الموضوع الذي نقدمه في هذه المقالة يكتسي أهمية ، يستدعي الوقوف عنده مليا من قبل الباحثين والجمعيات الامازيغية والمسؤولين ، لكونه يشكل الارضية التي بجب أن يقف عليها بناء النصوص التنظيمية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية . كثر الحديث في الايام الاخيرة عن النصوص التنظيمية لتفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية والشروط الواجب توفرها لتحقيق هذا المطلب ، الا أن ما وقع التركيز عليه هو الجوانب السياسية والقانونية بشكل مبالغ فيه نسبيا . لكن لم يتساءل أحد أو أن هذا التساؤل لم يحظى بالاهتمام اللازم حول الشروط الاجتماعية والثقافية والنفسية والتربوية التي يجب المطالبة بتوفرها بنفس الالحاح والنضال والجهد بغية انجاح الشرط الحقوقي والسياسي من المعادلة ، لأنه من البديهي أن كل القوانين هي أساسا وسيلة لتنظيم حياة الناس وعلاقاتهم فيما بينهم والسعي حسب الظروف التاريخية (الاقتصادية ، الاجتماعية ، الثقافية ...) الى تدبير أفضل للموارد المادية بطريقة تهدف الى تطوير مدارك الانسان والرقي بها الى الافضل . لكن هذه الغايات غالبا ما يبقى تحقيقها نسبيا ، نظرا لكون الانسان المخاطب بالتشريع ليس آلة صماء تتحرك وتستعمل حسب رغبة مشغلها ، وفق الخطة المرسومة لها ، بل هناك مجموعة من المشاعر والعواطف والميولات المختلفة ، هي التي تحرك الفرد أو الجماعات ضد أو مع هذه القوانين .أن المغاربة أشخاصا لهم شخصياتهم ، لهم كياناتهم النفسية والعقلية والعاطفية تشكلت عبر السنين بفعل عوامل مدرسية اعلامية دينية ...شكلت درجة وعي المغاربة تجاه المسألة الامازيغية لكل هذه الاسباب يمكن أن نلاحظ تفاوتا كبيرا بين المغاربة في درجة تجاوبهم مع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية فقد يطالب البعض بالانضباط الصارم لمقتضيات القانون رغم قصوره ، بل ستفرز الممارسة مسؤولين يتهاونون في تطبيقه يتربصون الفرصة المواتية لمخالفة الضوابط التي ستأتي بها هذه القوانين ، ولدينا امثلة متعددة خاصة في ميدان التعليم حيث تجد مسؤولا تربويا يفرغ استعمالات الزمن الخاصة بالأساتذة من حصص اللغة الامازيغية وهناك من الغى تكليفات أساتذة اللغة الامازيغية ، بل انتقلت العدوى الى بعض مسيري فروع مراكز تكوين الاساتذة التي يتلقى فيها الطلبة الاساتذة التكوين في مجزوءات اللغة الامازيغية حيث عمد البعض الى تقليص حصص التكوين رغم وجود أساتذة مؤطرين ومتخصصين . يقع هذا ليس لوجود أسباب ادارية او مهنية أو لغياب القانون ، وانما للاستجابة لدوافع شخصية .وقد تراسل مسؤولا أعلى منه من أجل تطبيق القانون ، ولا يستجيب . وهكذا يتم ترسيم مثل هذا السلوك بل وتقنينه ، وقد يصبح قدوة للآخرين. ان هذه الامثلة التي تشهد على خرق القوانين ذات الارتباط بالأمازيغية لغة وثقافة ، تقدم دليلا واضحا على أن وجود القوانين رغم اهمية وجودها ليس كافيا للحد من ارتكاب ما يخالفها ، بل هناك جوانب أخرى لدى المغاربة يجب على الجمعيات المهتمة بالشأن الامازيغي والحركة الامازيغية والدولة ...أن تهتم بها علميا وعمليا وذلك بأجراء الدراسات الميدانية حول المتمثلات الخاطئة لبعض المغاربة حول الامازيغية بمعناها الواسع وذلك لاستخراج تصور وطني متكامل غايته بناء الانسان المغربي الجديد بخطة شاملة وطويلة الامد ، مركزة على الجوانب النفسية والفكرية والدينية ، وكل ما له علاقة بمكونات الشخصية المغربية . وهذه المهمة الوطنية من مسؤولية الجميع وموضوعة بصفة خاصة على كاهل الباحثين في كل حقول المعرفة الانسانية وفي مقدمة هؤلاء الجمعيات الامازيغية التي ندعوها بالمناسبة الى العمل الميداني مع افراد المجتمع بالقيام بتسطير أنشطة لتعليم اللغة الامازيغية والتعريف بحضارتها وثقافتها بدل انتظار رأس السنة الامازيغية للظهور او انتظار ما تقدمه الدولة من أجل انتقاده . ما أحوجنا اليوم الى فعل جمعوي في الميدان من اجل تقديم جواب عملي لتجاوز الاختلالات والاعطاب التي انتجتها فترة تاريخية يمكن القول أن المسؤولين عنها كانوا يعتبرون أن مهمتهم الاولى انبات الاختلالات في الثقافة الامازيغية وبذر الشك في كل شيئ ذو صلة بالأمازيغية وذلك من أجل صنع مجتمع بدون قيم أمازيغية وبدون تاريخ أمازيغي ، فاختل ميزان القياس لدى الاسان المغربي حيث اصبحت الامازيغية جاهلية لدى البعض . من اجل تجاوز كل هذه الاختلالات التي تعاني منها الثقافة والقيم الامازيغية لا بد من تواصل ايجابي حول الامازيغية بين مكونات المجتمع المغربي وقراءة الواقع قراءة صحيحة لبناء انسان مغربي متوازن وطنيا يمتلك ثقة في تاريخه وثقافته في شموليتها ، وبصفة عامة نتمنى أن تكون النصوص التنظيمية المنتظرة بمثابة ميثاق تعاقد بين افراد المجتمع بكل مكوناته الفردية والجماعية من اجل ازالة كل العوائق النفسية والثقافية للنهوض بالأمازيغية لغة وحضارة وقيما .