أكيد أن الخوض في ملف الأستاذين الجليلين الدكتور عمر بنحماد والفاضلة فاطمة النجار محفوف بالمخاطر الأدبية والأخلاقية، وربما السياسية مع مقربة من سابع أكتوبر، الذي يشكل للبعض هاجسا يجب تمريره على المغاربة بأقل تكلفة ديمقراطية، كما يقول الأستاذ محمد المرواني.. المخاطر تأتي أيضا من ناحية الضحيتين أيضا، اللذين التزما الصمت مما فسح المجال للمرجفين من الإعلاميين والسياسيين للنيل من شرفهما وكأنهما ضبطا متلبسين، وإن ادعى اصحاب هاته القراءات/ الكتابات، النأي عن الشماتة وإبراز الموقف الشرعي من النازلة وتوقيت حدوثها مع غياب تام للملابسات، التي يبقى الله وحده المطلع عليها بين الضحيتين. وتزداد المخاطر، أن المقالة تحاول أن توجه رسائل لأطراف عدة، انخرطت في اللغو فيها، وكأنها هي صاحبة الحكمة المفقودة في الموضوع، وإن كان صاحبها يجري عليه ما جرى للأخوين من سنن الابتلاء والتمحيص ، نسأل الله تعالى أن يكون الحدث لنا جميعا مغفرة وتوبة، حيث يزداد عداد الدعاء في مثل هاته الملمات. فما هي الرسائل والدروس، التي نحاول إبرازها، ومن هم أصحابها، الذين أولى بهم أن يستلهموها بما يوفر على المغاربة جهد النقاش الشخصاني للموضوع؟ الأولى:إلى حركة التوحيد والإصلاح: عندما اتصل بي شخص وهو بالمناسبة معدد بارك الله في زوجيه وأصلح شأنهما مذعورا مرعوبا بما سمع وقرأ حول الموضوع، طالبا رأيي الشخصي في الموضوع، كان من توفيق الله أن أزور موقع حركة التوحيد والإصلاح بعد غياب لتنوير ذهني بما حصل، فكانت المفاجأة. بلاغ إقالة أو استقالة في حق الضحيتين والتبرؤ الفوري مما سماه البلاغ الأمني والسياسي"الزواج العرفي"، وضمنا الدفاع عن الزواج "الوضعي"، الذي أرسته مدونة الأخوال الشخصية، وليست الشرعية ، وهي ما تزال تحتاج لنقاش مجتمعي، وهذه مسألة مفتوحة للنقاش التصوري حول موضوع الزواج وحدود الشرعي والوضعي فيه، وقد كفانا الشيخ الفيزازي ، حفظه الله، بعضا من مسؤولية النبش فيه في تصريحه الإعلامي المحكم لموقع" شوف تيفي". إن الإقالة أو الاستقالة تنم عن تضخم "العقل السياسي" لدى أعضاء من المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح وبعض المتعاطفين مع خطابها الدعوي والتربوي والموقف الصادر عنها، وإن كان الأولى أن يذهب البلاغ إلى "تجميد "وضعية الأخوين إلى حين استيضاح الأمور، مما ينكم أننا كنا واضعين الأصبع على الزناد للتخلص الفروي من فكر هاته الضحيتين، كما تخلصنا سابقا من الريسوني في نازلة "إمارة المؤمنين".ن وبالتالي إقبارهما فكريا وسياسيا.. وقد حاول تصريح الرئيس عبد الرحيم الشيخي استدراك الأمر وتلطيف لهجة البلاغ السياسي بالقول بأن موضوع الزواج أثير مع بعض الإخوة منذ خمسة أشهر ، مما يعني إقرار أخوي بوجود هذا القرب النفسي والشرعي بين الأخوين، بمعنى أن الأمر يحتاج فقط لبعض الاجتهادات الاجتماعية لإخراجه شرعيا، وتجاوز عراقيه العائلية وليس بالصورة الهوليودية، التي أخرج بها. والإقالة أو الاستقالة وفق هاته اللهجة العسكرية ليست بناء على "الخطيئة الكبرى"، التي لا تغتفر لهذين الأستاذين الفقيهين، اللذين لم يحسن تدبير أمرهما بما يملكه العقل السياسي أو العلماني من إخراج يجعله شبيها بكتم النقاش المجتمعي حول فضائح شخصيات وازنة في العقار والأخلاق والسياسة والثقافة وهلم جرا، فقط لأن هاتين الضحيتين سقطا في الزلة/ الفخ و"لا بواكي لهما". وقد ذهب الزميل حسن بويخف، وهو بالمناسبة أستاذ في الجرأة الثقافية والسياسية، إلى اعتبار قرار "حركة التوحيد والإصلاح"، في نازلة الزواج العرفي: "قرارا مهما يعلي شأن القانون ضد أشكال غير قانونية ومدمرة، وهو بالتالي منسجم مع شعارات الحركة وأدبياتها التي عرفت بها، ولم تقع في حالة ضعف لكون المعنيين بالقرار قياديان كبيران فيها، فهي تستحق التقدير والتنويه لا التشهير الذي انخرط فيه البعض". وليسمح لي بنفس الجرأة الثقافية أن أتساءل معه: عن أي قانون نتحدث؟ وأي قانون يحكمنا جميعا، متدينين وغير متدينين؟، وهل القبض على الضحيتين، وفق الإخراج الهليودي، تم وفق القانون الذي تشيد به؟ ولما لم تتحرك الحركة بالتنديد بالتنصت على المواطنين وانتهاك حقوقهما الفردية وفق القانون؟ ومن أدرانا أن صاحب الوشاية بهما قريب من محيط الضحيتين وما كان من باب مفتوح أمامه إلى أن حاول إيقاف تدبير الزواج ومسطرته القانونية العرفية أيضا بهذه الوشاية الأمنية؟ الرسالة الثانية: إلى شلة من الإعلاميين والمثقفين تابعت بعض الكتابات في الموضوع، خاصة ما كتبه المثقف وديع وما روجه التيجني، حيث ذهب الأول إلى الشماتة وفق ما تمليه براعة الإبداع، وانتدب الثاني مهمته الإعلامية لفضح المنافقين الدعويين. وأقول بالمناسبة: إننا معشر محترفي الكتابة - لا يعوزهم استعمال الإعلام "السامري" للنيل من الخصوم السياسيين والإديولوجيين وفق منهج يدعي الموضوعية والحياد فيما يجلد الآخرين بسياط التحيز المفضوح لخيار اديولوجي معين، خاصة إن كان صادرا عن حقد نفسي لدين والمتديين.. وأمام فقدان أهل الحكمة للآلية المشاركة الإعلامية والثقافية، وربما الحياء الزائد في طرح مثل هاته الوقائع للنقاش الحر والمفتوح، جعل الملعب/ الساحة فارغة لمثل هؤلاء يبرئون من شاؤوا ويدينون من خالفهم، ولم يتريث بعضهم حتى سماع الرواية الكاملة من الضحيتين وأمر القضاء الشرعي في ملابساتها. فيما اغتنم بعض الكتبة الأخرون ممن لم تنفع ضرباتهم تحت الحزام لحركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية بوجه أخر الفرصة لاستثمار الحدث والنكاية بالضحيتين ولسان حالهم يقول: "ها ما قلنا لكم، شوفو هؤلاء الأخوين اللذين يدعيان التقوى والورع ها هم يحالفون ما يقولون وبالتالي ما راكماه من فضائل دعوية مجرد نفاق وتقية ووو..". ولم يسعف هؤلاء الكتبة العقل الموضوعي لتأكيد أن الخطأ البشري وارد ، ووقوع بعضنا في زلات لا يجب أن يدفعنا أن يبخس الناس فضائلهم، بل منهم من نبش في محاضرات الضحيتين لتسفيه سابق دعوتهما ومواعظهما، ولم نعرف هل هم بأفعالهم هذه يحاربون الضحيتين ويريدون إفبارهما ثقافيا ودعويا، أم أن دين الإسلام هو المستهدف ما داموا لم يفرق بين الشخص وفكره وسلوكه. وقد كان أولى بي، أيضا أن أصمت، حتى لا أقع في ما وقع فيه هؤلاء الكتبة والإعلاميين، ولكن إبداء وجهة نظر أمام الهجوم والتعميم والتعتيم الإعلامي المفروض نفسيا على الضحيتين، دفعني دفعا للمشاركة بما أرى ضرورة لتوصيله والتنبيه إليه. الرسالة الثالثة: إلى الأخوين الكريمين عندما سمعت الخبر وتيقنت من وقوع دخان منه، استعنت بالدعاء لنا جميعا بالمغفرة واللطف فيما جرت به المقادير، وهو الدعاء الذي تركه لنا أجدادنا "ونسألك اللطف في ما جرت به المقادير"، وكان من توفيق الله أيضا أن أستمع لدرس قيم لفضيلة المربي راتب النابلسي في شرحه لاسم الله الحسن "الستير"، لأربي نفسي أولا. ثم رجعت لتسويغ الأمر نفسيا، إذا كنت أحسن الظن بالمربي الرحيم عبد الجليل الجاسني، رحمه الله تعالى وبارك في زوجته وأبنائه، وبالأستاذ المربي مولاي عمر بنحماد، وهل يجوز لي أن أجتر كلام الناس فيهما وإصدار حكم الإدانة المسبق عليهما بأنهما جاءا ب"الخطيئة الكبرى"، وتساءلت مع من يفاتحني الموضع : الطابو": ما يمنع زواجهما ليتعاونا على الذود عن دين الإسلام ويعف بعضهما الآخر؟ وما حجم التقدير العائلي، الذي يجب أن نرضخ له جميعا": إذا كنا نقدم على فعل شرعه الله؟ نعم لسنا ملائكة معصومين، ولا أنتما أيضا، وكلنا ذلك الرجل وتلك المرأة، ولنا في تاريخ المسلمين الأسوة لمن يريد وجه الله والدار الآخرة، والآن جاء لتعلنهما صريحة واضحة رغم تلكؤ الكثيرين في قبولها: أنكما تزوجتهما على سنة الله ورسوله رضي من رضي وسخط من سخط وان إجراءات الشكلية القانونية ستتم لنرضي هوى أصحاب القانون، ولا أخال قاضيا حكيما بعدما تابع من أمر نازلتكما إلا أن يسارع في التصديق على هذا العقد، لأن إشهاره تم إعلاميا وسياسيا وإديولوجيا رغما عنكما ورغما عن العائلة والحركة وطقوس المجتمع.. ثانيا، وشخصيا، أقدر نفسيتكما المهيضة من التعامل غير الشرعي لبعضنا مع الواقعة وسوء تقديرنا لترويجها، ولكن هذا لن يثنيكما عن الاستمرار في الجهاد في ميدان الدعوة والتربية، وما ردود المثقفين والكتبة والإعلاميين وتلمس إدانتكما من سابق نضالكما الدعوي والثقافي، إلا دليل على حجم نضالكما في ترسيخ التدين الوسطي المعتدل، والمالكي المتنور، وهذا العطاء لن يتوقف ببلاغ الإقالة والاستقالة من الحركة أو غيرها، لأنكما نذرتما أنفسكما لهذا الثغر، فلا يجب أن تسلمانه للدواعش والفواحش بأي حال من الأحوال. ثالثا، هو الجهر الرباني بأنكما بشر ممن خلق، ومن حقكما أن تتزوجا، ومن عارضكما ليشرب البحر، ويبدو أن من يسعى لتشيع الفضيلة في صفوف المسلمين بالتعدد المشروع والتزوج المسنون لن يغيظه ما يروجه المرجفون، سواء كانوا من الإخوان أو من الإخ...ان، ممن يتمسحون بالإبداع والإعلام لتحقيق أمنياتهم السياسية والإديولوجية.، ولتنشرا بلاغا موازيا يؤكد خلو النازلة من اية شائبة. إن الباب اصبح أمامكما الباب مشرعا ، بعد يوم السبت، لقض مضاجع أصحاب الإباحية والرذيلة الحقيقية، ويا ليت من تربصوا بكما صباحا، أو تنصتوا عليكما مساء أو أوشوا بكما، والله أعلم، أن يتربصوا بأصحاب الملاهي والشواطئ ويحاربوا الرذائل حقا، وبذلك ستسلم لهم حركة التوحيد والإصلاح مشعل صيانة القيم، والإصلاح الذي انخرطت فيه، وتحل نفسها من تلقاء نفسها، لأنه جاء من يحمي الفضيلة ويحرسها بقوة القانون أو السلطان.. إن أجمل ما أستحضره بالمناسبة هو قولة سابقة للفقيه السياسي سعد الدين العثماني، في إحدى اللقاءات التأطيرية "إن أقوى سلاح قد يفتك بأخوتنا وعملنا الإصلاحي هو أن نصدق الوشايات في بعضنا البعض ويفقد بعضنا الثقة في البعض"، ليس الأمر أن نصطبغ على أنفسنا جميعا الطهرانية و الملائكية الكاملة، ولكن فقط لنرحم بعضنا بعضا. وإلى زواج "عرفي جديد،" بارك الله زواجكما، وثقتنا في الله في نصرة أولائه ثابتة، لا تحدها بلاغات ولا انتماءات ولا ظرفيات..ومعذرة إن تسرب بين السطور ما يخدش الحياء، الذي تربينا عليه جميعا، ونختم المقالة بالدعاء: "ربنا لا تبتلينا فتفضح إيماننا"، ونسأل العافية لجميع المسلمين. * كاتب صحافي