انطلقت حركة 20 فبراير منذ تاريخها الأول بمطالب معلنة ومشروعة وبأشكال نضالية سلمية لاقت تجاوبا واسعا من جماهير الشعب المغربي التواقة للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وكان جواب النظام على العموم متعقلا من خلال السماح بالتظاهر السلمي وبعده من خلال خطاب 9 مارس وإطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين والعديد من الإجراءات ذات البعد الاجتماعي أو الحقوقي بالرغم من تسجيل محاولات يائسة للتشويش على الحراك النضالي السلمي -تشويه سمعة الشباب ،اعتقالات. لكن في الحالة المغربية، كمثيلاتها العربية، تم التحذير أكثر من مرة من خطر القرصنة والالتفاف على حلم المغاربة في وطن يسع للجميع ويحمي كرامة المواطنين ويؤسس للعدالة في توزيع السلطة والثروة، وهؤلاء القراصنة هم موجودون فعلا ودوما – كما في مصر وتونس وليبيا...- وهم ذئاب تتحين الفرص للانقضاض وسرقة هذا المشروع الوطني للمغاربة. لقد بدت معالم هؤلاء تتضح بين الفينة والأخرى بالرغم من إتقانهم لطاكتيك الانحناء أمام العاصفة الديمقراطية. اليوم وبعد محطات 15 و22 ماي خرج هؤلاء القراصنة إلى العلن بشكل أكثر وضوحا من ذي قبل، وباتوا يشكلون تهديدا حقيقيا لنضالات 20فبراير ومطالب الشعب المغربي، ويمكن تقسيمهم إلى شقين رئيسين: الطغاة والغلاة. ومطلوب اليوم من كل شباب 20 فبراير والنخب المحيطة بها التفكير الهادئ في هذه اللحظة التاريخية، كما كان يقول الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي " فكر بهدوء واضرب بقوة" بالرغم من أن ضربة 20 فبراير هي عن طريق التظاهر المدني والسلمي وموجهة إلى قلب الفساد والاستبداد، فحركة 20فبراير– بما هي ملك عمومي لجميع المغاربة- أبانت منذ انطلاقها على أنها تتحلى بالشجاعة والمبادرة والتجذر في المواقف وفي نفس الوقت – بشكل عام- بالحكمة والتفكير العميق والمسؤولية والوطنية مستفيدة في ذلك من دروس النضال الوطني ومستلهمة روح الثورات العربية المجيدة. لذلك يأتي هذا المقال إسهاما في النقاش العمومي بيننا كشباب مغربي يؤمن بضرورة الإصرار في النضال ويتصدى للقراصنة الذين يريدون اختطاف حلمنا وإقبار مستقبلنا وإدخالنا في دوامة قد تنتهي وقد لا تنتهي، وبهدف استكمال مشروع التغيير والإصلاح وحمايته من القراصنة - الطغاة والغلاة. فما المقصود بهؤلاء الطغاة والغلاة ابتداء؟ الطغاة: إنه وجه سيئ من وجوه هذا النظام الذي أجهض محاولات عديدة للانتقال الديمقراطي بالمغربي وهو غير مرتبط بشخص ما، ولكن هو بنية وشبكة من الأشخاص والأنظمة والعلاقات تريد تأبيد الاستبداد وتستفيد من الفساد وهو تيار يريد استئصال كل الأصوات الوطنية المطالبة بالتغيير إنهم الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد بالتعبير القرآني، ورموز هذا التيار كثيرة وترفع في أكثر من تظاهرة اليوم وتطالبهم الجماهير بالرحيل، يتواروا عن الأضواء في لحظات لكنهم يعودون بقوة، يغلبون قرار القمع لنضالات الجماهير-في 15 و 22ماي- على مقاربة الإنصات والتجاوب، ويحاولون إفراغ المبادرات الإصلاحية التي قام بها النظام من محتواها، يشيرون على من يحكم بتقارير مغلوطة أن 20 فبراير يتحكم فيها المتطرفون من الملحدين والمتدينين، ويبحثون عن الأسباب لإنهاء هذا الحراك النضالي، ويتشبثون بصرف ميزانيات ضخمة على مهرجان موازين بالرغم من المشاكل الاجتماعية متعددة، هؤلاء لهم أيادي في الامن كما في الإعلام ويتعاملون بحربائية متناهية. إنهم الطغاة أعداء الإصلاح وأنصار الفساد والاستبداد، وقد أبان هذا التيار على أنه بات متوترا و ضاق ذرعا بالدينامية النضالية السلمية والجماهيرية التي تزحف في مختلف المدن والقرى ومن شدة خوفه التجأ إلى التنكيل والتقتيل في أبناء الشعب. الغلاة: هؤلاء نتيجة طبيعية ومقابلة لغلو طغاة النظام، فالعنف لا ينتج إلا العنف و التطرف لا يلد إلا التطرف، فالمسؤول الأول عن وجود الغلاة المتطرفون هو نظام الطغيان ولكن الإجابة العنيفة على العنف أصبحت متجاوزة ولا تؤدي إلا لنتائج عكسية ووخيمة، هذا التيار رد فعل خاطئ على فعل خاطئ, وسقط في العديد من الأخطاء فهو موجود داخل حركة 20 فبراير و لكنه رفض تحديد السقف النضالي للحراك النضالي واتجه نحو تعميم وتعويم المطالب ورفض الوضوح وألقى بمسؤولية تحديد السقف النضالي على الشارع بطريقة هلامية، فهذا التيار من الغلاة يقرر إلى جانب شباب 20 فبراير في الأشكال النضالية عن طريق الجموع العامة لكنه رفض تحديد السقف النضالي داخل نفس الفضاء، وهو تعامل انتهازي يستغل الخطوات النضالية ويشتغل بأجندته الخاصة وبدأ ينزلق في الفترات الأخيرة – بتدبير من الطغاة أو بسوء في التقدير- عن طريق رفع شعارات أكثر جذرية على مطالب 20 فبراير وغير متفق عليها ويقوم بالتعبئة لأشكال نضالية غير متفق أو متوافق عليها. وفي ظل هذا الصراع بين الفئتين والمواجهة المباشرة التي لن تزيد الطغاة والغلاة إلا تطرفا في الاتجاهين، يطرح اليوم على العديد من نشطاء 20 فبراير خيار الانسحاب والانتظار والتراجع، بداعي أن الاستمرار في التواجد النضالي الميداني لا يمكنه إلى أن يخدم مصلحة أحد الطرفين، إن هذا الخيار بغض النظر عن كونه انهزامي وانتظاري واستسلامي فإنه سيؤدي لا محالة إلى مزيد من التوتر واحتدام المواجهة ويستدعي تدخل طرف آخر من أعداء الإصلاح وهو تيار الغزاة كما هو الشأن في نموذج ليبيا أو قريبا منه. ويبقى السؤال مطروحا على آمال المغاربة في الكرامة والعدالة والحرية ومآل معركتهم السلمية والمشروعة وآلام الانتقال و ضريبة التغيير و الإصلاح. فإذا كان التيار الأول استبداديا يقوده الطغاة ويهدف إلى تأبيد الفساد والاستبداد وهو ما يرفض الشعب العيش في ظله، وإذا كان الخط الثاني انتهازيا يقوده الغلاة ويهدف إلى قرصنة وتحريف المعركة المغربية النبيلة في سلميتها وعفويتها وجماهيريتها، وإذا كان الخط الثالث انتظاريا وانهزاميا ويقود المغرب إلى يد الغزاة الذين يمنون النفس بالتدخل من اجل ضمان مصالحهم واستعمارهم، فإن هذا الوضع يتطلب تقديم إجابة يمكن أن نسميها بالخط الرابع وهو خيار يستلهم من الثورات العربية المجيدة نبلها وحرصها على استكمال المسار بكل إصرار وبدون تحريف أو انحراف، وهو خيار أطرحه للنقاش بين كل فعاليات 20 فبراير والقوى الحية بالبلاد و يرتكز على ضرورة استئناف المعركة/الثورة المغربية من أجل الكرامة والحرية والعدالة التي انطلقت مع تاريخ 20فبراير 2011 وحققت عدد من المكتسبات سياسيا و اجتماعيا واقتصاديا وحقوقيا. هذا الخط الكفاحي هو بكل تأكيد الخيار الأصعب لكنه الأصوب – في تقديري- وهو اختيار عبر عن نفسه بمطالب وشعارات واضحة يوم 20 فبراير فخاطب الملك : إننا نحبك وهذه مطالبنا، ونريد أن تعيش الملكية ونعيش نحن معها أيضا، وأن الانتقال نحو الديمقراطية والحفاظ على الملكية لن يكون إلا في إطار ملكية برلمانية، وأن تقارير المجلس الأعلى للحسابات يجب أن تفعل، وأن رموز الفساد المعروفين جدا على المستوى الشعبي عليهم أن يرحلوا إلى مكانهم الطبيعي، هذه المطالب الواقعية هي التي استطاعت جلب التعاطف الشعبي الكبير، وهي أرضية تتوافق عليها أطياف كبيرة من مكونات المجتمع المغربي وهي امتداد طبيعي للخط الرابع الذي لابد له من العمل على ثلاث مستويات رئيسية: - الإصرار على التغيير وعدم الاستسلام للطغاة والذين مهما تجبروا ومهما نكلوا بأبناء هذا الشعب فإن عبرة بنعلي ومبارك ماثلة أمامهم وليس لهم من خيار سوى الرحيل، ومهما اشتد ظلمهم و طغيانهم اقتربت نهايتهم أمام إصرار شعبي مؤطر بشعار لا تراجع لا استسلام المعركة إلى الأمام.
- فك الارتهان بالغلاة مع الوضوح والمسؤولية في المطالب والمواقف والأشكال النضالية حفاظا على الحركة من الاختطاف فهي – 20فبراير- ملك عمومي لجميع المغاربة ولا يحق لأي كان أن يفرغ فيها مضمونه الإيديولوجي أو مشروعه التغييري، ومن أراد تحقيق ذلك فله كل الحق أن يعبر عن ذلك و لكن بدون استغلال للحركة الشبابية.
- الإبداع والصمود في الأشكال النضالية بطريقة تعطي حيوية جديدة وتعزز من ثقة الجماهير الشعبية في مطالب حركة 20فبراير ويصحح الصورة التي يرسمها الغلاة والطغاة عنها حتى استكمال الإصلاح والتغيير، انطلاقا من دستور ديمقراطي يستجيب للتطلعات ومرورا باطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإعادة محاكمتهم بطريقة عادلة والكشف عن حقيقة 16 ماي والقطع مع اقتصاد الريح ومحاكمة رموز الفساد مع الاستجابة لمطالب الشباب المغربي وخاصة في مجال التعليم والتشغيل. إن قوة الخط الرابع تكمن في المصداقية التي يحملها في مطالبه وأشكاله وأجندته المطلبية الواضحة وكذا في مبادرته وفعله الميداني يأبى الانتظار والتراجع والاستسلام كما يأبى الارتهان لأجندات حزبية ضيقة وينتظر منه توسيع الوعي العميق بمتطلبات المرحلة وتحدياتها ورهاناتها و لكن تجدر الإشارة إلى أن الضغط المادي والمعنوي على هذا التيار من اجل الانسحاب لن يؤدي إلا إلى سلبية بوجهيها : سلبية انتظارية وانهزامية أو سلبية عدمية مغامرة.