إن الدور المحوري الذي تلعبه المؤسسة الملكية في الحياة السياسية بالمغرب يجعل الملك المصدر الوحيد والمركزي لكل السلط والصلاحيات. فنظام الحكم في البلاد يعتبر نظاما وراثيا، تمركزيا، وشخصانيا؛ وبالتالي فإن شخص الملك (أو الذات الملكية) يكون محط كل الأنظار، وكل الإشارات، والكلمات التي تصدر عنه تكتسي أهمية كبرى وتتمتع بدلالة سياسية ورمزية خاصة.. كما تفرض تحركات الملك في مختلف المجالات والقطاعات الحضور المادي والسياسي للذات الملكية، ما يعتبر شيئا مستحيلا ماديا وفيزيقيا. ولعل هذا الوضع هو الذي حتم تعيين شخصيات سياسية تعكس هذا الحضور، وتمثل الملك في عدة مجالات وأنشطة؛ وبالتالي، إذا كان الولاة والعمال يعتبرون ممثلين لصاحب الجلالة في مختلف ربوع المملكة وأنحائها، والقضاة يعتبرون ممثلين له في إصدار الأحكام في مختلف محاكم المملكة، فإن المستشار الملكي يشكل امتدادا للذات الملكية من خلال تمثيله الشخصي.(1) لكن، ونظرا لصعوبة تواجده الشخصي وحضوره في مختلف الملتقيات المنتديات؛ فإنه عادة ما يتم تكليف المستشارين، كل حسب اختصاصه، بتمثيل الملك في التظاهرات أو أثناء افتتاحها.. وكثيرا ما حضر مستشارو الملك بعض التظاهرات التي تكتسي طابعا دينيا؛ حيث يقومون بتقديم الهبات الملكية لبعض رؤساء الزوايا أو الطرق، أو يشاركون في إحياء المناسبات التي تقام إحياء لذكرى بعض الأولياء.. كما لوحظ عدة مرات تواجد مستشارين في بعض اللقاءات ذات الطابع الاقتصادي أو المالي أو الإداري. وإلى جانب ذلك، يشارك مستشارو الملك في افتتاح اجتماعات بعض المجالس الوطنية، سواء كانت علمية أو قطاعية أو رياضية وغيرها؛ وبالتالي فإن كل هذه المظاهر والكلمات التي يحرص على اتباعها من طرف المستشار تتغيا الإشارة إلى الحضور الرمزي للملك من خلال مستشاريه؛ كما أن الكلمات التي تلقى من طرف المستشار امتداد رمزي وفيزيقي ل"الذات الملكية"، التي من المفروض رعايتها لكل الأنشطة الثقافية والاقتصادية والسياسية التي تعرفها المملكة؛ على اعتبار أن "جلالة الملك" هو الساهر والراعي والمشرف على كل شيء.. وهذه الرعاية الملكية (2) ينبغي أن تتجسد من خلال ممثليه، ليس فقط التنظيميين والإداريين (كالوزراء، والولاة، والعمال...)؛ بل من خلال ممثليه الشخصيين الذين يتجسدون من خلال المستشارين الملكيين الذين يتولون تلاوة رسائله، أو نقل تعازيه، أو ترؤس اللجان والمجالس والجمعيات التي توجد تحت الإشراف الملكي، بالإضافة إلى تلميع الصورة الملكية. أولا- المستشار وتلاوة الرسائل الملكية جرى التقليد المخزني على أن يقوم السلطان، خلال استقبالاته لشخصيات البلاط وغيرها بالاكتفاء بتحريك شفتيه؛ في حين يتولى المكلفون بالبروتوكول المخزني برفع أصواتهم بما يريد أن يفصح عنه، ومازال هذا التقليد سائدا إلى حد الآن. باستثاء الخطب التي يتوجه بها الملك مباشرة إلى "شعبه الوفي" في مناسبات معينة، كالاحتفال بعيد الاستقلال أو عيد العرش أو عيد الشباب، أو ذكرى ثورة الملك والشعب، أو عيد المسيرة، أو في بعض المناسبات التي تقتضيها المستجدات الوطنية أو الدولية، فإن صوت الملك لا يسمع إلا من خلال حجابه، الذين عادة يرددون العبارة المخزنية: "الله يرضي عليكم كاليكم سيدي"، في التعيينات وحفل الولاء. وعلى الرغم من المشاريع الذي درج الملك على تدشينها طوال السنة، والتي يتم الحرص على نقلها إذاعيا وتلفزيا؛ تنقل صور الملك دون أن يسمع الصوت الملكي؛ لأنه وفق الثقافة المخزنية لا يتكلم إلا من خلال وسيط، وعادة ما يكون هذا الوسيط هو المستشار الملكي، الذي يعتبر بمثابة ممثله الشخصي، والناطق الرسمي باسمه. وحتى بعدما تم خلق منصب الناطق الرسمي باسم القصر، بقيت كل الرسائل الملكية تتلا من طرف أحد مستشاري الملك، وتحاط بكل طقوس التقديس ومظاهر الاحترام المخصصة لشخص الملك. وعادة ما يتم افتتاح بعض اللقاءات والمناظرات بإلقاء المستشار رسالة ملكية تتضمن تصورات وتوجيهات الملك بصدد محاورها؛ وتتلا محاطة بكل مظاهر التقديس والتشريف، المتمثلة في تقبيلها من طرف مستشاري الملك، وكذا في كلمات الاحترام المخزني التي تلقى لهذا الغرض. وفي هذا الصدد، تلا المستشار الملكي محمد معتصم نص الرسالة "السامية" التي وجهها الملك محمد السادس إلي المشاركين في المناظرة الوطنية للرياضة، التي انعقدت بالصخيرات؛ كما أنه بمناسبة انعقاد المؤتمر السادس لجمعية المحاكم والمجالس الدستورية، التي تتقاسم استعمال اللغة الفرنسية، والذي انطلقت أشغاله يوم الأربعاء 4 يوليوز 2012 بمراكش، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك(3)، حول موضوع "المواطن والقضاء الدستوري"، وجه الملك رسالة "سامية" إلى المشاركين، تلاها السيد عبد اللطيف المنوني، مستشار "صاحب الجلالة". من هنا يظهر أن تلاوة الرسالة الملكية من طرف أحد مستشاري الملك يبطن حضورا (ذاتيا) للملك.. فحتى إن لم يكتس حضورا فيزيقيا وماديا فهو من خلال لسان المستشار يخاطب المشاركين في هذه المناظرة، ويحدد لهم فيها توجيهاته بشأن إصلاح القطاع الرياضي في المملكة. كما أن إسناد هذه المهة من طرف الملك إلى أحد مستشاريه ليخاطب قطاعا من القطاعات، وشريحة من شرائح الشعب المغربي، يضمر بالأساس أن الملك لا يتكلم إلا مع مجموع الشعب من خلال الخطب الملكية، أما التوجه إلى شريحة من الشرائح أو فئة من الفئات، في إطار ندوات أو مناظرات معينة، فتسند عادة إلى أحد مستشاريه، الذي يتكلم بلسانه وينوب عنه في حضور مثل هذه الفضاءات التي لا تقتصر على هذه الفضاءات الوطنية، بل يمكن أن تتعداها إلى فضاءات خارج البلاد. وفي هذا السياق كلف مستشار الملك عمر القباج بتلاوة نص الرسالة الملكية التي وجهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في الاجتماعات السنوية للبنك الإفريقي للتنمية، التي أنطلقت يوم الخميس 31 ماي 2012 بأروشا، تحت شعار: "التحديات المطروحة والفرص المتاحة". ثانيا- المستشار ونقل التعازي الملكية جرت التقاليد المخزنية على أن الملك لا يحضر في الجنازات، سواء كانت تخص شخصيات وطنية أو أجنبية، بما فيها تلك التي تربطها بالأسرة الحاكمة بالمغرب أواصر وروابط متينة، كالسعودية والإمارات العربية المتحدة؛ إذ سجل غياب الملك محمد السادس عن جنازة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ما سبب سوء فهم بين البلدين دام لعدة أشهر، إذ إن الإماراتيين لم يفهموا سبب غياب صديق كبير لبلدهم عن مراسيم الجنازة التي حضرها عدد كبير من ملوك رؤساء العالم..فمن عادة الملوك العلويين ألا يحضروا مراسيم الأفراح والجنازات، ما أكده الملك محمد السادس في حوار مع صحيفة "إيل باييس" الإسبانية في 16 يناير 2005 قائلا: "تقاليدنا لا تسمح بحضور مراسم الزفاف أو الجنازة بالخارج". وعادة ما يتم تكليف أحد أقرباء الملك للمشاركة في مراسيم الجنازات ونقل تعازي الملك. ففي جنازة الرئيس الفرنسي الراحل جورج بومبيدو بعث الملك الراحل الحسن الثاني ولي عهده آنذاك، سيدي محمد، للمشاركة في مراسيم الجنازة. كما درج الملك محمد السادس على بعث أخيه مولاي رشيد للمشاركة في جنازات الملوك والأمراء، سواء في الدول العربية أو الأوربية. ففي جنازة الشيخ زايد، وجنازة ولي العهد السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز، حضر الأمير مولاي رشيد لتمثيل الملك. كما يحضر مولاي رشيد في مراسيم الجنازات التي تقام لبعض كبار الشخصيات السياسية الوطنية التي تنال الرضى المخزني عن الخدمات التي أسدتها للنظام الملكي. لكن إلى جانب حضور هذا الأمير، عادة ما يحضر بعض مستشاري الملك لنقل تعازيه بهذه المناسبة وتلاوة برقية التعزية الملكية.. فبعد وفاة الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، الراحل عبد الكريم الخطيب، وجه "جلالة الملك محمد السادس برقية تعزية ومواساة إلى الأمين العام للحزب، الأستاذ عبد الإله بنكيران، أعرب فيها جلالته عن عميق الأسى وشديد التأثر بالنبأ المحزن لرحيل المشمول بعفو الله تعالى ورضاه، المجاهد الكبير الدكتور عبد الخطيب، الذي لبى داعي ربه راضيا مرضيا في ليلة القدر المباركة". وجاء في نص البرقية التي تلاها مستشار جلالة الملك، السيد محمد المعتصم، بعد مراسيم الدفن بمقبرة الشهداء بعد عصر يوم الأحد 27 رمضان 1429: "نعرب لك ومن خلالك إلى حزب العدالة والتنمية، قيادة وقواعد، عن تعازينا الحارة ومواساتنا الصادقة في فقدان هيأتكم السياسية الموقرة، رئيسها المؤسس، الذي أبلى البلاء الحسن، سواء في تاريخ الحركة الوطنية، كأحد قادة المقاومة وجيش التحرير، أو في معركة الجهاد الأكبر، مناضلا سياسيا حكيما، متشبعا بقيم دينه السمح وهويته المغربية الأصيلة". ويضيف جلالة الملك: "بوفاته يكون المغرب وهيأتكم السياسية، فقدا نموذجا يحتذى في التشبت بإمارة المؤمنين، والتعلق بثوابت الأمة ومقدساتها والنهوض بأمانة وصدق ونكران ذات بالمسؤوليات الوازنة والمهام الجسيمة التي تقلدها...". وفي مراسيم تشييع شقيق رئيس مجلس النواب السابق، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بالقنيطرة، السيد عبد الواحد الراضي، حضر "مستشار صاحب الجلالة السيد محمد معتصم، الذي تلا نص برقية التعزية الملكية التي بعثها الملك بهذه المناسبة، بحضور والي وعمال صاحب الجلالة على أقاليم جهة الغرب-شراردة-بني حسن". وخلال مراسيم تشييع جثمان المستشار الملكي الراحل مزيان بلفقيه التي حضرها "صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وأفراد أسرة الفقيد ومستشارو صاحب الجلالة، السادة محمد معتصم وأندري أزولاي وعباس الجراري وعمر القباج، والسادة محمد رشدي الشرايبي، عضو الديوان الملكي، ومحمد الكتاني وفاضل بنيعيش، المكلفان بمهمة في الديوان الملكي، والحاجب الملكي ومؤرخ المملكة السيد حسن أوريد، وعدد من أعضاء الحكوم ، وزعماء الأحزاب السياسية، وشخصيات مدنية وعسكرية، وحشد كبير من ساكنة تاوريرت، تلا السيد محمد معتصم، مستشار صاحب الجلالة برقية التعزية التي بعثها جلالة الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم". وإثر وفاة المطربة الجزائرية وردة، بعث الملك مستشاره فؤاد عالي الهمة، والسفير عبد السلام الجعيدي، لتقديم تعازيه إلى السلطات الجزائرية، فتوجها "مرفوقين بسفير المغرب بالجزائر، السيد عبد الله بلقزيز، إلى قصر الثقافة بالجزائر العاصمة، للترحم على روح الفقيدة، قبل أن يوقع مستشار جلالة الملك في دفتر التعازي. إثر ذلك، توجه أعضاء الوفد المغربي إلى مقبرة العالية بالجزائر العاصمة لحضور مراسم تشييع جثمان الفقيدة بمربع الشهداء. وقدم فؤاد عالي الهمة، بالمناسبة، تعازي صاحب الجلالة للوزير الأول الجزائري، السيد أحمد أويحيى، كما سلم رسالة تعزية من صاحب الجلالة إلى ابن الراحلة وردة، التي وافتها المنية بالقاهرة عن سن 72 عاما. وكان في استقبال السيدين فؤاد عالي الهمة، وعبد السلام الجعيدي، لدى وصولهما إلى مطار الجزائر العاصمة الدولي، السيدان مراد مدلسي، وزير الشؤون الخارجية الجزائري، وعبد القادر مساهل الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية، وكذا سفير المغرب بالجزائر". ولا يقتصر حضور المستشار الملكي على جنازات أعضاء النخب السياسية والعسكرية والثقافية فقط، بل يشمل أيضا جنازات بعض المواطنين من الفئات الشعبية، من مدنيين وعسكريين. وفي هذا الصدد "كلف مستشار الملك عمر عزيمان بحضور مراسيم تشييع جثمان الجندي الفرنسي من أصل مغربي عماد بن زياتن، الذي قضى في الحادثة الإرهابية بتولوز، والذي دفن بمسقط رأسه بمدينة المضيق، حيث أقيم مأتم بمنزل عائلته، تليت خلاله برقية التعزية التي بعث بها الملك محمد السادس إلى عائلة الفقيد، وسلمها عمر عزيمان إلى والدي الجندي الشهيد". ثالثا- المستشار وترؤس اللجان الملكية في إطار تدبير الملك للشأن العام، عادة ما يكلف بعض مستشاريه بترؤس بعض اللجان التي يتم خلقها للنظر في بعض القضايا الحيوية، كإصلاح قطاع التعليم، أو وضع دستور للبلاد... - اللجنة الملكية لإصلاح قطاع التعليم شكل قطاع التعليم، منذ استقلال المغرب، رهانا سياسيا للمؤسسة الملكية، نظرا لاستشراء الأمية في البلاد، وحاجة الدولة المتواصلة إلى الأطر، والتوظيف السياسي لهذا القطاع. وكان هذا القطاع يشكل بؤرة صراع دائم بين السلطة والمعارضة، سواء قبيل استقلال البلاد، من خلال استغلال الحركة الوطنية للمدارس الحرة في مواجهة مشروع سلطات الحماية في تأسيس مدارس الأعيان، التي انصبت على تكوين نخب محلية سرعان ما انقلبت عليها مطالبة بالحلول محلها في تسيير البلاد. أما بعيد الاستقلال، فقد شكلت الثانويات والجامعات معقلا لمعارضة النظام، إذ شكل رجال التعليم قيادة لأحزاب المعارضة اليسارية، في حين شكل طلبة الجامعات وتلامذة المؤسسات التعليمية قواعد للأحزاب في مواجهاتها للسلطة، في وقت شكل إصلاح التعليم جزءا من مطالب هذه المعارضة، التي اصطدمت مع النظام في أحداث دامية كان من أبرزها انتفاضة 23 مارس 1965، التي كان إصدار مرسوم وزير التعليم بلعباس الشرارة الأولى التي فجرتها، والتي خلفت العديد من القتلى، وأدت بالنظام إلى إعلان حالة الاستثناء، والاتفاق على عقد مناظرة إفران بشأن إصلاح نظام التعليم. كما أن الإضراب العام في قطاع التعليم، الذي أعلنته الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، التي تزعمها نوبير الأموي، المفتش السابق في قطاع التعليم، كان محطة من محطات الصراع بين نظام الملك الراحل الحسن الثاني والمعارضة الاتحادية، الذي أسفر عن طرد العديد من رجال التعليم المضربين قبل أن يتم الاتفاق على إرجاعهم وتعويضهم في إطار التوافق السياسي الذي تم بين الطرفين في منتصف تسعينيات القرن 20، في إطار تهييء الأجواء السياسية التي ستتمخض عن ترأس عبد الرحمان اليوسفي لأول حكومة ائتلافية بقيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التي كان من بين النقط التي تضمنها برنامجها إصلاح قطاع التعليم. وفي هذا السياق، عين الملك الراحل الحسن الثاني في 3 مارس 1999 مستشاره مزيان بلفقيه رئيسا للجنة عهد إليها اقتراح مشروع لإصلاح نظام التربية والتكوين، تكونت من ثلاثين شخصا يمثلون كل مكونات المجتمع: الأحزاب السياسية، والنقابات، والعلماء، وخبراء التربية، والفاعلون السوسيو اقتصاديون...وقامت هذه اللجنة، تحت رئاسة هذا المستشار، برسم توجهات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، تبعا للتعليمات الواردة في الرسالة الملكية الموجهة إلى السيد مزيان بلفقيه يوم الاثنين 8 مارس1999 ، التي أكدت على ضرورة وضع رؤية شاملة لهذا الإصلاح، موردة" :"لبناء المدرسة الوطنية المغربية للغد يجب أن يتم الإصلاح في إطار رؤية شاملة منسجمة وملتحمة وواعدة ومرنة، بما يسمح بالاستجابة لحاجات الحاضر ومتطلبات المستقبل.. فالسبيل الأول أمام هذه اللجنة هو سبيل ضمان تساوي الفرص وإتاحة المعارف الأساسية لكل مغربي لانتزاعه من الجهل... والسبيل الثاني يكمن في ضرورة عدم إهمال استغلال التفوق وإعداد نخبة الغد من أبنائنا". ولعب هذا المستشار دورا أساسيا في الإشراف الشخصي على بلورة ملامح هذا الإصلاح، من خلال الاتصال بكل الفعاليات التي لها دراية أو خبرة بهذا القطاع. وفي هذا الصدد كتب المؤرخ عبد الهادي التازي ما يلي: «كل مستشار يكلف بقطاع من قطاعات الدولة بأمر من الملك، وهذا الرجل كان مكلفا بعدد من القطاعات الدقيقة والمهمة، وكان يؤدي مهمته بنزاهة كاملة، وبإتقان، ومن بينها قطاع التعليم الذي يعد من القطاعات الإستراتيجية الهامة.. وكان الرجل لا يتردد في استشارة كل شخص يعرف أن وراءه سرا لنجاح مهمته، للتوصل إلى الحلول. وكان لا يحابي أحدا.. وللمرة الأولى أقول إني كنت من الذين استشارهم بشأن جامعة القرويين والتعليم الأصيل، إذ طلب مني أن أزوده بكتابي حول القرويين، الذي يتألف من ثلاثة مجلدات، وشعرت بأن الرجل عرف جيدا مركز القرويين ودورها في إشعاع التعليم، وكان يعمل من أجل إبراز هذا الدور في برنامجه حول التعليم في المغرب". - الآلية الاستشارية لمراجعة الدستور كان من المنتظر بعد تولي الملك محمد السادس الحكم، خلفا لوالده الملك الراحل الحسن الثاني، أن يتم الإسراع في وضع دستور جديد للبلاد، يحدد تصور هذا الملك لمفهومه الجديد للسلطة، الذي تم رفعه في بداية حكمه. لكن يبدو أن الملك الجديد كانت له رؤية أخرى في هذا الصدد، إذ وجه أولوياته للأوراش الاقتصادية الكبرى (مشروع الميناء المتوسطي، تقوية شبكة الطرق السيارة...) وتنقية الأجواء السياسية من خلال إنشاء لجنة الإنصاف والمصالحة وتطوير المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى بعض الأوراش الاجتماعية (مدونة الأسرة، المبادرة الوطنية للتنمية الاجتماعية ...). ورغم مطالب بعض القوى السياسية بضرورة وضع الدستور، والتي كان من بينها مذكرة الإصلاح الدستوري التي وجهها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى الديوان الملكي في ماي 2009 ، بقي هذا الورش الدستوري مغلقا، لاسيما أن القوى السياسية، وعلى رأسها حزب الاستقلال، وقوى حزبية من اليسار، كانت ترى أن الوقت لم يحن بعد لمباشرة هذا الورش. ويبدو أن تداعيات ما سمي "الربيع العربي"، ونزول حركة 20 فبراير إلى الشارع بمطالبها السياسية، وعلى رأسها المطالبة بالملكية الديمقراطية ومحاربة الفساد والاستبداد، جعلت الملك محمد السادس يفتح هذا الورش، معلنا في خطاب 9 مارس 2011: "حقق المغرب مكاسب وطنية كبرى، بفضل ما أقدمنا عليه من إرساء مفهوم متجدد للسلطة، ومن إصلاحات وأوراش سياسية وتنموية عميقة، ومصالحات تاريخية رائدة، رسخنا من خلالها ممارسة سياسية ومؤسسية صارت متقدمة، بالنسبة لما يتيحه الإطار الدستوري الحالي. كما أن إدراكنا العميق لجسامة التحديات، ولمشروعية التطلعات، ولضرورة تحصين المكتسبات، وتقويم الاختلالات، لا يعادله إلا التزامنا الراسخ بإعطاء دفعة قوية لدينامية الإصلاح العميق، جوهرها منظومة دستورية ديمقراطية...". وحاول العاهل المغربي التحكم في هذه المبادرة من خلال مرتكزين رئيسين: - وضع حدود سياسية لهذه المبادرة، لا ينبغي ألا تتجاوز ثوابت النظام الجوهرية. - تنصيب اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، إذ أعلن عشية يوم الخميس 10 مارس 2011 في الرباط إحداث آلية سياسية مهمتها المتابعة والتشاور وتبادل الرأي بشأن مشروع الإصلاح الدستوري في المغرب، تضم بصفة خاصة، رؤساء الهيآت السياسية والنقابية، ويتولى رئاستها مستشاره محمد معتصم.(3) هوامش 1- لقد عين الملك الراحل الحسن الثاني مستشاره أحمد بنسودة كأول عامل على المناطق الصحراوية بعد استرجاعها من الإسبان، وكان أول من أنزل العلم الإسباني من فوق مقر الحاكم الإسباني. وروى مقربون من المستشار أنه حين كان واليا مقيما في الصحراء بعد رحيل القوات والإدارة الإسبانيين في مطلع 1976، وكان يخصص يومه وجزءا غير يسير من ليله في استقبال المواطنين الصحراويين، الذين أقبلوا على مقر إقامته في فندق البارادور لتقديم الولاء والبيعة. 2- عادة ما يقوم منظمو التظاهرات والمؤتمرات، التي يرغبون أن تكون "تحت الرعاية السامية لجلالة الملك"، ببعث رسالة إلى الديوان الملكي باسم أحد مستشاري الملك، تتضمن طلب "الرعاية السامية" مصحوبة بورقة تقنية تتضمن مجموعة من الشروحات حول التظاهرة، والشركاء المنظمين، ومواضيع الجلسات، وغيرها من المعلومات. وبعدما يتسلم المستشار الطلب يقوم عادة ببعث رسالة الجهات الإدارية المختصة لإبداء الرأي أو موافاته بمعلومات إضافية، قبل أن يتم رفع الطلب إلى الملك للبت فيه. 3- تم تعيين عبد اللطيف المنوني مستشارا للملك بعد المصادقة على دستور فاتح يوليوز 2011، قبيل تعيين حكومة بنكيران.