يرى رشيد الحاحي، الباحث والمنسق الوطني للجمعيات الأمازيغية، أن الحركة الأمازيغية في المغرب أكبر من أن تكون مجرد حركة احتجاجية أو تيار إثني أو ثقافوي، بل هي أيضا حركة انبثقت من صلب المجتمع المغربي، مطالبا في هذا الحوار الذي تنشره هسبريس بتعديل وتجويد والمصادقة على مشروعي القانونين التنظيميين الخاصين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. وفي ما يلي نص الحوار مع رشيد الحاحي: أنتم رئيس التنسيق الوطني الأمازيغي، ما هي طبيعة هذه الهيئة؟ وما هي أهدافها ومهامها بالتحديد؟ وأين وصل هذا التنسيق اليوم في ظل التراجعات التي يعرفها ملف الأمازيغية؟. التنسيق الوطني الأمازيغي هو ائتلاف مدني يضم مئات الإطارات والجمعيات الأمازيغية من مختلف جهات المغرب، أسس بمدينة مكناس في نونبر 2013..حينها، وبعد تشكيل لجنة التنسيق الوطني، اقترح وألح الرفاق في التنسيق على أن أتولى مهمة المنسق الوطني، رغم ترددي في البداية لصعوبة الجمع بين مهام البحث والتنظيم. وقد عملنا جميعا خلال هذه السنوات بشكل جاد وعقلاني على المساهمة في العمل النضالي والترافعي والبحثي الأمازيغي، وبإمكانيات المناضلين الذاتية، من خلال تنظيم عدة لقاءات وطنية وتنسيقية وندوات بكل من الحسيمةوأكادير وتنغير ومكناس والرباط... بمشاركة عشرات الباحثين والفاعلين المدنيين والحقوقيين، تناولت قضايا ومواضيع الأمازيغية والمسألة الدستورية، الحقوق اللغوية والثقافية والعدالة المجالية والثروات الطبيعية، السياسة الترابية والتنمية... وقد صدرت أعمال هذه الندوات في منشور، كما كان التنسيق الوطني حاضرا في جل اللقاءات والمبادرات الأمازيغية التي واكبت مطالب الحراكات الاجتماعية ووضعية الأمازيغية في السياسات العمومية للدولة، والترافع من أجل سن قانونين تنظيميين منصفين لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. أنتم قبل وبعد التنسيق الأمازيغي أحد المساهمين منذ مدة في أنشطة الحركة الامازيغية؛ ما تقييمكم لمسار الحركة اليوم؟. الحركة الأمازيغية في المغرب ليست مجرد حركة احتجاجية فئوية أو تشكيلة جمعوية ومدنية بسيطة ومحدودة كما يحاول البعض اختزالها، وليست تيارا إثنيا أو ثقافويا كما يعتقد آخرون، بل هي حركة اجتماعية انبثقت من صلب المجتمع المغربي بشكل يستجيب لتطورات موضوعية على مستوى ديناميته الاجتماعية ووعيه الثقافي والحقوقي والديمقراطي والتنموي، وهذا واضح من خلال تحليل مسار بروز هذه الحركة وتطورات خطابها وآلياتها ومطالبها وفعلها؛ حتى إنه يمكن اعتبارها حركة نقدية وتنويرية ساهمت بشكل بارز في خلخلة العديد من اليقينيات والأوهام التي امتلكت الشعور العام ووعي الأفراد والمكونات السياسية والثقافية والدولة ذاتها لعشرات السنوات وعلى امتداد سياقات معروفة، خاصة في ما يرتبط بالتصور الهوياتي والوجود التاريخي والإنسي المغربي وقضايا اللغات والثقافة والمجال والتنمية وغيرها، واستطاعت أن تساهم ولا تزال في تصحيح وتجديد الوضع اللغوي والثقافي ونظرة المغاربة إلى ذاتهم وإلى العالم من حولهم، رغم أن هذا المسار التغييري شاق وتعترضه العديد من العوائق الذاتية والسلطوية ويتطلب المزيد من الجهد وتطوير آليات العمل والخطاب في المستقبل. أعتقد أن الحركة الأمازيغية راكمت وحققت مكتسبات ونتائج هامة على مستوى خطاب التعدد اللغوي والتنوع الثقافي والإقرار بالهوية الأمازيغية وترسيم اللغة الأمازيغية في دستور 2011، وعلى مستوى دعم الخطاب الإنسي والتاريخي وفكر الاختلاف في المجتمع المغربي، ولا تزال تنتظرها تحديات كبيرة على مستوى توظيف خبراتها وكفاءاتها وأطرها وشبابها في التمكين والتفعيل القانوني والمؤسساتي والتدبيري لهذه المكتسبات وتملكها الجماعي والديمقراطي، وعلى مستوى إرسائها في منظومة التربية والتكوين والثقافة والإعلام والقضاء والإدارات وبقية مناحي الحياة العامة. قريبا يصادق البرلمان المغربي على قانونين تنظيميين يتعلقان بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة.. أنتم تتبعتم مسار إعداد والمصادقة على القانونين، كيف سيكون وضع الأمازيغية بعد إخراجهما؟ وهل أنتم متفائلون لمسار ترسيم الامازيغية؟. المطلوب أولا هو الإسراع في تعديل وتجويد والمصادقة على مشروعي القانونين التنظيميين الخاصين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية المعروضين حاليا على لجنة التعليم والثقافة والاتصال بالبرلمان بعد كل التأخير الحاصل، وذلك عملا بمقترحات التعديل التي تقدمت بها الإطارات المدنية العاملة في مجال النهوض بالأمازيغية في مذكراتها الترافعية، وبخلاصات اليومين الدراسيين المنظمين بالبرلمان، لجعلهما منصفين وضامنين للتطبيق الفعلي. ومن أهم هذه التعديلات تغيير بعض الألفاظ والعبارات بما يفيد التزام الدولة والحكومات والمؤسسات بتنفيذ مقتضيات القانونين، وترصيد المكتسبات والخيارات المحسومة خاصة توحيد ومعيرة اللغة انطلاقا من مختلف تعابيرها اللسانية، وخط الكتابة تفيناغ المحسوم، والذي حظي بالموافقة الملكية منذ أكثر من 15 سنة، وتعميم تدريسها ومنهاجها الدراسي وشعبها بكل الأسلاك التعليمية والجامعات، وتقليص الجدولة الزمنية لمراحل التفعيل المبالغ فيها، والاحتفاظ بمؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بهياكلها ومواردها العقارية والبشرية، واعتماد الحكامة والتنسيق الأفقي بدلا من العمودي في العلاقة بين المؤسسات والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، ثم التنصيص في القانون التنظيمي على الموارد المالية لتفعيله في إطار الميزانية العامة للدولة والميزانيات القطاعية؛ وذلك حتى تتوفر شروط تطبيقه وتنفيذ مقتضياته في الآجال المحددة. لا شك أنه إذا استطاعت الإرادات الحسنة أن تدخل هذه التعديلات على مشروعي القانونين التنظيميين المعروضين حاليا على البرلمان، وتمت المصادقة عليهما في غضون الشهور القليلة القادمة في مجلسي النواب والمستشارين، ستأخذ الأمازيغية مكانتها الطبيعية والمنصفة وطريقها السوي في السياسات العمومية ومؤسسات الدولة، وستتحقق نتائج هامة على مستوى التدبير الديمقراطي للتعدد اللغوي والتنوع الثقافي الوطني الذي هو شرط أساسي للاستقرار السياسي والتنمية السوسيو اقتصادية وطنيا وجهويا في الحاضر والمستقبل. يشكل موضوع تدريس اللغة الأمازيغية بعد ترسيمها في دستور 2011 إحدى القضايا الهامة في مسار إعطاء الطابع الرسمي للفصل 5 من الدستور الجديد، إلا أن مسار هذا التدريس عرف مع هذا الترسيم تراجعا كبيرا إلى حد أن عددا من الجمعيات الأمازيغية تنتقد الوضع، ما الذي وقع بالضبط؟ وما هي الحلول المنتظرة في نظركم؟ نعم، تدريس الأمازيغية وإدماجها الفعلي في منظومة التربية والتكوين والتعليم العالي وفق التوضيحات التي أشرت إليها قبل قليل هو المدخل الأساس لحماية اللغة وتأهيلها ولتفعيل طابعها الرسمي وإعداد الموارد البشرية الضرورية لذلك، والحاصل أنه بدل التقدم في هذا الورش الهام الذي كان واعدا في بداياته، وأنا شخصيا من مؤسسي إدماج الأمازيغية في برامج مراكز التكوين مند سنة 2004، وعملت على تكوين مئات الخريجين نظريا وعمليا في اللغة وديداكتيكها لعدة سنوات، بدل التقدم وتعميم التكوين وتوسيع قاعدته، وبدل التقدم في نسب المدرسين والمتمدرسين والمؤسسات ومستويات الإدماج، حصلت للأسف تراجعات على كل هذه المستويات، ودخلنا مرحلة التخبط والتملص من المسؤوليات، بل والمقاومة التي تغذيها بعض الذهنيات كما يحصل هذه الأيام مع تكليف أساتذة التخصص الأمازيغي بتدريس المزدوج... لكن أرى أيضا أنه إضافة إلى أن التخصص في تدريس المادة يجب أن يتوسع فتعميم تدريس الأمازيغية في التعليم الابتدائي مثلا في ست سنوات كما ينص على ذلك القانون التنظيمي يتطلب تكوين أعداد هائلة من المدرسين المزدوجين أيضا في إطار تدبير عقلاني لحركية الموارد والتوقعات والحاجيات، ووفق تصور تدبيري وتكويني فعال وذي جودة، وعدم تكرار الأخطاء التي ارتكبت في السابق من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمديريات الإقليمية للوزارة، وأنا أشتغل على هذا الملف وأهيئ مقترحا ومشروعا متكاملا في الموضوع يمكن أن نعرف به في حينه. هناك من داخل الحركة الأمازيغية من يلح على ضرورة إعطاء القضية الأمازيغية بعدا جهويا في إطار ما يسمى الجهوية المتقدمة، كيف ترون أنتم هذا الأمر؟ وهل فعلا يمكن حل معضلات اللغة والثقافة الأمازيغيتين في إطار هذه الجهوية؟. من الواضح أن نظام الجهوية المتقدمة واللاتركيز واللاتمركز الإداري ورغم كل الانتقادات المسجلة يمنح إمكانيات هامة لإيجاد حلول تدبيرية وعملية للعديد من المعضلات التي كرستها مركزية الدولة في الماضي؛ وذلك إذا أحسن تفعيله ووجدت النخب والكفاءات القادرة على حمله وإرسائه. ويمكن لهذا الخيار الترابي أن يمنح إمكانيات مهمة للنهوض باللغة والثقافة الأمازيغية وتطبيق قانونها التنظيمي إذا توفرت الشروط المذكورة، إضافة إلى ضرورة توسيع والإسراع في تفعيل ما سمي في القانون التنظيمي رقم 14-111 للجهات بالصلاحيات المشتركة والمنقولة وعدم الاكتفاء بالصلاحيات الذاتية المخولة حاليا، والتي تختزل مثلا مهام الجهات في المجال الثقافي في المساهمة في المحافظة على المواقع الأثرية والترويج لها وتنظيم المهرجانات ولا تمنحها إمكانيات كبرى في المخطط التنموي الجهوي. لكن من الضروري التأكيد على أن كل الجهات معنية بالمقتضيات الدستورية وبالقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؛ قد تحصل تفاوتات في الإيقاع وتوفير الموارد ونسب التقدم في التطبيق حسب طبيعة الجهات وتركيبتها الديموغرافية ووضعها التنموي وذهنيات نخبها ومنتخبيها، لكن شعار "النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية"، الذي جاء في الخطب الملكية، و"الأمازيغية ملك لجميع المغاربة"، كما جاء في الدستور، يجب أن يترجما على مستوى التفعيل والتدبير الملموس لمقتضيات القانون التنظيمي للأمازيغية ووضع المخططات الجهوية . وفي هذه الحالة يمكن للإطارات الأمازيغية الثقافية والتنموية أن تشتغل في إطار ممكنات التدبير الجهوي كشركاء وقوى اقتراحية ذات خبرة، من أجل النهوض بالأمازيغية في المخططات والبرامج وتفعيل دورها التنموي في المجال الثقافي والاجتماعي والسياحي والاقتصادي؛ لكن يتطلب الأمر توفر الشروط المذكورة في هذه المجالس وصلاحياتها وتوفير الاعتمادات الضرورية، وليس بعض الفتات كما حصل مؤخرا بجهة سوس ماسة، وإسناد تدبير هذه الشراكات إلى إطارات فاعلة وكذا حس المبادرة واقتراح المشاريع من طرف المجتمع المدني. انتفضت مؤخرا عدد من الجمعيات الأمازيغية بمدينة أكادير ضد ما أسمته "فلسطنة" حي بكامله بالمدينة بعد قرار البلدية إطلاق أكثر من 40 اسما على أزقة حي القدس، ما موقفكم من هذا الأمر؟ وهل من اهتمام بالهوية الثقافية لمدينة أكادير في إطار الحركة الأمازيغية؟. أكادير مدينة أمازيغية جميلة، هي عاصمة سوس وأحد وجوه المغرب المعاصر؛ لها رمزية كبيرة في مسار الحركة الأمازيغية والديمقراطية في بلادنا، وكان لها الفضل من خلال إطاراتها المدنية ونخبها الثقافية والاقتصادية الغيورة في احتضان محطات كبرى في مسار العمل الأمازيغي والتأسيس لخطاب التعدد اللغوي والتنوع الثقافي والهوياتي في المغرب ككل، ولا تزال تضطلع بهذا الدور وينتظرها المزيد من الجهد والعمل والإنتاج على هذا المستوى مستقبلا. أما محاولة إقدام المجلس الجماعي الحالي لمدينة أكادير على استيراد حوالي 40 اسما من مدن ومداشر وشخصيات من فلسطين وإطلاقها على أزقة حي القدسبالمدينة فهو في نظري مجرد تهافت إيديولوجي ينم عن عدم نضج أصحاب الفكرة وعدم إلمامهم بأخلاقيات التدبير الجماعي وبرمزية المدينة وخصائصها الديموغرافية والثقافية. ألا يكفي أن الحي بكامله يحمل مند أكثر من عشرين سنة اسم حي القدس، وأن التدبير الحديث في ما يخص تسمية الأزقة ينحو إلى التبسيط والترقيم، خاصة أن تسميات شوارع هذا الحي وغيره من الأحياء في المدينة يعرف تعددية في أصول الأسماء التي تجمع بين المحلي والوطني والكوني؟ فالإشكال الذي على المجلس الجماعي للمدينة ومجلسيها الإقليمي والجهوي الإنكباب عليه هو حالة الركود الاقتصادي والسياحي وضعف الاستثمار الذي تعاني منه الجهة والمدينة، ومشكل النظافة وجودة النقل وإحياء المناطق الخضراء وغيرها، وبالنسبة للتسميات والتشوير اعتماد اللغة الأمازيغية أيضا إلى جانب العربية والفرنسية، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. أنتم بالإضافة إلى كل ما ذكر فنان ومبدع وكاتب، ما تقييمكم للإبداع في مجال الثقافة الأمازيغية؟ وهل يمكن الحديث فعلا عن إبداع أمازيغي بكل مقومات الإبداع؟ وما هي وضعية الفنان والمبدع الأمازيغي في ظل ما تعيشه الأمازيغية؟. نعم، يمكن الحديث عن إبداع أمازيغي في مجموعة من المجالات الأدبية والفنية يستمد صفته هذه من توظيف اللغة الأمازيغية، أو من توظيف المقومات الجمالية والرمزية والمجالية الأمازيغية، كما في بعض التجارب السينمائية والمسرحية وفي الشعر والرواية والقصة والتشكيل والموسيقى...لكن مستوى هذه الإنتاجات والإبداعات، كما في كل اللغات والثقافات، يختلف حسب مستوى وكفاءات الكتاب والفنانين الذين استطاع بعضهم أن يؤكد عمق وأهمية تجاربهم الإبداعية المساهمة في النهوض بالفن والثقافة الأمازيغية وتحديثها. ووضعية الفن الّأمازيغي هي انعكاس وامتداد لوضعية اللغة والثقافة الأمازيغية بشكل عام. ونعلم أن مختلف الأجناس الإبداعية والفنون الأمازيغية تعاني من غياب فرص وإمكانيات أوسع للإنتاج والترويج، إذ يلاحظ مثلا أن الدعم الذي تخصصه وزارة الثقافة لبعض المجالات، كالمسرح والأدب والتشكيل...ضعيف ويهمش فيه الفنانون الأمازيغ، والمركز السينمائي لا يخص الفيلم الأمازيغي بالتمييز الإيجابي للارتقاء بالسينما الأمازيغية التي يكاد نصيبها ينعدم أحيانا في لوائح دعم الإنتاج والمهرجانات. أما الكتاب الأمازيغي أدبا ونقدا وفكرا فمعاناته مضاعفة والكتاب والجمعيات يتحملون عبء الإبداع والنشر والتوزيع في تهميش كبير لحظوظ وإمكانيات الارتقاء بالمكتوب وانتشاره ومتابعته النقدية والتواصلية. وهنا لا بد من التأكيد على أن الوضعية الدستورية للأمازيغية كلغة رسمية ومكون أساسي في صلب الثقافة المغربية تقتضي تمكين الكتاب والمبدعين من شروط الإنتاج والإبداع الضرورية والارتقاء بالإبداع والفنون الأمازيغية.