أضحت الدبلوماسية في عالم اليوم فنّا وعلما؛ فهي لا تحتاج بذلك إلى أساس قانوني داعم فقط؛ بل إلى كفاءات تستوعب مجمل التحولات والمتغيرات الدولية الراهنة أيضا.. كما أن أداءها لم يعد مقتصرا على نسج وتعزيز علاقات تقليدية بين الدول؛ بل أصبحت تحمل على كاهلها مسؤوليات كبرى؛ تتصل بتدبير الأزمات المختلفة وجلب الاستثمارات وتعزيز المصالح العليا للدولة في جوانبها المتجدّدة والمتطورة؛ بالإضافة إلى المساهمة في تعزيز السلم والأمن الدوليين.. إن مجال السياسة الخارجية هو شأن سيادي ظلت تمارسه الدول عادة عبر الآليات الرسمية (رؤساء الدول؛ ورؤساء الحكومات؛ ووزراء الخارجية؛ والبعثات الدبلوماسية..)؛ غير أن تطور وتشابك العلاقات الدولية وتعدد الفاعلين؛ وتعقّد المصالح والقضايا والأزمات الدولية.. وتنوع القنوات المؤثرة في ملامحها وتوجهاتها؛ وضعها أمام محك حقيقي فرض عقلنة أكبر وانفتاحا أوسع؛ بالشكل الذي يضمن نجاعتها وعقلنتها ودمقرطتها وتحقيقها للأهداف والمصالح المتوخاة على وجه جيد.. وهو ما أتاح المجال لبروز الدبلوماسية الموازية التي تقودها مختلف الفعاليات من أحزاب سياسية ومجتمع مدني ومراكز بحثية وجامعات وإعلام وجاليات وجماعات ترابية وبرلمانات.. فإلى جانب مهامه المرتبطة بالتشريع وإعمال الرقابة على العمل الحكومي؛ يحظى البرلمان بغرفتيه بعدد من الصلاحيات المرتبطة بالشأن الدبلوماسي؛ وتتمحور الدّبلوماسية البرلمانية حول مجمل التشريعات والتدابير والإجراءات التي يتخذها البرلمان على طريق بلورة مواقف وسلوكيات تؤثر في القرارات الخارجية؛ في علاقة ذلك بالمساهمة في تدبير الصراعات والأزمات وجلب الاستثمار وتوضيح ودعم المواقف الخارجية الرسمية للدولة إزاء عدد من القضايا الوطنية والدولية والإقليمية.. مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية الخاصة بمجلس النواب؛ يطرح السؤال حول مدى استحضار الأحزاب السياسية للقضايا الخارجية ضمن برامجها؛ انسجاما مع وظائفها كمشاتل مفترضة لإنتاج النخب؛ ومع المستجدات الدستورية التي وسّعت من هامش تحرك المجلس على المستوى الدبلوماسي؛ وبخاصة فيما يتعلّق بالتأكيد على الديمقراطية التشاركية (الفصل الأول) وتوسيع مجال الموافقة على الاتفاقيات الدولية (الفصل 55) وتعزيز أدوار المعارضة البرلمانية (الفصل 10) وتوسيع صلاحيات البرلمان في مجال القانون (الفصل 71) ودعم الآليات الرقابة البرلمانية للحكومة (الفصول 100، و101، و105، و106). إن التنصيص على محاور السياسة الخارجية ضمن برامج الأحزاب؛ وعلاوة عن المقتضيات الدستورية التي تدعمه فيما يتعلق بمهام البرلمان والحكومة التي ستنبثق عنه؛ فهو يجد أساسه في كون ذلك يشكل مدخلا لمواجهة مجموعة من المعضلات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية المتّصلة بجلب الاستثمارات وتشجيع السياحة ومكافحة الإرهاب والتطرف.. في عالم متحوّل تضاءلت فيه المسافات والحدود بين ما هو داخلي وخارجي.. علاوة على التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الرسمية من حيث تنويع الشركاء وتعزيز خيار الشراكة جنوب – جنوب والمساهمة في إدارة عدد من الأزمات الإقليمية والدولية؛ والمبادرات المتصلة بقضية الصحراء المغربية التي تقتضي اليقظة والمواكبة.. من قبل مختلف الفاعلين وعلى رأسهم مؤسسة البرلمان في إطار ما يعرف بالدبلوماسية الموازية. يبدو أن هناك مفارقة كبيرة بين الرهانات المطروحة أمام الدبلوماسية البرلمانية وبين واقع استحضار الأحزاب السياسية لهذا الجانب ضمن برامجها. وهو ما يعود في جانب مهمّ منه إلى الآليات المتبعة في منح التزكيات للمرشحين والتي تغيب فيها ضوابط الديمقراطية الداخلية من حيث عدم استحضار الكفاءة والاستحقاق في كثير من الأحيان.. إضافة إلى غياب التأطير والتكوين المنتظم في هذا المجال الحيوي، كما أن مجمل البرامج وإن كانت تستحضر بعض القضايا المتصلة بالسياسة الخارجية؛ فهي تعدّ في غالبيتها في زمني ظرف قياسي بما يحيل إليه ذلك من سطحية وافتقاد للعمق والموضوعية.. من خلال الاطلاع على عدد من البرامج الانتخابية؛ يمكن القول إن هناك أحزابا ركّزت على القضايا الداخلية ولم تتطرق ولو بإشارة عابرة لقضايا متصلة بالسياسة الخارجية، فيما لوحظ وجود عدد مهم الأحزاب التي تناولت في ختام برنامجها قضايا خارجية لا تختلف مضامينها كثيرا من حزب لآخر؛ كما هو الشأن بالنسبة لقضية الوحدة الترابية؛ أو قضايا الهجرة والجالية المغربية في الخارج أو مكافحة الإرهاب الدولي؛ أو جلب الاستثمارات وتعزيز التنافسية والشراكات.. فيما ركّزت برامج أخرى على فتح المفاوضات مع إسبانيا بصدد قضية سبتة ومليلية؛ وإعطاء الأهمية للقضية الفلسطينية.. وتعزيز حكامة العمل الدبلوماسي.. غير أن الطابع الذي يغلب على مجمل البرامج في علاقتها بهذا المجال الحيوي؛ هو أنها وردت متشابهة ومختصرة وعابرة وفي آخر فقرات البرنامج، ولا يوازيها طرح للبدائل والمداخل الإستراتيجية الكفيلة بتحقيق هذه الرهانات؛ بما يجعل جزءا كبيرا منها مجرد شعارات عامة. *أستاذ القانون والعلاقات الدوليين بجامعة القاضي عياض [email protected] https://www.facebook.com/driss.lagrini