في الصورة جانب من مسيرات 20 مارس - تصوير: منير امحيمدات أسست مسيرات 20 مارس، التي خرجت في أزيد من 50 مدينة، فعليا لميزان قوى جديد، بين النظام السياسي بكل لوبياته ومصالحه ومواقفه من جهة، وبين الجماهير الشعبية التي خرجت تطالب بإصلاح عميق لبنيان هذا النظام. ويتأكد اليوم أن حركة 20 فبراير ليست موجة عابرة، كما روّج البعض لذلك، بل حركة إصلاحية عميقة وجديدة. تجاوزت الأحزاب والجماعات التي تأخرت عنها، فوجدت نفسها اليوم في حرج كبير، خاصة بعد التحاق هيئات وفئات بمسيرات يوم الأحد الماضي. لقد أسقطت مسيرات 20 مارس كل التحليلات التي كانت تنتقص من حركة 20 فبراير، كما أسقطت التوقعات التي كانت تدس السم في العسل لدفع الناس إلى التراجع وتخويفهم بمبرر غموض آفاق هذه الحركة. بل إنها حققت تطورا نوعيا مقارنة مع مسيرات 20 فبراير، وهو تطور يمكن حصر مؤشراته فيما يلي: - التراكم والإصرار: كما في 20 فبراير، خرجت مسيرات 20 مارس في أزيد من 50 مدينة، بل اتسعت لتشمل قرى ومدن صغيرة، على مدى اتساع هذا الوطن. وقد عرفت مسيرات بعض المدن مثل الدارالبيضاء وفاس وطنجة زخما جديدا بحيث كان العدد مضاعفا. ورغم اتساع وقوة هاته المسيرات، فقد ظلت متشبثة بمطالبها في إقامة ملكية برلمانية، وإسقاط الفساد ومحاسبة المفسدين، وإرساء دستور ديمقراطي، والإفراج عن المعتقلين السياسيين وإلغاء قانون مكافحة الإرهاب، وغير ذلك. كما أعلنت إصرارها على الاستمرار في التظاهر حتى تحقيق هذه المطالب. - التحاق فئات جديدة: لقد شاركت في مسيرات 20 مارس هيئات جديدة على رأسها الاتحاد الاشتراكي ومنظمة التجديد الطلابي، وفئات مثل المحامين الذين شاركوا مرتدين بدلاتهم المهنية، وعائلات المعتقلين السياسيين خاصة ضحايا 16 ماي وما بعدها، كما التحقت قيادات وازنة في حزب العدالة والتنمية، أمثال سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية ونائبه الحبيب الشوباني وجامع المعتصم، حيث انضاف هؤلاء إلى قيادات أخرى على رأسها المصطفى الرميد وعبد العزيز أفتاتي وعبد العلي حامي الدين وخالد الرحموني وغيرهم كثير. - الطابع السلمي: على خلاف 20 فبراير التي سقط خلالها 6 شهداء لأسباب يحتاج تدقيقها إلى تحقيق قضائي على الأقل، كانت مسيرات 20 مارس سلمية وحضارية كلية. والأجمل أن المواطنين هم من تولوا حماية بعض المؤسسات التي مرت بجانبها المسيرات، في غياب قوات الأمن التي اختارت التواري إلى الخلف، وهو سلوك أمني لا بد من الإشادة به. لقد أكدت مسيرات 20 مارس أن الصراع السياسي مشروع لكن بطريقة سلمية تماما. ونقضت كل التوجسات والتخوفات، وحتى الاتهامات، التي روّج لها البعض، وحاول الاختباء بها وراء الحقيقة الناصعة. هذه التطورات في مجملها، صنعها الفاعل البارز فيها وهو الشعب المغربي، وفي مقدمته تنسيقيات حركة 20 فبراير المتعددة والمختلفة، لكن يُوحدها الإصلاح والرغبة في التغيير الحقيقي. وهي جواب على الطرف الثاني في هذه المعادلة، أي النظام السياسي وفي القلب منه المؤسسة الملكية. لقد كان الخطاب الملكي ليوم 9 مارس مهما ونوعيا، ما في ذلك شك، على الأقل مقارنة مع باقي الخطب الملكية قبل ذلك التاريخ. وأهمية هذا الخطاب كانت في ردّ الفعل الإيجابي، بحيث تجاوز الجواب الاجتماعي الذي أعلنته الحكومة، وطرح بكل جرأة جوهر المشكل، أي الوثيقة الدستورية التي تشكل في كل بلد ديمقراطي وثيقة تعاقد سياسي. وحسنا فعل، لأنه رسم حدود الصراع السياسي حول طبيعة النظام الحكام وليس حول النظام نفسه. وهو أمر متفق عليه ونهائي. إن الخلاف الجوهري، في تقديري يتعلق بأمرين اثنين: الأول منهجي حول طريقة وضع هذا الدستور، وتعبر عنه اللجنة الملكية التي تم تعيينها. والثاني حول سقف الاستجابة التي يطرحها الخطاب الملكي. إن تعيين اللجنة كان مثيرا للبس، فهي تضم أساتذة أجلاء لكن أغلبهم لا علاقة لهم بالقانون الدستوري ولا خبرة لهم بالأنظمة السياسية. ومن جانب آخر أغلب أعضائها يمثلون جهات في الدولة ولا علاقة لهم بالقوى السياسية الحقيقية في المجتمع. فهي إذن لا ترقى أن تكون ممثلة للقوى السياسية، كما لا تصل حد أن تكون لجنة تقنية تضم قضاة ومحامين وقانونيين مختصين وذي مصداقية. ولذا فهي مثيرة للنقاش ولشتى التساؤلات. أما سقف الإصلاح فغامض كذلك، ذلك أن الخطاب الملكي يتحدث عن الوزير الأول ولا يتحدث مثلا عن رئيس وزراء، ومعلوم أن الحفاظ على الصيغة التي يطرحها هذا الخيار لا تتجاوز أن تنص التعديلات المنتظرة على سلطة تنفيذية برأسين، الحكومة فيها هي الطرف الأضعف، إلى جانب مؤسسة ملكية قوية. وهذا يتعارض مع مطلب رئيس في مطالب حركة 20 فبراير أي ملكية برلمانية. ومما يشوش على الخطاب أيضا، إقدام الملك على إحداث "المجلس الوطني لحقوق الإنسان"، استنادا إلى الفصل 19 من الدستور. هذا الفصل الذي يتفق فقهاء القانون الدستوري على أنه يمنح الملك صفات وليس صلاحيات، لكنه منذ أن استخدمه الملك الحسن الثاني ضد الاتحاد الاشتراكي سنة 1983 لتجاوز حالة الفراغ التشريعي، بات يستخدمه في التشريع وفي إحداث مؤسسات الأصل فيها أن تعمل إلى جانب الوزير الأول، وليس إلى جانب الملك، وهذا المجلس واحد منها. ما أقصد إليه، أن الجواب الرسمي كما بسطه الخطاب الملكي ليوم 9 مارس كان منقوصا رغم جرأته. ولذلك كان موقف غالبية القوى والفاعلين تثمين الخطاب لكن مع الحذر من سرقة مقاصده. ومشكل الثقة هذا مؤشر خطير، وإن كان المسؤول عن غيابها هو التفاف الدولة على وعودها، بل وتورطها في ممارسات سلطوية خلال السنوات الأخيرة، بحيث أصبحت طرفا في الصراع السياسي. بناء على ما سبق، أتوقع أن يتعمق التناقض بين طرفي المعادلة، الشعب بقواه التي خرجت في مسيرات 20 مارس، والنظام بقواه ولوبياته التي حاولت يوم 13 مارس نقض مطالب الشعب. وهذا مسار خطير جدا في مآلاته، ويطرح على الدولة تحمل مسؤوليتها كاملة في الاستجابة لمطالب حركة 20 فبراير المعلنة والصريحة. العاجل منها هو إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإلغاء قانون الإرهاب، وإحالة المفسدين على العدالة خاصة الذي رفعت صورهم في التظاهرات. وإطلاق حريات الإعلام الرسمي. ومنها الآجل وعلى رأسها إقرار ملكية برلمانية في الدستور المقبل، لأنه لا يمكن بناء ديمقراطية حقيقية بدونها. * باحث في العلوم السياسية