تشهد مدينة تيزنيت، هذه الأيام، فصولَ حلقة جديدة من مسلسل معاناة شرائح من الأطفال بالمغرب. الحلقة الجديدة "بطلاها" صبيّان صغيران، يتراوح عمرهما ما بين سنتين وثلاث سنوات، يعيشان في الشارع ليلا ونهارا منذ سنة كاملة دونَ أن تتدخّل أيّ جهة لإنقاذهما من براثن الضياع والتشرّد. هشام ومروان وجدا نفسيها في الشارع بعد أن عجزت أمّهما عن أداء واجب إيجار البيت الذي كانوا يقطنون به إثر وفاة ربّ الأسرة، فكانَ مصيرُ الجميع الشارع؛ غير أنّ المشهد سيصير أكثر دراميا، بعْدما تخلّت الأمّ عن صبيّيْها في مواجهة قدرهما لوحدهما. يروي امحند أوبركة، المنسق المحلي لجمعية "نْحمي ولدي" لحقوق الطفل بتزنيت، أنّ الصبيّين الصغيرين كاناَ يقضيان ساعات النهار تائهين في الشارع، ويأويان في المساء إلى مكانٍ يسمّى "إكّي نْ واسيف"، من أجل النوم وسطَ صناديق خشبية في سوقٍ لبيع الدجاج والأرانب. يومَ الجمعة الماضي، تحرّكت الشرطة، وجرى نقلهما إلى مفوضية الشرطة قصد تحرير محضر في القضية. وقد جاء هذا التحرك بعدَ أن نشر موقع "تيزبريس" الجهويّ لمقطع فيديو وصور للصبيّين وهما في حالة يُرثى لها؛ غير أنّ النيابة العامّة أمرتْ بإعادة الصبيين إلى الشارع. "عبّرنا عن استنكارنا لذلك القرار، لأنَّ النيابة العامّة كان عليها أنْ تأمر بإحالة الطفلين على جناح الأطفال بمستشفى الحسن الأول بتيزنيت، الذي أبْدى مسؤولوه استعدادهم لاستقبالهما. فهذا هو المكان الذي كان يجب أن يُحالا عليه في انتظار استكمال الإجراءات القانونية"، يقول المنسق المحلي لجمعية "نْحمي ولدي" لحقوق الطفل بتزنيت في تصريح لهسبريس. من جهته، قال الفاعل الإعلامي محمد بوطعام إنَّ النيابة كان عليها أن تطبّق المسطرة القانونية. ويستطرد المتحدث ذاته: "كان يتوحّب، بعد تحرير المحضر، أنْ تتم إحالة الطفلين إلى مؤسسة لرعاية الأطفال، وتتم إحالة أمهما التي تركتْهما في الشارع إلى القضاء". وأوضح بوطعام أنّ أمّ الصبيّين تركتهما عرْضة للضياع والتشرد ولا تسأل عنهما، بالرغم حداثة سنهما، بعد وفاة زوجها؛ بيْنما تولّى أحدُ التجار بالسوق أمرَ الاعتناء بهما، حيث كان يتطوّع لإطعامهما وتنظيفهما، إذ كانا يغتسلان في الشارع. وتنصّ المادّة ال479 من القانون الجنائي المغربي على أنه "يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم، إذا تسبب أحد الأبوين في إلحاق ضرر بأحد أطفاله نتيجة سوء المعاملة أو إعطاء القدوة السيئة بالسكر وتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، أو سوء السلوك أو عدم العناية أو التقصير في الإشراف الضروري على صحته أو أخلاقه أو سلامته". وبالرغم من الضجّة التي أثارها قرارُ النيابة العامّة بإعادة الصبيين هشام ومروان إلى الشارع، بدلَ إحالتهما إلى جناح الأطفال في مستشفى الحسن الأول بمدينة تيزنيت، فإنّ الطفليْن ما زالا في الشارع في مكان يُعرّضهما لكلّ أنواع المخاطر الصحّية والجسديّة، يقول بوطعام.