في جولة تفقدية في سوق الثلاثاء بإنزكان هذا المساء سمعت صخبا أثارني. استدرت نحو تلك الجلبة مستقصيا فإذا بي أرى امرأة في حوالي الثلاثين من العمر، من طريقة ملبسها تبدو "ملتزمة" مع طفلتيها، و كانت ممسكة بتلابيب بائع جوال من دولة من دول جنوب الصحراء. كانت المرأة تنهال على الرجل بالضرب و الصفع و الركل، و تسبه بأقدح النعوت العنصرية بلغة فرنسية لا بأس بها و تأمره أن يعود إلا بلاده المتخلفة. استفزني أن الناس و التجار من حولهم يتفرجون دون أن يحركوا ساكنا. دون أن أشعر وجدت نفسي بين الرجل الذي لا حول له و لا قوة و المرأة المتعدية أنهرها حتى اختفت بين الجموع. و أنا اسمع همهمات الجمع من حولنا و التي لم أستطع أن أفهم بعضها دار بيني و بين الرجل المفزوع حديث قصير لأطمئن عليه، قال لي و الخوف باد عليه : "إنها المرة الثانية التي تعتدي علي فيها خلال أسبوعين، لا عليك صديقي لقد اعتدت على ذلك". في طريقي نحوى المقهى لأشرب قهوتي المرة الليلية، أحسست بضيق في صدري و عجز عن مواجهة مجموعة من الأسئلة التي بدأت التبرم منها؛ - أي نموذج تعطيه تلك المرأة لطفلتيها؟ - أية قيم يربي المغاربة أطفالهم عليها؟ - لماذا لم يتدخل أحد غيري لثني المرأة عما فعلت؟ - لماذا الصيف الفارط هاج السوق و المدينة كاملة ضد فتاتين ارتديتا تنورتين (فاضحتين في نظرهم) و لم يتحرك أحد في نفس السوق لثني فعل عنصري و و عنف جسدي ضد إنسان؟ - ماذا لو كان المعتدى عليه (المهاجر من جنوب الصحراء) هو المعتدى على المرأة بنفس النعوت، كيف سيكون رد نفس الجمع؟ - لماذا نتمسك في تديننا بالمظاهر فقط التي تبين أننا "ملتزمون" من لباس و لحية و حجاب و خمار و نتغاضى عن أن نظهر في سلوكنا و حياتنا اليومية دعوة الإسلام و قيمه التي هي أكبر من تلك المظاهر الخداعة؟ - ما هي القيم الحالية التي نتشاركها بيننا نحن المغاربة و نؤمن بها؟ - أية قيم كونية نتشاركها مع دول العالم؟ - لماذا نشتكي من أفعال عنصرية نتلقاها في دول المهجر ثم نأتي بمثلها في بلدنا ضد "الآخر"... -" الأستاذ زكرياء، نورمال كيف العادة؟" يسألني نادل المقهى الذي يتندر صديقي الميموني بأني أملكه. -أرد بسؤال و أنا شارد البال، و أسئلة أخرى مازالت تعصرني: "واش أحنا عنصريين؟". يحملق في النادل مستغربا. أستدرك مخاطبا إياه: "قسح جد أمها." وما زال السؤال معلقا... هل نحن عنصريون؟