على الكنبة المواجهة للتلفاز جلست الفتاة تداعب حبيبات البذور.. بتؤدة تنتقي واحدة، تحملها بين أناملها الدقيقة، تضعها في مقدمة فمها، وبحرص تضغط عليها بأسنانها، فتستخلص اللب، لتلتهمه، بينما ترمي القشور في ورق أعدته لهذه الغاية. في لحظة ما حانت منها التفاتة نحو أبيها، الذي غاص في صفحات الجريدة، ثم سألته: ما التحكم يا أبي؟ بصعوبة انتزع الأب عينيه الكليلتين من بين سطور الجريدة، ثم قال: - التحكم يا ابنتي معناه أن تكون كل خيوط اللعبة في يد واحدة. – ولماذا يتم ترديده بكثرة خلال هذه الفترة الأخيرة؟ لقد سمعته في التلفاز والمذياع ورأيته يتردد على صفحات الشبكة العنكبوتية . فكر الأب قليلا، ثم قال: - يبدو أنه حصان طروادة الجديد، الذي سيحمل مردديه نحو الوزارة يا ابنتي. – ماذا تقصد يا أبي؟ -أقصد يا ابنتي أن التحكم من الحكم وأن من يرددونه كانوا ولا زالوا أدوات له، وحين اقترب موعد مغادرتهم له، يدعون أنهم ضده، حتى يتمكنوا من العودة إليه . - لم أفهم يا أبي. هل يخدعوننا إذن؟ - لا يا بنيتي..إنهم يماسون لعبة التحكم فقط، وفي اللعب كل شيء مباح. – وهل سيصدقهم الناس؟ - الناس في بلادي يا بنيتي يحبون التحكم ويكرهونه. ولن يغير الكلام عنه شيئا. – فما الهدف إذن من ترديده؟ - إنهم فقط يسعون لإطالة أمد تحكمهم فينا بانتقادهم للتحكم، الذي مارسوه علينا في إلغاء صندوق المقاصة و"إصلاح " التقاعد والتضييق على الحق في الإضراب . - أكاد لا أفهم شيئا يا أبي. كأنهم يقولون لنكن لاعبين أساسيين في التحكم أو نفسد اللعبة. ها أنت فهمت يا ابنتي . بعدها ساد صمت بينهما، تخللته فقط لفظة التحكم، التي كان التلفاز يرددها بكثير من الإصرار. *كاتب وأديب مغربي