قالت الفنانة لطيفة أحرار أنها كانت عرضة للتحرش، وأن أخطره هو ذاك الذي تعرضت له على المواقع الإجتماعية فايسبوك، تويتر..، وأن تطور تقنيات التحرش ينبغي أن تواكبها تطور آليات الزجر والمعاقبة، التي لابد وأن تواكبها تربية تعلم على يحترم المرأة وعلى الإيمان بمبدأ المساواة. وفي هذا الحوار الذي خصتنا به تروي حكايتها مع التحرش. كيف تنظر لطيفة أحرار إلى التحرش الجنسي؟ وكيف تدبرين يومياتك كفنانة عرضة للأضواء وللتحرش أحيانا؟
دعيني أولا أقول لك إنه لا يمكنني أن أضع تعريفا محددا للتحرش، إنه شيء مبهم، أو لنقل فضفاض، أي غير دقيق، لكن بإمكاني أن أحكي عنه، إنه يتكرر في القطار وفي الشارع وفي العمل، وفي كل هذه الفضاءات يمكن أن تتعرض فيها المرأة للتحرش، ولطيفة أحرار تعرضت بدورها للتحرش، ولم أسلم منه بدوري. حينما كنت مازلت مراهقة، كنت أواجه كل التصرفات والنظرات والعبارات التي كانت تحمل إيحاءات بالتحرش، أما اليوم فلم أعد أكترث.
مثلا، كيف كنت تواجهينها؟
آجي منشوفوش، راك كتعجبيني»، عبارة ضمن أخرى كنت أسمعها مرارا، لكني لا أكترث، حقيقة، لا أنزعج من هذه التصرفات، لكن خلفياتها هي التي تزعجني أكثر. وحينما كان يستفزني أحدهم كنت أعود لأحدق فيه جيدا وأنا أقطب حاجبي، وكم مرة حدث أن فاجأت متحرشا بي في الشارع قائلة: «غادي تقول لي زوينة عارفة راسي زوينة ومماحتجاش تقولها ليا، أولا تقول لي عجبتيني، قديمة ومستهلكة».
لقد تعاملت دائما بندية مع الأولاد منذ صغري، ولعل هذا ما جعلني أصد تحرشاتهم بطريقة تشل بعضا من محاولاتهم اليائسة.
لا تكترثين لكنك تنزعجين، كيف؟
أولا، لأنني اعتدت في فترة المراهقة دائما على مثل هذه التصرفات والعبارات والنظرات المخلة بالآداب وبالحياء، لكنني أنزعج من خلفيات هذه الممارسات لأنه ينتابني شعور بأن كل الفضاءات العمومية ملك للرجل، يحق له فيها أن يفعل ما يشاء، بل إنه يتباهى بتصرفاته تلك أمام الملأ، ويصر على أن يفتخر بذلك، وأن يتلذذ بالاستمتاع بالشارع كفضاء حكر عليه، وكأنها وسيلة لإثبات رجولته، حتى وإن كان ذلك مخالف للأخلاق والآداب العامة.
في المدرسة والشارع والقطار وفي المسرح وفي الأسواق وكل المحلات المعدة ل«الشوبينغ»... تتعرض المرأة للتحرش، إلى درجة أن الوعي العام يتضايق من رؤية فتاة جالسة في مقهى مثلا، وكأنه فضاء ذكوري بامتياز.
السينما أيضا، وإلى حدود قريبة، كانت تعتبر فضاء خاصا للاستمتاع الذكوري، وكأن الفن إبداع رجالي بامتياز، مع العلم أن المرأة حاضرة وبقوة في الأفلام السينمائية. ولن أفاجئكم حينما أؤكد لكم أنه في بعض المناطق والمدن الهامشية اليوم في المغرب، وبحكم التقاليد البالية والأعراف المتقادمة، يمنع على المرأة الدخول إلى السينما، وإذا حدث وأن وجدت فتاة في قاعة للسينما فإنها تتعرض لأشكال وأنواع من التحرش، حيث يُتحرش بالمرأة لأن الرجل يعتقد أنها ملك له. ملكية له في الشارع وفي العمل وفي المدرسة... في القطار وفي الشاطئ وفي الحافلة وفي الأسواق... في كل مكان.
في السينما وفي المقهى تمسح تلك النظرات إياها جسد المرأة بكثير من التحرش إلى درجة يعتقد أنه فضاء ملك للرجل، وبالمناسبة أتذكر جيدا كيف أهينت بعض المراهقات اللواتي كن يتابعن دراستهن في نفس الثانوية التي كنت أدرس بها في كرسيف لأنهن كن يتمشين مع بعض الأساتذة، ففي الوقت الذي أوقفهم رجال الشرطة في الشارع واجهوا التلميذات بالسب والقذف والإهانة، مع العلم أنهم لم يتعاملوا بنفس الأسلوب مع الأساتذة!
من المؤكد أنك كنت عرضة للتحرش الجنسي بعد مواقفك الأخيرة وظهورك على السجاد الأحمر في مهرجان السينما بالقفطان «المحلول» وقبلها في لقطة مسرحية «كفر ناعوم الشهيرة»، فكيف تعاملت مع هذا النوع من الأمراض التي لم تنجح المدرسة والإعلام والأسرة في الحد منها؟
أريد أن أوضح نقطة مهمة: كنت أتحدث في مرحلة سابقة عن التحرش الذي تتعرض له التلميذة والمراهقة وكيف كنت أواجهه شخصيا، أما وقد أصبحت شابة فنانة، فإن الوضع مختلف، حيث تختلف طبيعة المتحرشين باختلاف المرحلة التي تعيشها المتحرش بها. فإذا كانت مرحلة المراهقة قد طبعها التحرش من طرف تلاميذ، أساتذة، القايد، النادل في المقهى أو الباشا... فإن التحرش سيتخذ مع مرحلة الشباب وعالم الفن والشهرة نوعا جديدا، حيث يمكن الحديث عن بعض من رجال الأعمال، سياسيين، ربان الطائرة أحيانا، فالتحرش عادة ما يتماشى مع المهن التي تشغلها المتحرش بها، ويزداد تعقيدا حينما يتعلق الأمر بفنانة. والحقيقة أن لطيفة أحرار تعرضت للتحرش الجنسي من طرف رجال ونساء.
نساء أيضا؟
نعم سحاقيات أجنبيات، لكن في كل الأحوال أرد على مثل هذه التصرفات بدبلوماسية وبلباقة، أما التحرش الخطير الذي تعرضت له فقد كان على صفحات «الفيسبوك» و«التويتر» بعد عرض مسرحية «كفر ناعوم»، فهذا يقول إنني «مكبوتة»، والآخر يدعوني إلى قضاء ليلة حمراء على سريره، وقد سبوا وشتموا واعتدوا علي وكأنهم يدعون إلى نموذج منغلق ومتحجر لدور المرأة، فهل نعيش في «قندهار»؟
جدتي كانت ترتدي «الحايك»، وقد كان يضفي عليها جمالا مميزا، لكن أنا لطيفة أحرار التي تعيش في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، أنا لطيفة أحرار التي كنت أرافق والدي رحمة الله عليه في المقهى منذ الصغر، وكانت والدتي أطال الله في عمرها تسمح لي باستدعاء أصدقائي وصديقاتي للاحتفال في منزلنا «سربريز بارتي»، ووالداي لم يكونا يمانعان في أن ألعب مع الأطفال منذ الصغر، أو أن أسبح مع أصدقائي في الشاطئ أو في المسبح أو في النهر، لذلك لم تترعرع بداخلي أية عقدة تجاه الجنس الآخر، ولا بحثت عنه أو هرولت لاكتشافه، لأنه كان زميلي وصديقي منذ الصغر في البيت، لأنني كنت متصالحة معه ومع نفسي، ولم أقبل يوما أن يتحرش بي، ولذلك يجب أن نفضح التحرش الجنسي، لأنه بسكوتنا عليه نساهم في استمرار هذا المرض واتساع مساحته في المجتمع، ولذلك علينا أن نحارب كل الوسائل التي تؤدي إلى مواجهة نتائج التحرش الجنسي، من قبيل زنا المحارم. أما أسباب اتساع الظاهرة فإنها تكمن في التربية التي شب عليها أجيال وأجيال، وهي التي تعتبر أن المرأة كائن من الدرجة الثانية، لا يحق لها أن تغادر منزلها إلا إلى بيت زوجها ثم إلى القبر، وهي نفسها الثقافة المتحجرة التي تجبر المرأة على خفض صوتها إذا كانت في مجمع رجالي، وتفرض عليها نوعا خاصا من اللباس، وطريقة خاصة في الكلام، وطقوسا مميزة في المشي وفي اللعب... وهي نفسها التربية التي تدعو الفتاة منذ صباها إلى غض الطرف عن كل ما تسمعه وتعيشه من مظاهر التمييز في المنزل والمدرسة والشارع...
هل تأثرت لطيفة بالتحرش الجنسي؟
أحاول أن أبقى طبيعية، خصوصا عندما أكون في مناسبات مع أفراد من جنسيات أخرى، وبالضبط مع دول المشرق الذين يختزلون المغربية في بعض الكلشيهات من قبيل السحر والدعارة والشعوذة، وأحاول أن أغير نظرتهم إلى المرأة المغربية، وإن كنت قد تعرضت لتحرش جنسي في بلد مشرقي لا أريد أن أذكر اسمه من طرف فنان معروف، فكان علي أن أرد بشكل لاذع، ثم توجهت إلى نقابة الفنانين لأشتكي، والحمد لله تم إنصافي بعدما عملت النقابة على فضح صاحب هذا السلوك. وقد حدث أن تعرضت مؤخرا للتحرش من طرف سحاقية أجنبية، وقد حرصت على أن أصدها بلباقة ودبلوماسية. صحيح أن التحرش الجنسي يقع في كل الدول، وقد تابعتم ما جرى في قصة «دومينيك ستراوس كان»، ولذلك ليست هناك وصفة سحرية يمكن اتباعها في جميع الدول لمحاربة هذه الظاهرة، فكل بلد يمكن أن يواجه هذه الظاهرة بناء على ثقافته وتربيته. المهم أن نعلم الناس أن يفضحوا المتحرش بهم، سواء كان ضحايا التحرش من النساء أو الرجال. ثقافة البوح تجعلنا نتصالح مع ذواتنا. فإذا كان المتحرش مريضا نفسيا لأنه تعرض للتحرش حينما كان طفلا فلابد من معالجته، وإذا كان يتعمد إيذاء الآخرين فلابد من مساءلته ووضعه عند حده. إنني أحاول أن أكون طبيعية، وأحاول أن أسيج نفسي بالكثير من القيم الإنسانية، دون أن يعني ذلك أنني أتسامح مع التحرش الجنسي إذا كانت الخطوة جارحة، حيث أعيش بشكل طبيعي، وأنا مسؤولة عن تصرفاتي وسلوكاتي ولباسي، ولا تهمني القراءات والتفسيرات التي يضعها هذا أو ذاك مادمت لا أعتدي على حريتهم. في غياب تفعيل القوانين التي تجرم التحرش الجنسي، يفترض فينا أن نرسم قواعد أخلاقية لمواجهة الظاهرة، ويمكن أن ننطلق من مبدأ الحرية الذي لا يجب أن يُمس، فالحرية أساس الوجود، ولذلك فإن اعتماد التصور الديني لمواجهة الظاهرة سيسقطنا في تفسيرات وتصورات لأي منظور ديني يمكن من خلاله محاربة هذه الظاهرة، كما سيسقطنا في تأسيس شرطة الأخلاق، فالأغلبية العظمى من الشعب المغربي مسلم، وهناك اليهود والمسيحيون، ولذلك فهناك ثقافات دينية متعددة يجب أن نحترم حقها في ممارسة حريتها في كل مظاهر الحياة. وبتطور أنواع التحرش لابد من تطوير تقنيات رصده ومعاقبته، فمع التطور التكنولوجي أصبحنا أمام ما يسمى بالتحرش الافتراضي الذي كنت مثلا إحدى ضحاياه على الفيسبوك والتويتر.