منذ إطلاق "حملة زيرو كريساج" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قبل أسابيع، بادرت المديرية العامّة للأمن الوطني إلى التفاعل مع المبادرة، وكشفتْ أعداد الأشخاص الموقوفين لطمْأنة المواطنين، بعدما كثُرتْ حوادث النشل والسرقة والاعتداءات، وتعالت الأصوات المطالبة بتوفير الأمن، لكنْ، هل تكفي المقاربة الأمنية وحدها لمحاربة "الكريساج"؟ يجيب رشيد المناصفي، الخبير في عِلم الإجرام، عنْ هذا السؤال بالقول إنَّ "المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي لمحاربة الجريمة، بما فيها السرقة، التي باتتْ تقضّ مضجع المواطنين المغاربة"، موضحا، في حديث لهسبريس، أنّ "محاربة ظاهرة الإجرام بشتّى أنواعها تستدعي، أولا، البحث عن أسبابها، ومكافحتها". "مشكلتنا في المغرب أنّنا لا نبحث عن الأسباب التي تدفعُ الشباب إلى تعاطي السرقة، ونفضّل اختصار الطريق ورميهم في السجن؛ وهذا لنْ يحدّ من الظاهرة، طالما أننا لم نعالجها من جذورها"، يقول الخبير المغربي ذاته، الذي قام بعدّة أبحاث وأصدرَ كُتبا في هذا المجال، آخرها كتاب "CRIMES ET TCHERMI". وتأتي البطالة، حسب المناصفي، على رأس أسباب انتشار الجريمة، وخاصّة السرقة، مضيفا أنّ "عدم توفير أساسيات العيش الكريم للمواطنين، وتفشّي التهميش، وعدم توفير الأمن، والتعليم الجيد، وخدمات صحية لائقة، وانعدام المساواة أمام العدالة، تُعتبر عواملَ دافعة نحو الجريمة، بشتى أنواعها، مثل السرقة وبيع المخدرات والاعتداء على ممتلكات الغير". وفيما ترتكز خطّة السلطات المغربية على الجانب الأمني لمحاربة "الكريساج"، يرى المناصفي أنَّ "مكافحة هذه الظاهرة تتطلّب أنْ تتمّ وفْق مقاربة شمولية".. "حتّى رجال الأمن أنفسهم الذين من المفروض أن يحموا المواطنين غير مرتاحين، ويُعانون من ضغوط وإكراهات شتّى، تؤثّر على مردويتهم"، يقول الخبير ذاته في علم الإجرام. وإذا كانَ المغاربة يُطالبون بحمايتهم من "الجريمة التقليدية"، يُنبّه المناصفي في كتابه "CRIMES ET TCHERMIL" إلى بروز أنواع جديدة من الجريمة في المجتمع المغربي، وأوْضح في حديثه لهسبريس أنّه "كلما كان هناك تقدّم اقتصادي واجتماعي يتبعه تطوّر في الجريمة، مثل السطو على المؤسسات البنكية، وسيارات نقل الأموال". وفي حين تتزايد مطالبُ المواطنين بتوفير الأمن وحمايتهم من اللصوص وقطاع الطرق، قال المناصفي إنّ "على المواطن المغربي أنْ يتعلّم ألا يكتفي دائما بأن يكون مجرّد ضحية، بل عليه أنْ يعمل على حماية نفسه بنفسه"، حسب تعبيره. وشدّدَ المتحدث ذاته في هذا السياق على أهميّة تقديم الضحية شكاية لدى الأمن في حال التعرّض للسرقة، أوْ حتى في حال ضياع الهاتف المحول، مثلا، مضيفا: "قد لا تكونُ هناك نتيجة من تبليغ الشرطة، وقدْ لا يُعادَ إليك هاتفك المحمول، ولكن عليك أن تحميَ نفسك، لأنّ هاتفك الضائعَ قدْ يُستعمل من طرف من سرقه في أشياء غير قانونية، فتتحمّل المسؤولية". ويرى المناصفي أنّ ثمّة أشياء بسيطة قد لا ينتبه إليها المواطنون رغْم أهميتها في حمايتهم من التعرض للسرقة في الشارع، قائلا: "اللصوص يختارون ضحاياهم بعناية قبل الإقدام على تنفيذ السرقة، لذلك فحتّى طريقة المشي يُمكن أن تكون عاملا مساعدا على أن يكون الشخص هدفا للسرقة، فمن يمشي مقوّس الظهر، مثلا، يكون هدفا للصوص، لأنّ طريقة مشيته تعطي الانطباع بالوهن والضعف". وينصح الخبير ذاته في علم الإجرام المواطنين بالتحلّي باليقظة أثناء تجوّلهم في الشارع، واتخاذ ما يكفي من التدابير الكفيلة بحمايتهم من التعرّض للسرقة، مثل السير على الرصيف بدل قارعة الطريق، موضحا أنّ اللصوص، خاصة الذين يستعملون الدراجات النارية، يضعون خططا قبل الإقدام على تنفيذ السرقة، ويبحثون عن الضحايا الذين يمكن سرقتهم بسهولة، وفي أماكن تتيح لهم الفرار بسرعة.