سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لكريني: من مصلحة المغرب تجنب القضايا الخلافية مع الجزائر وإسبانيا أستاذ العلاقات الدولية قال ل« المساء » إن الرباط تسعى إلى تدارك تراجعها الدبلوماسي في العقدين الأخيرين
قال إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية ومنسق مجموعة الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات بكلية الحقوق بمراكش، إن أمام الحكومة الجديدة تحدي تفعيل الدبلوماسية المغربية في محيطها الإقليمي والدولي، مضيفا أن تقييم أداء وزارة الخارجية أمر سابق لأوانه؛ على اعتبار أن تقييم الأداء الدبلوماسي لدولة ما لا ينبني على كثافة التحركات والاتفاقيات والمعاهدات المبرمة؛ بقدر ما يتأسس على نجاعة القرارات المتخذة ومدى تحقيقها للأهداف المرجوة وانعكاساتها على المصالح العليا للدولة، لكنه اعترف بالمقابل بسلامة وصحّة الإستراتيجية التي اعتمدها سعد الدين العثماني، وزير الخارجية، مع كل من الجزائر وإسبانيا وهي الإستراتجية التي تضع ضمن أولوياتها التقدم في العلاقات على مستوى القضايا المتفق حولها دون إثارة القضايا الخلافية. - ما هو تقييمك الأوّلي لأداء الدبلوماسية المغربية بعد تعيين وتنصيب الحكومة الجديدة؟ يبدو أن أداء الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة كان متسرعا ومضطربا في تدبير مجموعة من القضايا الهامة، بفعل المركزية التي طبعت مقاربة هذه القضايا، حيث ظلت السياسة الخارجية المغربية، في كثير من المناسبات، في موقع الدفاع وردّ الفعل وليس في موقع المبادرة والفعل، إذ استأثرت قضية الصحراء المغربية باهتمام كبير ضمن هذه السياسة، نظرا إلى موقعها المتميز على رأس قائمة القضايا التي تندرج ضمن المصالح العليا والحيوية للبلاد؛ وهو ما جعلها تؤثر، بشكل ملحوظ، في ملامح هذه السياسة وتتحكم، بصورة كبيرةن في مسارها، وهذا ما ترجمه اعتدال الدبلوماسية المغربية في العديد من المناسبات الإقليمية والدولية، كما هو الشأن من خلال الموقف المغربي الرسمي من حرب الخليج الثانية ومن قضية الشرق الأوسط والحملة الأمريكية لمكافحة ما تسميه «إرهابا».. علما أنّ تبدل العلاقات الدولية في العقود الثلاث الأخيرة، من حيث أبعادها ودوافعها، وتعدد الفاعلين فيها ووجود تداخل بين الشأنين المحلي والدولي نتيجة للاعتماد المتبادل وتشابك المصالح وتنامي البعد الاقتصادي في العلاقات الدولية وارتباط القرار الخارجي للدول بالمصالح، بمختلف تجلياتها وأبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتعقد القضايا والأزمات الدولية.. يفرض (هذا التبدّل) عقلنة أكبر ومشاركة أوسع لمختلف الفاعلين في اتخاذ القرار الخارجي، لتلافي أيّ ارتجال مُكلِّف. ومن هذا المنطلق، وعلاوة على القضايا والأولويات الداخلية الملحة المطروحة أمام الحكومة الجديدة، تجد هذه الأخيرة نفسها أمام تحدي تفعيل الدبلوماسية المغربية في محيطها الإقليمي والدولي، وهو ما حمله التصريح الحكومي، الذي صوت عليه البرلمان مؤخرا، خاصة أن الدستور المعدّل (يوليوز 2011) دعم صلاحيات السلطة التنفيذية في هذا الصدد، على مستوى إمكانية تداول مجموعة من القضايا ذات الصلة في المجلس الحكومي (الفصل ال92)، إضافة إلى منح رئيس الحكومة صلاحيات واسعة تتجاوز تنسيق العمل الحكومي إلى ممارسة السلطة التنظيمية (الفصل ال90)، وبلورة عمل حكومي متضامن (الفصل ال93 من الدستور) ناهيك عن وجود شخصية دينامية مشهود لها بالكفاءة على رأس وزارة الخارجية والتعاون المغربية.. وإلى حدود الساعة، يبدو تقييم أداء الدبلوماسية المغربية في ظل الحكومة الجديدة أمرا سابقا لأوانه، على اعتبار أن تقييم الأداء الدبلوماسي لدولة ما لا ينبني على كثافة التحركات والاتفاقيات والمعاهدات المُبرَمة (كمؤشر قانوني لتفسير السلوك الخارجي)، بقدْر ما يتأسس على نجاعة القرارات المُتّخَذة ومدى تحقيقها الأهدافَ المرجوة وانعكاساتها على المصالح العليا للدولة، وهو ما يتطلب قدرا كافيا من الوقت. - يبدو أن وزير الخارجية الجديد يعتمد مع الجزائر وإسبانيا إستراتيجية تضع ضمن أولوياتها التقدم في العلاقات على مستوى القضايا المتفق حولها دون إثارة القضايا الخلافية، ما مدى نجاعة هذا التوجه؟ لقد أكّدت التحولات الدولية الكبرى التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية أن تحقيق السلم والأمن الدوليين ونبذ الحروب والخلافات لن يتأتّى، في جزء كبير منه، إلا من خلال اعتماد تدابير وقائية تقوم على التعاون والتنسيق وتشبيك المصالح والاعتماد المتبادل بين الدول، وهو ما تنبهت إليه واقتنعت به الكثيرُ من دول أوربا، التي خرجت مأزومة من حروب مدمرة في منتصف القرن الماضي، حيث بادرت إلى نبذ خلافات الماضي وإلى استحضار مصالح الشعوب والأجيال القادمة، لتقدم نموذجا رائعا وواعدا في التكتلات الإقليمية وفي تحقيق التنمية والديمقراطية.. إن وظيفة السياسة الخارجية للدول لم تعد مقتصرة على نسج وتعزيز العلاقات التقليدية بين الدول وتدبير الأزمات، بل أصبحت تحمل على كاهلها مسؤوليات جساماً، ترتبط بجلب الاستثمارات وتعزيز المصالح العليا للدولة، في جوانبها ومظاهرها المختلفة، إضافة إلى المساهمة في خدمة قضايا السلم والأمن الدوليين. وأعتقد شخصيا بسلامة وصحّة هذا الخيار الذي تحدثت عنه في سؤالك، بل دعوتُ إليه غير ما مرّة وفي مناسبات عدّة على مستوى السعي إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والمصلحية عموديا مع الجزائر وإسبانيا (عبر القنوات الرسمية) وأفقيا (عبر فعاليات مختلفة من جمعيات وجامعات وإعلام وأحزاب سياسية ومراكز ثقافية ودبلوماسية الجماعات المحلية).. ذلك أن تشبيك العلاقات والمصالح بين الدول هو الضامن لاستمرار هذه العلاقات وصمودها أمام أي منزلق، بل والكفيل بالتفكير بجدّية وإرادة حقيقية في بلورة حلول عادلة فعّالة لمختلف المشاكل وتذليل القضايا العالقة، حماية لهذه المصالحة وحفاظا على هذه العلاقات المتينة. - رغم الحركية السريعة التي أبان عنها سعد الدين العثماني، يؤكد الكثير من المراقبين أن الملفات الكبرى للخارجية المغربية تبقى في يد الملك وما يسمى «حكومة الظل»، خصوصا بعد تعيين الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية السابق، مستشارا للملك؟ اعتبارا للأساس الدستوري، يحظى الملك بمكانة رئيسية في مجال صناعة القرار الخارجي، فبموجب الفصل ال42 من الدستور؛ يعتبر الملك هو «الممثل الأسمى للدولة ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها».. وهو الساهر على احترام التعهدات الدولية للمملكة. كما يتيح له الفصل ال47 تعيين رئيس الحكومة.. وهو الذي يرأس المجلس الوزاري، بموجب الفصل ال48 من الدستور، ويمنحه الفصل ال53 صفة «القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية»، ويخوّل له الفصل ال54 رئاسة المجلس الأعلى للأمن، وهو الذي يعتمد السفراء لدى الدول والمنتظمات الدولية ويُعتمَد لديه السفراء وممثلي المنظمات الدولية. كما يوقع عددا من المعاهدات ويصادق عليها بمقتضى الفصل ال55، فيما يمنحه الفصل ال59 إمكانية الإعلان عن حالة الاستثناء.. وهناك شركاء آخرون يساهمون، إلى جانب الملك، في نسج السياسة الخارجية المغربية، كرئيس الحكومة ووزير الخارجية، وخاصة بعد صدور مرسوم 20 يناير 1995 من خلال إعداد وتنفيذ عمل الحكومة في الميادين التي تهُمّ علاقات المغرب الخارجية وتوجيه العمل الدبلوماسي وتنمية التعاون الدولي.. إضافة إلى باقي الوزراء ومؤسسة البرلمان، من خلال الدبلوماسية البرلمانية.. لقد عمل الدستور المعدّل على تجاوز التداخل بين السّلط وتوضيحها وتوسيعها، بما يمكن أن يسهم في تجاوز الاجتهادات المنحرفة؛ غير أن ذلك يظل مرتبطا بطبيعة النخب الحكومية وبقدرتها على أجرأة هذه المقتضيات وتحريكها ميدانيا ومواجهة كل ما من شأنه أن يؤثر بالسلب على صلاحياتها الدستورية في هذا الشأن، في إطار سياسة خارجية منسجمة تستحضر المصالح العليا للبلاد. - تقدم المغرب، في الأسبوع الأخير، بقرار إلى مجلس الأمن حول الأزمة السورية، فهل هذا مؤشر على عودة المغرب إلى الواجهة الإقليمية العربية مع الحكومة الجديدة، أم إن الأمر مرتبط بعضويته في مجلس الأمن؟ حقيقة، إن الدبلوماسية المغربية تراجعت خلال العقدين الأخيرين، من حيث حضورها في المحيطين الإقليمي والدولي؛ ويجد ذلك مبرراته في مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، فالملك، باعتباره الفاعل الرئيسي في الدبلوماسية المغربية، أصبح يعطي الأولوية لقضايا واهتمامات داخلية.. كما أن التطورات التي شهدتها قضية الصحراء في السنوات الأخيرة (طرح مشروع الحكم الذاتي والترويج له دوليا واستئناف جولات من المفاوضات بين المغرب والبوليساريو).. إضافة إلى المتغيرات الدولية التي أعقبت انطلاق مفاوضات «السلام»، في بداية تسعينيات القرن المنصرم، ودخول الطرف الفلسطيني ونظيره الإسرائيلي في غمار مفاوضات مباشرة واندلاع أحداث 11 شتنبر وما تلاها من انخراط الولاياتالمتحدةالأمريكية في حملتها المرتبطة بمكافحة «الإرهاب».. وما ترتب عن ذلك من إعادة رسم التوازنات والخيارات في المنطقة العربية على مستوى الصراع العربي -الإسرائيلي، إضافة إلى الصراع الفلسطيني -الفلسطيني الأخير على السلطة.. كلها عوامل صعبت وضيّقت من فرص القيام بأدوار دبلوماسية مغربية أو عربية طلائعية في هذا الشأن. بالنسبة إلى التحرك الدبلوماسي للمغرب في محيطه الإقليمي، فقد بدا بصورة جليّة مع اندلاع الأزمة في ليبيا، قبل بضعة أشهر، وتزايد مع تعقُّد الوضع في سوريا. أما بالنسبة إلى التحرك الحالي في مجلس الأمن فهذا أمر طبيعي، بالنظر إلى أن أهمية هذا الجهاز الأممي، باعتباره المسؤولَ الرئيسي عن حفظ السلم والأمن الدوليين ولحساسية قراراته وتأثيراتها الدولية؛ فعلاوة عن الفرص التي يقدمها هذا التواجد، من حيث إمكانية دعم القضايا والمصالح المغربية ومن منطلق التمثيل القاري، فإن المغرب مُطالَب بدعم القضايا العربية والإسلامية والدولية العادلة، وهذا ما نص عليه الدستور المعدّل في تصديره وشدّد عليه التصريح الحكومي؛ مع العلم أن السياسة الخارجية للدول في عالم متشابك المصالح لا تتأثر بشكل جذري بتغير حكوماتها، ذلك أن هنالك محددات وأسسا تتعلق بهذه السياسة، كل ما في الأمر أن مقاربتها وتفعيلها يمكن أن يختلفا من حكومة إلى أخرى ومن ظرفية إلى أخرى. - كيف ترى، إذن، مستقبل السياسة الخارجية المغربية في محيطها الإقليمي في ظل التحولات الدولية الراهنة ومع الحكومة الجديدة؟ كما أسلفت، هناك مجموعة من العوامل والمستجدات التي من شأنها أن تدعم هذه السياسة، من حيث وجود مجموعة من المقتضيات الدستورية التي تدعم التّشاركية في هذا الشأن (الفصل ال55 من الدستور، الذي وسّع من قائمة الاتفاقيات التي لا تصدر عن الملك إلا بعد موافقة البرلمان، الفصل ال93، الذي أكد على التضامن الحكومي في تنفيذ السياسة الحكومية، الفصل ال70، الذي يدعم صلاحيات البرلمان في التصويت على القوانين ومراقبة العمل الحكومي ورسم السياسات العمومية والفصل ال10، الذي يفتح المجال أمام المعارضة البرلمانية للمساهمة في الدبلوماسية البرلمانية).. إضافة إلى وجود حراك مجتمعي إقليمي ومحلي يفترض إشارات إيجابية من صانعي القرار على مستوى بلورة سياسة خارجية «ديمقراطية» منفتحة على طموحات وانتظارات الشعوب وقادرة على تجاوز مختلف التحديات، في أبعادها الداخلية والخارجية. وتبقى الإشارة إلى أن السياسة الخارجية التي لا تنبني على مقومات اقتصادية وسياسية واجتماعية تدعمها.. تظل مجرد شعارات في عالم متغير لا يؤمن إلا بالمصالح. إن السياسة الخارجية، باعتبارها سلوكا علنيا للدولة في محيطها الخارجي عبر مجموعة من الفاعلين وتبعا لبرنامج محدّد من بين بدائل عدّة متاحة بغية الدفاع عن مصالحها الوطنية أو تحقيق مجموعة من الأهداف على المستوى الدولي، تفترض استحضار التحديات الكبرى التي يفرضها المحيط الدولي، بتحولاته المتسارعة الراهنة، على مستوى الأحداث التي تعرفها مختلف الأقطار العربية، ووجود أزمة مالية دولية تفرض الحذر والعقلنة في اتخاذ القرارات وتنويع العلاقات الدولية واختيار الإمكانيات والسبل اللازمة والكفيلة بتحقيق المصالح والأهداف المحدّدة.