيع عن التغطية الصحية.وهو المسؤول طبعا عن ذلك كله ،خارج حكم التبريرات السخيفة ؟ لكن كيف نجعل الناخب على بينة من ذلك ليتخذ موقفا إيجابيا مما يجري .فهذا الأخير هو من يتحكم في نتائج التصويت وبالتالي هو من يحدد مصير بن كيران الانتخابي،والمسألة طبعا،ليست بيد خصومه السياسيين التقليديين وأعوانهم،الذين يريدون لي ذراعه في الانتخابات القادمة ولي ذراع الناخب ليصوت على الرمز المأثور ضده.فجاءت المسيرة لتقدم له أكبر دعم سياسي انتخابي يحصل عليه في هذا الاستحقاق، رافعين بذلك أسهمه السياسية.. ولربما فوزه الأكيد.؟ * باحث في الاقتصاد السياسي،عضو اتحاد كتاب المغرب،عضو اللجنة الإدارية للهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب .