يوم 08 شهر غشت 2008، خرج إلى الوجود، حزب الأصالة والمعاصرة، لم تكن ولادته مفاجأة، فقد سبقته أمارات الولادة، عبر إعفاء الهمة من مهامه الرسمية كوزير في الداخلية وإعلانه في صيف 2007، خوضه غمار الإنتخابات التشريعية ليحصد مقاعد دائرته الإنتخابية الثلاثة ويشكل فريقا برلمانيا احتل المرتبة السادسة في لائحة الفرق البرلمانية، ولا ننسى تأسيس جمعية أبنفس سياسي وأكبر من منظمة مجتمع مدني، أطلق عليها اسم "حركة لكل الديمقراطيين ». هذا الحزب الفتي الذي أسسه عرابه أنذاك « عالي الهمة » الذي اشتغل مديرا لديوان الملك محمد السادس عندما كان وليا للعهد، وكاتبا للدولة في الداخلية لسنوات إلى حين دخوله للحياة السياسية، وعاد إلى عرين القصر في أواخر سنة 2011، شكل ظاهرة سياسية كتب عنها الجميع إيجابا وسلبا، وتعرضت أيام الربيع العربي لهزة عنيفة كادت أن تؤدي إلى وفاته. يحاول الآن أن يلعب أوراقه الأخيرة لكي « يكون أولا يكون »….. من نتائج حزب الاصالة والمعاصرة الرقمية، أنه فاز بالرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية ل2009 سنة واحدة بعد تأسيسه، ورغم كونه في المعارضة فقد فاز بانتخابات الغرف والجماعية سنة 2015، وهو يترأس 5 جهات من أصل 12 جهة بعد التقطيع الجهوي الجديد. هذه النتائج السريعة التي حققها حزب « البام » في سنوات قليلة، تدفعنا إلى التنقيب عن الأسباب، هل هي تتعلق بشروع مرجعي اقتنع به أغلبية المغاربة فأعطوه أصواتهم، أم يتعلق الأمر بأسباب أخرى تحقق هذه النتائج الغريبة؟؟؟؟ جرت العادة في الممارسة السياسية المغربية أن يقوم النظام السياسي المغربي بإنتاج أحزاب إدارية جديدة تفوز يالانتخابات وذلك في مواجهة الأحزاب الديمقراطية التي تشكلت منذ بداية الاستقلال، ونضرب مثلا تحالف « الفديك » الذي أسسه الرجل القوي في القصر « رضا اكديرة » وحزب التجمع الوطني للأحرار الذي أسسه محمد عصمان أحد مقربي القصر آنذاك، وحزب الاتحاد الدستوري الذي أسسه « المعطي بوعبيد »…. حزب الأصالة والمعاصرة لم يخرج عن القاعدة فقد أسسه الرجل القوي « عالي الهمة » اليد اليمنى للملك محمد السادس، وتركه بعدما اكتسب مناعة البقاء حيا… الحزب تأسس بعد اندماج أحزاب صغيرة عديدة، شكلت نواة الانطلاق، هاجرت إليه أعيان ونخب كانت تمارس العمل السياسي، وأخرى التجأت إليه كي تكسب حصانة سياسية تقيها شر المتابعة ومراقبة أنشطتها المالية، الحزب عرف هجرات عديدة في منحيين معاكسين، وعرف تأديب البعض وعودة البعض الأخر. لكن الشخصيات النافذة كإلياس العماري، بنعزوز، المحارشي وبنشماس وأخرون، ظلت متحكمة بالحزب، والباقي يدور في فلكها، يسعى إلى إرضائها للبحث عن تزكية أو تعيين أو توظيف….هذه الشخصيات التي تجمعها روابط عديدة استطاعت تطويع كل المتمردين عبر إرضائهم أو طردهم، وتذويب التباعدات المتراكمة من ظروف التأسيس، وتكوين مقاولة سياسية تبحث عن الربح السريع. ابتعد العراب الأكبر « عالي الهمة » بعد انتخابات 25 نونبر 2011،و التي اعتبرها المتتبعون نكسة بتاريخ البام، بعد نجاحه في محليات 2009، لكنه ترك وراءه العراب الأصغر « إلياس العماري » الآمر الناهي في الحزب ولو بدون شارة عمادة الفريق. هذا الرجل النافذ في البام، اشتغل لسنوات في الظل وهو يعد لانتخابات سابع أكتوبر 2016، بتشكيل خريطة انتخابية متحكم فيها وضمان ولاء الأعضاء البارزين في الحزب، وبادر إلى عقد مؤتمر الحزب الأخير ليصعد أمينا عاما للحزب في رمشة عين وبالتصفيق فقط، ليحيلنا على الصورة النمطية المتمركزة في مخيلة المغاربة والتي تؤمن بالاجماع ولا شيئ غيره. حلم القفز على مقعد رئاسة الحكومة هو ما يراود إلياس الآن، يسعى إلى تحقيقه عبر سيناريوهات تريد إقناعنا بأن عصر حزب العدالة والتنمية انتهى، بحصيلة مخيبة للآمال أغضبت الملك، وأن المغاربة سيعاقبون إسلاميي المغرب في الانتخابات المقبلة، سيناريوهات محبوكة تذكرني بما وقع لحزب النهضة التونسي الذي حكم تونس بعد الربيع العربي. فجأة تتحول صورة إلياس المافيوزي ابن الريف، إلى الرجل المتواضع الفقير الباحث عن العلم في جامعات سويسرا، والساعي بالصلح بين فتح وحماس، وسفير المغرب في كردستان العراق… والعديد من الكليشهات المحبوكة جيدا لإعادة إنتاج صورته وإخراجها بشكل أفضل. إلياس زعيم الحزب الذي أخرجه للوجود صديق الملك، ينتقد القرار الذي اتخذه الملك الراحل الجسن الثاني بالخروج من الاتحاد الإفريقي، ويعتبره خاطئا أنذاك…. في سياق آخر، يعتبر بكل جرأة أن مبادرة « الحكم الذاتي » كانت سابقة لأوانها. البام يستقبل العشرات من الاسلاميين الباحثين عن المجد السياسي في أحضانه، ليكسر الصورة النمطية التي ترسخت لدى المغاربة بكونه يحارب الاسلاميين. المشكلة ليس في كل ما ذكر، لأنه مزاولة لعمل سياسي مقبولة بمنطق العصر، المشكل الحقيقي هو في مشروع الأصالة والمعاصرة الذي اختلط علينا وصعب علينا فهمه، ينهل من اليمين واليسار، يأخذ من الأصالة و المعاصرة، ليصبح مشروعا بدون معنى سيظل قاصرا عن مواجهة مرجعية الاسلاميين المغاربة. البام مشروع أشخاص وليس مشروع دولة، أشخاص رضعوا حليب الدولة العميقة، وأصبحوا خدامها المتنفذين، تفتح لهم خزائن المملكة، وتعبد لهم الطرقات، وتحل مشاكلهم بكل سهولة، بينما يعاني المنتخبون الآتون من رحم المعاناة، من تضييق على ممارسة مهامهم. قولة قالها « إلياس العماري » في الحفل السنوي الثامن لتأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، أنه في 08 أكتوبر 2016 سيحتفل بشهادة تخرج البام « المولود »، بثت الرعب في فرائصي، لأنني قرأت فيها نفس الربح السريع الذي يبحث عنه السياسي الضيق الأفق. تخرج كائن سياسي بعد مرور 8 سنوات بدبلوم انتخابات تشريعية، ولكن بدون مشروع سياسي واضح، سيزيد من ضحالة مستنقع السياسة المغربية، بل وسيجعل السياسة تبتعد عن المواطن المغربي لتصبح ممارسة للسلطة الحاكمة وحدها، وهذا ما يستعجل أشكالا عنيفة للتغيير، لن تكون في صالح المغرب أبدا..