وقوفا عند تداول وقع خطاب الملك لدى مختلف الفعاليات: فاعلين سياسيين وحقوقيين، فنانين، شباب حركة 20 فبراير.. تراوح التثمين بين رأي أشاد بتجاوز الخطاب للتوقعات، مما خلف المفاجأة لدى البعض اتشحت بعدة تشبيهات لها دلالاتها: "الملك أسقط النظام" "ثورة ملك".. وبين آراء لم يمثل الخطاب بالنسبة لها جرأة الوصول إلى سقف مطالبها، بالرغم من جديته. بمعنى آخر، تراوحت الآراء بين من اكتفى حد التخمة من هول مفاجأة نوايا الإصلاحات، أو لنقل أصيب بالصدمة، وله عذر في ذلك، إذ أن شبكة اتصالاته، أو بصيرته، لم تخول له، ولم تسعفه، بأن يلتقط/ يتصور بأن ما يموج به الشارع العربي، وضغط الشارع المغربي، وامتداد نضال القوى الديمقراطية.. يمكنه أن يفرز للوجود هذا التحول غير المسبوق، ويحرز مكتسبات ولو في صيغة الوعد بإصلاحات.
من جهة أخرى، نجد اتجاها رغم إشادته بالخطاب ، يرى أن الإشكال هو في أجرأة هذه التوصيات، أو القرارات، وتفعيلها.. ما دامت بلورتها على أرض الواقع تطرح أكثر من سؤال(؟) كما جاء في أحد صيغه: "نحن الآن أمام نوايا وإرادة، وليس انتصارا كاملا، وبالتالي لا يجب أن ندخل مرحلة التصفيق، وإنما أن نتكتل في قوى ضغط كبرى لتحقيق الإصلاح " (ادريس بنعلي – جريدة أخبار اليوم -10 مارس 2011)
وفي مقابل هذين التوجهين، هناك موقف، ذو نزوع جذري في مطالبه بالتغيير، مثله شباب حركة 20 فبراير، كاتجاه أطلق الشرارة الأولى لهذه الحركية بالشارع المغربي، وهو المؤهل للحفاظ على وهجها، إلى جانب فاعلين سياسيين وحقوقيين التحموا بالحركة: النهج الديمقراطي، والعدل والإحسان، والهيآت الحقوقية والقوى الديمقراطية المساندة لهذه الحركة. ويمكن إجمال مطالبه في: الملكية البرلمانية، حل البرلمان، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، إقالة الحكومة، محاكمة المسئولين الضالعين في ملفات الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، مطالب اجتماعية واقتصادية.
بالنظر إلى موقف حركة 20 فبراير، نعيش اليوم الوعي بمطالب الكرامة، من أبسط تجلياتها اليومية: الشغل، التطبيب.. إلى أبعد مداها كما تدار في دواليب السلطة: دستور ضامن لشرعية سلطة الشعب، برلمان تمثيلي وفاعل.. حرية التعبير..
لكن بموازاة هذه الأحداث، قد يخترق سؤال مجال التحول: هل هذه الصحوة متمثلة في احتجاجات، وانتفاضات، وثورة.. هي صحوة قد تليها كبوة؟ أم أنها حركة - ثورة تتنسم الأمل، وتحفر وجودها الفعلي في التاريخ، وتشكل تلاقيا مع مسار خطه نضال شرفاء وشهداء.. وحلم جيل من الشباب تواق للتغيير.
يبدو جليا، أن حركة 20 فبراير والزخم المرافق لها ( والذي كانت إحدى تجلياته مسيرات 20 مارس) وإمكانيتها التعبوية، وقدرتها للتفاعل مع الشارع، سواء بتجاوز بعض الخلافات التي برزت بين صفوفها، أو تخطيها الترويج لمحاولة احتوائها.. كل هذا أبرز أن لهذه الحركة - مسنودة بقوى ديمقراطية فاعلة - القوة على بلورة مد وسط الحراك الاجتماعي، ويمكن أن نلمس في أفق تطلعاتها أنها تعيد للشعب صوته الذي تم إخراسه عبر آلية القمع، أو بالاحتواء، كما كان حال بعض الأحزاب في حكومة التناوب.
و يمكن الإفصاح دون تردد، أن جوهر هذه الحركة هو تحول نوعي يتجاوز كل الأعطاب والمطبات.. وتغيير له قدرة على أن يفرز مسئولين لهم وعي بقيمة المواطن قبل التهويل بخصوصيات ومحرمات لا متناهية للوطن.. مسئولين يدركون أن الوطن من طينة مواطنيه.. هم من يؤسسه، ويؤثثه.. هم من يدافع عنه، ويفتخر به، حين يشع من نبض كرامتهم.
من هنا ضرورة الحرص على أن تبقى القيمة الفعلية لهذه الحركة، في إمكانية تجذرها في المناخ السياسي والحقوقي المغربي، لتتشكل وعيا ممتدا، وثقافة راسخة للمكتسبات. بمعنى الانتقال من حركة مطلبية إلى أداة لثورة- سلمية في المناخ السياسي، والثقافي، والاجتماعي بالمغرب. لتنحت في صخر الواقع إمكانية استمرارها ، وبلورة رؤاها، من حركة شبابية إلى حركة شعبية.
و بعيدا عن أية خيبة أمل، يمكن القول بأن لحركة 20 فبراير مواصفات الابن الشرعي للنضال الديمقراطي، وتتمتع بشروط المد الدافع لحركية المجتمع لتحقيق كرامة المواطن، شروط الثورة على كل رواسب ثقافة النكسة، لأن الحلم بالتغيير من ألهمها بالحراك، وهو الذي يشرعن إمكانية استمراريتها، وتفعيل مطالبها.