قدم السفير التركي بالعاصمة المغربية الرباط شهادته على ليلة انقلابية طويلة، حصدت أرواح المئات من الأتراك الذين خرجوا ملبين دعوة الرئيس رجب طيب أردوغان للنزول للشارع من أجل الديمقراطية والحرية بتركيا. السفير التركي، أدهم بركن أوز، الذي حل بمطار إسطنبول قادما من العاصمة الرباط دقائق قليلة قبل تعليق الرحلات الجوية وتلاوة البيان العسكري الأول على شاشة التلفزيون الوطني، من أجل قضاء جزء من عطلته في بلاده، تحدث ضمن حواره مع جريدة هسبريس الإلكترونية عن المكالمة الهاتفية التي جمعته بالوزير المنتدب في الشؤون الخارجية والتعاون، ناصر بوريطَة، في وقت كانت طائرات "إف 16" تكسر جدار الصوت فوق بيته. الحوار رفقة أوز كان فرصة لمعرفة الموقف التركي الرسمي من عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، وللحديث عن العلاقات الاقتصادية والثقافية والأمنية والاستخباراتية التي تجمع الرباطوأنقرة، والتي توطدت صلاتها عقب رفض المغرب محاولة الانقلاب الفاشلة ضد النظام الدستوري التركي، مقدما أحد شبابه "شهيدا" للديمقراطية والحرية بهذه الدولة. بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، قبل زهاء أسبوعين، كيف هي الأوضاع حاليا في تركيا؟ الشعب التركي عاش كابوسا حقيقيا ليلة ال15 من يوليوز، إلا أنه كان قادرا على عكس الأحداث لصالحه، وإحباط مساعي هذه المؤامرة الغادرة ضد الديمقراطية والحريات التركية، كما أن الاقتصاد التركي لم يتأثر، إذ فتحت البورصات والأسواق أبوابها واشتغلت بشكل منتظم ابتداء من الاثنين الذي تلا المحاولة الفاشلة ليلة السبت، ما يدل على قوة المؤسسات في هذا البلد. وأرى أن التوافق والتضامن الشعبي رفقة كل التوجهات السياسية سيجعل من تركيا دولة أكثر قوة وصلابة بديمقراطيتها واقتصادها. تلك الليلة وصلت إلى إسطنبول قبل دقائق قليلة من انطلاق هذه المحاولة الإرهابية لقضاء جزء من عطلتي السنوية في تركيا. وللأسف كنت أحد الشهود على بعض الأحداث التي ارتبطت بهذا الانقلاب، والتي لا يمكن تصور حدوثها خلال القرن الواحد والعشرين. تبين أن الأمر لا يتعلق بمجرد مؤامرة غادرة، بل ترقى إلى حملة إرهابية تتمثل تفاصيلها في مهاجمة الجنود للشعب وطعن قادتهم في الظهر وقصف البرلمان والمُجَمع الرئاسي. من البداية كان واضحا أن غالبية القوات المسلحة التركية وقفت ضد المحاولة الانقلابية، وأن المنخرطين فيها محصورون في عدد قليل من عناصر القوات الجوية وقوات الدرك والوحدات المدرعة التي انضمت إلى هذه المؤامرة العنيفة، في حين اتخذت الشرطة والنيابة العامة على الفور خطواتها لإحباط المحاولة.. إلا أن أول الخطوات كانت من طرف الشعب التركي الذي أحبط المحاولة وأبان عن تضامن تاريخي عبر الخروج للشارع والتعرض لسبيل الدبابات حتى استعادة حقوقه الديمقراطية. الإرهابيون حاولوا نشر رسالتهم عبر الاستيلاء على استوديوهات القناة التلفزيونية الوطنية والهجوم على وسائل الإعلام الخاصة، إلا أن هذه الخطوات لم تدُم طويلا، إذ عملت وسائل الإعلام التركية على لعب دور رئيسي في إفشال المحاولة الانقلابية، فضلا عن كون جميع الأحزاب السياسية وأعضاء الجمعية الوطنية التركية دافعت بقوة عن الديمقراطية، والمؤسسات الديمقراطية وعن الدستور. هذه المحاولة الانقلابية تم التخطيط لها من طرف "المنظمة الإرهابية لفتح الله غولن"، المعروفة في تركيا باسم " فيتو". وشكل الانقلاب الفاشل الذي أودى بحياة 247 مواطنا من بينهم مواطن مغربي، وأدى إلى إصابة أزيد من 2000 آخرين بجروح، أبرز الدلالات على خطورة المنظمة، ليتم إعلان الطوارئ لثلاثة أشهر، في خطوة وافق عليها البرلمان بأغلبية كبيرة. وإلى غاية الساعة تم عزل 117 من الجنرالات والأدميرالات وعدد كبير من الضباط وضباط الصف، بالإضافة إلى حوالي 66 ألفا من موظفي القطاع العام، زيادة على غلق 934 مدرسة و15 جامعة و109 من السكن الجامعي، و35 من المستشفيات والمرافق الصحية، ما يدل على مدى تغلغل هذه المنظمة الإرهابية التابعة لغولن في المصالح الخدماتية للدولة التركية. كيف استقبلت تركيا كون المملكة من أوائل الدول الرافضة للانقلاب، وتضحية شاب مغربي بحياته من أجل البلاد؟ كان رد فعل المغرب سريعا وصادقا، ويوضح العلاقة الخاصة التي تجمع البلدين، فضلا عن الرؤية المشتركة التي ستزيد حتما من توطيد العلاقات بين الرباطوأنقرة.. المغرب فقد أحد أبنائه بإسطنبول، بعدما سقط برصاص الانقلابيين إلى جانب إخوانه الأتراك، ملبيا نداء الرئيس رجب طيب أردوغان دفاعا عن الديمقراطية والحرية. حضرت مراسيم دفن الشاب المغربي جواد مرون في مدينة طنجة، وأكدت لعائلته أن أخونا سيظل في قلوب الشعب التركي، كشهيد للديمقراطية التركية، وستظل أبواب السفارة التركية رهن إشارة أفراد عائلته قدر الإمكان. تركيا والمغرب دولتان شقيقتان وصديقتان وتتشاركان الرؤى الحضارية والإستراتيجية نفسها من أجل السلام واستقرار وتنمية المناطق التي ينتميان إليها، وكان المغرب من أوائل الدول التي عبرت عن تضامنها ودعمها لتحقيق الاستقرار والنظام الدستوري في تركيا..شعرت براحة كبيرة عند سماع صوت الوزير المنتدب في الشؤون الخارجية والتعاون عبر الهاتف للتعبير عن تضامن المغرب في وقت كانت تحلق فيه طائرات عسكرية فوق بيتي في إسطنبول، كاسرة حاجز الصوت. أعرب المغرب عن تضامنه من خلال شعبه ومؤسساته عبر الرسائل والزيارات، بما في ذلك زيارة وفد للسفارة برئاسة محمد يتيم، النائب الأول لرئيس مجلس النواب، ناهيك عن وقفة تضامنية وتنديدية بالمحاولة الانقلابية دعت لها جمعية "حركة الشباب الملكي" أمام السفارة التركية بالرباط. طالبتم المغرب بإغلاق مدارس ومؤسسات غولن، ألا يعد هذا تدخلا في السيادة المغربية؟ هناك سوء فهم بخصوص هذه المسألة، فالدول التي تتواجد بها المؤسسات والمدارس التابعة لهذا التنظيم الإرهابي بشكل أو بآخر يكون عليها تقييم الوضع وفقا للتقديرات الخاصة بها؛ وذلك حسب المخاطر والتهديدات المحتملة في كل منها؛ لذلك أستطيع أن أقول لكم إن السلطات المغربية على معرفة عميقة بحجم وطبيعة المخاطر التي قد تشكل تهديدا لمصالحها، وسنعمل دائما على توفير كافة المعلومات التي تحتاجها المملكة. ودون الخوض في التفاصيل، فإن المغرب بلد شقيق وصديق ولا نتشارك التاريخ فحسب، بل أيضا نملك رؤية مشتركة، ونشتغل وفق تعاون وثيق ومتعدد الأوجه يغطي مختلف المجالات، بما في ذلك الأمن ومكافحة الإرهاب. وأعقد أن التنظيم الإرهابي المسمى "فيتو"، التابع لغولن، يشكل تهديدا على العالم أجمع برئاسة الإمام المتقاعد الذي لا يتعدى مستواه التعليمي الابتدائي. وتعمل تركيا على تقاسم المعلومات التي بحوزتها مع الدول الصديقة، محذرة إياها من التواجد القوي لهذه الشبكات لتجنب مختلف السيناريوهات.. تم إغلاق 934 مدرسة و15 جامعة بتركيا عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة، كما أن دولا أخرى يوجد بها مثل هذه المدارس كأذربدجان والنيجر والأردن والصومال اتخذت خطوات مماثلة من الإغلاق والمصادرة. هذه القرارات التي تتعلق بالشؤون الداخلية لكل بلاد تعود بالأساس إلى السلطة التقديرية المحلية وللقوانين المعتمدة في البلدان المعنية، ومنذ معرفتنا بنوايا هذه المنظمة عملت تركيا على تقديم كافة المعلومات اللازمة ومشاركتها رفقة الدول الصديقة والشقيقة، ومن بينها المغرب. ولطالما كانت السفارة التركية بالرباط ولازالت مستعدة لتقديم التوضيحات والمعطيات اللازمة للسلطات المغربية. ودعيني أعود لتاريخ هذه المنظمة التي ظهرت في إطار حركة جماعة دينية عام 1970 عن طريق تأسيس المدارس الخاصة، وتقديم الدعم المدرسي، وتخصيص الشقق والمنازل للطلبة من أعضاء "فيتو".. وتواصلت أعمالهم على الصعيدين الوطني والدولي، وعملوا على تقديم أنفسهم على أنهم ديمقراطيون ومتطوعون في سبيل التعليم، وأنصار الحوار بين الأديان، لكن عند النظر عن كثب في منظمتهم ندرك بسرعة أنهم يخفون هوياتهم الحقيقية ويؤدون أدوارا مختلفة جدا لاختراق مواقع رئيسية في الجيش والعدل والأمن الداخلي وإدارة الدولة، ما يكشف الهدف الحقيقي للتنظيم الذي يطلق على نفسه اسم "حركة الخدمة". زعيم هذه المنظمة هو الآن في الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ أزيد من خمسة عشر عاما. وفي أعقاب الانقلاب الدموي أعربت الولاياتالمتحدة عن تضامنها من خلال الرسائل وكذلك المكالمات الهاتفية، سواء بين أوباما وأردوغان، أو بين عدد من الوزراء من الجانبين. وبعد الحصول على دليل يؤكد أن هذه المحاولة الغادرة كانت بتخطيط من فتح الله غولن، بدأ التنسيق بين البلدين لتسليم المجرم بموجب اتفاقات ثنائية، فعرضت السلطات الأمريكية العمل ضمن لجنة مشتركة.. ومن المتوقع أن تقود زيارة إلى واشنطن في الأيام المقبلة كلا من وزيري الخارجية والعدل، لتسوية ملف تسليم غولن ليواجه القضاء في تركيا. فتح الله غولن، وعبر محاولة الانقلاب الأخيرة، حاول إقامة ديكتاتورية عسكرية على أساس معتقدات دينية منحرفة، وتجاهل كل القيم والقواعد والمبادئ لتحقيق هدف "فيتو".. وكان الهدف من الخطوات المتخذة ليلة 15 يوليوز قتل العزل الأبرياء، وهو ما تم فعلا. وضع المغرب مطلبا للعودة للاتحاد الإفريقي، هل تدعم أنقرة هذا القرار؟ نتابع بإعجاب سياسة الانفتاح التي ينهجُها المغرب في القارة الإفريقية، تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، سواء كان عضوا من أعضاء الاتحاد الإفريقي أم لم يكن. موقع المغرب في إفريقيا لا يمكن تجاهله، ونعلم أنه بفضل رؤية جلالة الملك أصبح ثاني أكبر مستثمر في القارة الإفريقية والأكبر في غرب إفريقيا، إذ عملت المملكة على تعزيز وجودها عن طريق الروابط التاريخية والثقافية رفقة المستثمرين المغاربة في المجال البنكي والتأمين والنقل والاتصالات. وباعتباري سفيرا لتركيا أرى دائما الفرصة متاحة للتعاون معا والعمل وفق شراكة رفقة المغرب ضمن سياستنا المتبعة للانفتاح على القارة الإفريقية. وأعتقد أن قرار العودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي لا يمكن إلا أن يعزز مجهودات المغرب بالقارة ويزيد من فرص التعاون بيننا، خاصة أن تغيرات مهمة حدثت في البلاد تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس من حيث التحديث والتطوير في منطقة مضطربة.. أصبحت المملكة تشكل مثالا بارزا على استقرار النمو. اتفق رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ورجب أردوغان، عام 2013، على إحداث مجلس للشراكة الإستراتيجية بين الرباطوأنقرة.. أين وصل المشروع؟ مثل هذه المبادرات تشجعنا على تكثيف الجهود، سواء على المستوى الحكومي أو في القطاع الخاص لتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية، وتشجيع جميع المبادرات من المستثمرين الأتراك الراغبين في الاستقرار في المغرب. لقد تم تأسيس نحو 150 شركة تركية بالفعل في المغرب، وقادت زيارات عديدة رجال الأعمال الأتراك والوفود التجارية إلى المغرب.. كما تعمل السفارة على تنظيم زيارات منتظمة لهم لاستكشاف الفرص الاستثمارية بالمملكة. كما أن موقع المغرب الجغرافي والعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تجمعه مع بلدان من إفريقيا وأوروبا وأمريكا تجعله منصة اقتصادية ومالية مهمة للشركات التركية. أنا فخور جدا بالمشاريع المرموقة التي قامت بها الشركات التركية، والتي حققت مبلغا ماليا يصل إلى 3.5 مليارات دولار، وتحظى بتقدير من قبل الحكومة المغربية. كما أن من دواعي سروري أن أعرف مؤخرا أن الشركات التركية كانت مؤهلة للحصول على مشاريع ذات قيمة عالية، مثل ميناء الناظور المتوسط، وإنشاء الخطوط الجديدة لطرامواي الدارالبيضاء. نأمل أن يستطيع البلدان تطوير علاقاتهما بطريقة متعددة الأبعاد، خاصة في ما يتعلق بالسياحة في المغرب، ولاسيما أن الخطوط الجوية معززة برحلات مباشرة بين إسطنبولوالدارالبيضاء. ومؤخرا تم فتح خط جديد بين إسطنبولوطنجة. أنا متفائل بخصوص تعميق العلاقات أكثر، وعقد اجتماع يتمحور حول هذا المجلس بمناسبة زيارة رفيعة المستوى مستقبلا.