عدد كبير من المثقفين والسياسيين يتحدثون الآن عن تردي وتدهور العمل السياسي في المغرب ، الشيء الذي بات ينذر بموت السياسة و بنهاية الأحزاب السياسية ، عند البعض ، بعدما تحولت معظمها إلى أحزاب تتسابق على السلطة وتتصارع فيما بينها باستعمال أساليب قدرة ، كالإشاعات والمغالطات والضرب تحت الحزام ، غير مبالية للتنافس الشريف ولأخلاق السياسة الذي يجب أن تسود المشهد الحزبي ، دون الاهتمام أو الاكتراث بمطالب وهموم المواطنين ، بعد أن هيمنت على أغلبية النخب السياسية الأنانية و السعي إلى تحقيق المنافع و المصالح الخاصة. ولقد أدى هذا الوضع المتأزم الذي يعيشه المشهد الحزبي في البلاد إلى تنامي ظاهرة الانتهازية اليوم بشكل فظيع ، حيث أصبحت من أخطر الآفات التي تنخر في أوصال المجتمع السياسي ، و معولا هداما يعمل على القضاء على ما تبقى من القيم و المبادئ والاديولوجيات ، حيث إن بعض السياسيين مستعدون تغيير أفكارهم ومبادئهم وحزبهم من أجل الحصول على تزكية على رأس اللائحة الانتخابية للوصول ، دون جهد أو معاناة ، إلى مقعد البرلمان ، الممهد إلى المنصب الوزاري .فاليساري قد يصبح إسلاميا أو يمينيا أو مخزنيا ، والإسلامي قد يصير يساريا أو حداثيا أو بدون هوية، بسرعة وفي وقت وجيز . إن عهد الايدولوجيا انتهى . وفي هذا السياق ، قد أعجبتني بعض العبارات التي جاءت في إحدى مقالات الكاتب الفلسطيني الدكتور فايز رشيد حول موضوع الانتهازية ، عندما قال : " إن الانتهازية بكافة أشكالها ومظاهرها خطر حقيقي، وتحتاج إلى مواجهة حقيقة من كافة الشرائح المجتمعية لاجتثاثها من جذورها، وإلا ستكون الطامّة الكبرى". فعلا ، يمكن الجزم بأن الانتهازية خطر حقيقي على المشهد الحزبي والسياسي و على المجتمع والدولة ، لأن الانتهازي تنعدم فيه قيم المواطنة و الإخلاص والوفاء ، فلا يرجى منه خير في البلاد ، شخص أناني و نفعي، تحركه بشكل أساسي دوافع المصلحة الشخصية. فهو إنسان غير مبدئي ، براغماتي ، مجرد من أي مبدأ أو عقيدة أخلاقية ، و يتصف بصفات الغدر و الخيانة للفئة أو الحزب أو الهيئة التي ينتمي إليها، و هو مستعد كامل الاستعداد للانقلاب على مبادئه و الخروج عن التنظيم الذي ينتمي إليه مقابل تحقيق أغراضه ومصالحه و لو بالوسائل القدرة . وإبان الانتخابات يكثر الانتهازيون ، كتجار الأسواق ، يبحثون عن المواقع و التزكيات ، و لو أدى بهم ذلك إلى دفع الأموال و التنكر لمبادئهم لكسب رضى القيادات الحزبية التي يلجؤون إليها، إنهم ثعالب و منافقون ، لا يهمهم إلا أنفسهم ، يبيعون ولاءهم بثمن بخس ويغيرون أقمصتهم . إن الانتهازية السياسية مرض استشرى و انتشر في المشهد السياسي المغربي ، يعبر عن رداءة العمل الحزبي في وقنا الحاضر ، مما يجعل كثيرا من المواطنين ، ومنهم الشباب على الخصوص ، يعزفون عن المشاركة السياسية وعن الذهاب إلى صناديق الاقتراع للتصويت أثناء الانتخابات . فالجيل الجديد ، جيل واعي ، لا ينبغي الاستهانة به أو التعامل معه بانتهازية غبية ، وبالتالي على السياسيين ، التعامل بنزاهة و حذر وأخلاق لكسب ثقة الشباب ، و تحفيزهم على المشاركة السياسية المكثفة، وذلك لن يتأتى إلا بعمل سياسي وحزبي نزيه ، يعبر عن روح المواطنة الحقة ، لخدمة الوطن بتفان و حب ، دون تقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة. إن السلوك الحزبي على ما هو عليه الآن، والذي يتصف في كثير من الأحيان بالانتهازية والأنانية ، لا يشجع الشباب على الثقة في أهمية العمل السياسي و في دور الأحزاب السياسية في خدمة المواطن و المجتمع و تحقيق الديمقراطية و التنمية للبلاد في كل أبعادها . *مدير مركز الرباط للدراسات السياسية و الإستراتيجية