إن فهم أعطاب الفعل الانتخابي لن تتأتى دون استحضار الجوانب المرتبطة بالمحددات السيكولوجية والنفسية والسلوكية وطبيعة شخصية السياسي/المترشح أيضا، خصوصا عندما يكون هناك خلل على مستوى البواعث والدوافع المحركة للرغبة في الترشح للانتخابات التشريعية، وأي أنماط من الشخصية تلقي بظلالها على سلوك المترشحين وتحفزهم على الترشح؛ وهي، طبعا، كثيرة من الصعب حصرها في هذا المقام. لكن هناك أساسيات سيكولوجية ظاهرة للعيان، ولا تحتاج إلى كبير عناء لإبرازها، وقابلة للتفسير والتحليل تمكننا من الفهم اليسير لدقائق الأمور والتي تفتح آفاقا أكثر للتعمق في الموضوع من خلال التسلح بمناهج وأدوات البحث في علم النفس السياسي، لنكون على بينة واضحة في فهم الظواهر السياسية القائمة في البيئة المغربية، خصوصا فيما هو مرتبط بالظواهر الباثولوجية للانتخابات. وهذا ما سنحاول الخوض فيه، وفق النسق التالي: نزعة البحث عن السلطة والنفوذ والارتقاء الاجتماعي يعتبر كرسي البرلمان مغريا من حيث الامتيازات التي يوفرها، لكونه يعبّد الطريق للولوج إلى دوائر السلطة للحصول على النفوذ والجاه والارتقاء الاجتماعي، إذ يكون الرهان الأكبر هو التقرب من السلطة لنيل الحظوة والعطايا والامتيازات المتنوعة، والدافع يكون دائما تحقيق مآرب شخصية محضة، مقابل انتفاء هم خدمة المصلحة العامة والتعبير عن طموحات ورغبات المواطنين؛ وحتى المترشح الذي تتوفر لديه النية في خدمة المواطنين سرعان ما يتغير ويتنكر لوعوده عند وصوله إلى قبة البرلمان، بحكم المتغيرات النفسية والسلوكية التي تصيبه داخل البيئة البرلمانية التي تجعله ينسج علاقات اجتماعية من مستويات أخرى تمكنه من الارتقاء الاجتماعي والانتقال إلى وضع اجتماعي آخر أكثر أريحية يستتبع تغيرات سيكولوجية وسلوكية أيضا قد تكون في الغالب سلبية مع المواطن العادي، وبالتالي تبرز دائما النظرة التشييئية والأداتية للمواطن / الناخب. البحث عن بلسم "للذات المجروحة" إن الكثير من المترشحين للانتخابات يبحثون عن بلسم "للأنا المجروحة"، حسب تعبير جيرولد بوست؛ وذلك نتيجة ما عانوه من حرمان أثناء طفولتهم. ويشكل الحصول على منصب برلماني قمة الرهان على التعويض في سبيل سد هذه الفراغات النفسية المحفورة في الذاكرة والنفس. وعليه، يكون الكثير من المترشحين للانتخابات أكثر استعدادا لتوظيف سلطة المال لتحقيق طموحاتهم، حيث يشكل الفوز في الانتخابات والتقرب من السلطة طموحا جامحا وقيمة تعويضية أيضا عن الإحساس بالدونية التي تتملكه وعدم تقدير الذات. وما دامت ذاته مستباحة، فإنه يكون على استعداد للدفع من أجل شراء الذمم وفعل المحظور أخلاقيا وقانونيا؛ فبحث المترشح عن تحقيق نوع من اللذة قائم، حتى وإن كان ذلك يؤدي إلى إلحاق الأذى بالذوات الانتخابية الأخرى، فالاستمتاع والاستفادة بالنسبة إلى لناخب يكون بشكل آني/لحظي، فقط سرعان ما ينقضي ويعود إلى دائرة المعاناة والإحباطات اليومية. وهذا ما يفسر مثلا تعبير أحد المترشحين بانتقاله إلى "حزب البام" بأنه وجد فيه اللذة التي يبتغيها. المترشح والنرجسية التدميرية إن الكثير من المترشحين يعانون اضطرابا في الشخصية، إذ تحكمهم النرجسية التي تعبر عن حب النفس والتعالي والغرور ويبحث دائما عن أن يكون موضع الإعجاب من لدن الجميع بينما تتداعى لديه مشاعر التعاطف مع الآخرين أي تتملكه نزعة "أنا أو لا أحد". وهذا ما يفسر ظاهرة الترحال السياسي المستشرية إبان فترة الترشيحات من جانبها السيكولوجي. وهذا الإحساس يبحث المترشح في الغالب عن ترجمته ليس في الفضاء الاجتماعي فقط، وإنما أيضا في الفضاء السياسي؛ لأن التقرب من السلطة يحقق هذا الطموح النرجسي. وبالتالي هذه النرجسية تجعله، في كثير من الأحيان، عدوانيا بدرجة كبيرة حالة وجود عوارض تعترض تحقيق سموه وتعاليه في العمل السياسي؛ وهو ما يجعله يركب النزعة التدميرية لكل القيم الأخلاقية، وتكون له القابلية لاستعمال كل الطرق غير المشروعة لتحقيق هدفه. فأمام نرجسيته التدميرية يهون كل ما له قيمة إنسانية وحضارية، ويمتثل للمبدأ الذي أسسته المكيافيلية "الغاية تبرر الوسيلة"، والنتيجة هي استباحة نزاهة الانتخابات وإقحامها في مستنقع الفساد. نزعة الخلود الرمزي بالنظر إلى طبيعة النخب البرلمانية الموجودة، نجد تقريبا الكثير من الوجوه التي تعاود الترشح من أجل ضمان الاستمرارية، حيث تحكمها من الناحية السيكولوجية والسلوكية نزعة البقاء ليس في الحياة، أي بالمعنى البيولوجي فقط، وإنما أيضا في المناصب السياسية؛ فكرسي البرلمان وامتيازاته يحدث نوعا من المؤانسة والألفة والرباط النفسي والعاطفي والوجداني، بالنسبة إلى أي مترشح من الصعب تقبل مسألة التخلي عنه. وهذا ما يفسر حرص الكثير من المترشحين على المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، بالرغم من بلوغهم سنا متقدما على الترشح، وبالرغم من تداعي قدراتهم الصحية والمعرفية؛ وحتى من لا يملك القدرة ويسيطر عليه العجز يقوم بتوريث منصبه لأبنائه وأحفاده استجابة لنزعة الخلود الرمزي، ويرى ذاته البرلمانية في ابنه، وبالتالي يستثمر رصيده الرمزي وسلطته والمال والجاه الذي يملكه لتعبيد الطريق وتيسيره أمام ابنه المورث. إننا في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى التأسيس لعلم النفس السياسي المغربي، للاسترشاد به، والتهيئة لفهم أعمق للمكنون السيكولوجي والنفسي والسلوكي الذي يحكم السياسي في المغرب، وللوقوف على كنه المعضلات التي تسهم في إهدار الزمن الانتخابي؛ لأن الردع القانوني في ضبط هذه الدوافع والنزوعات المرضية لمختلف المترشحين والتي تكون لديها عواقب وخيمة على العمل السياسي والبرلماني غير كافية في العلاج والإصلاح، دون الاستثمار في الجوانب المتعلقة بقنوات التنشئة الاجتماعية والسياسية والجانب القيمي والثقافي؛ فهناك مدارس أضحت تهتم حتى بجانب البيولوجيا السياسية وتفسر الكثير من الظواهر والسلوكيات السياسية من منطلق البيولوجيا. *باحث وأستاذ جامعي