الكتابة في ذروة الألم بحث لا ينتهي عن المعنى. الملاذ الأول و الأخير. قطعة من الحياة... واحة من الأمل في صحراء قاحلة... أحلام... هل يحمل اسمك معناه ؟ هل مازلت تحلمين مثلما كنت بالأمس ؟ الأمس ولى وصور مشرقة من البراءة و اللهفة و الخيال الجامح و أوهام الحب الخالد اختفت في غياهب النسيان. أحلام... أين أنت من الحلم ؟ أين أنت من الحق البديهي في الحياة ؟ أين الكرامة و الإنسانية و حياتك صارت جحيما لا يطاق ؟ أوامر السيد لا تنتهي و جدران البيت منتهى البصر، والليل نهار، و النهار ليل، و الضياء ظلام. أحلام... أين أنا من الحلم ؟ ها هو صوت أمي يجلجل في رأسي كالجرس : - أنت في الثانية و العشرين و زواجك بإدريس فرصة نادرة لا تعوض. اقبلي دون تفكير. و ها أنذا أصرخ بصوتي الضعيف : - إني لا أحبه، لا يمكن أن أرتبط برجل لا أحبه... - الحب يا بنيتي لا يضمن لقمة العيش. الحب الذي تشاهدينه في مسلسلات الأتراك لا وجود له في الواقع... - أمي، أرجوك... و هنا زلزل البيت صوت الآمر الناهي : - هذي أمك و أنا أبوك و لا مجال للنقاش. القرار اتخذناه و السلام... و تم الزواج في لمح البصر، و انتقلت أختي الصغرى أحلام للعيش مع إدريس بعيدا عنا، على مسافة ألف كيلومتر، في أقصى جنوب البلاد. و كنت الوحيد في بيتنا الذي عارض بشكل صريح هذه الزيجة، و لكن لم يسمعني أحد، و كنت كمن يسكب الماء في الرمل. لا أحد سمع كلامي. و دارت الأيام. و نالت أحلام من القدر صفعة مدوية ارتج لها كيانها... اسمي أحلام... لكن، أين أنا من الحلم ؟ إن الحياة مع "السيد" جحيم أبدي و مرارة لا تنتهي. لا أمل في الأفق و القلب مستودع للحزن و الألم. - اسمعي يا أحلام. لا أقبل أن تعملي و تخالطي الرجال. صحيح أنك حاملة لشهادة جامعية، لكن بيتك أولى بالرعاية و الاهتمام... - لم يكن هذا وعدك لي في البداية... - عن أي وعد تتحدثين ؟ لقد تغيرت الأمور... - تغيرت الأمور؟ لقد خدعتني و تريد أن تدمرني... - أنت التي تريدين أن تدمري حياتنا بخروجك للعمل. اصمتي... لا أريد نقاشا في هذا الموضوع... - لن أصمت. سوف... و كانت هذه المرة صفعة إدريس أقسى من القدر... و كان ثمة صمت و حزن يعتصر الفؤاد و ظلم ينسف القلب. و كان الملاذ الباقي أن أكتب. و هل نجحت الكتابة يوما في شفاء أسقام الروح ؟ بلى أختاه ! إني أحمل على عاتقي أن أكتب قصتك و أنقل معاناتك إلى العالم : "كان يا ما كان...إني أمقت هذه العبارة ، لكن دعونا نبدأ بها قصتنا التي لا علاقة لها بالعوالم الفردوسية... كانت هناك فتاة في مستهل العشرين تدعى أحلام، و كانت لا تحمل من اسمها إلا الحلم بالحب الملتهب، الحب نفسه الذي تشاهده في مسلسلات الأتراك، و قبل و دموع و عناق و تضحيات و أشواق يستعر لها الكون. و كانت أحلام بطلة قصتنا بسيطة للغاية : أن تحيا مع من تحب، أن يقضم العاشقان تفاحة ناضجة تلتقي من أجلها الشفتان، أن ينظرا معا في نفس الاتجاه و تلتقي عيناهما فتبرق منهما بسمة ليس لها سبب، لكنها فوق كل الأسباب، أن يعود العاشقان من العمل و يتحادثان عن أعباء يوم كامل تحت مظلة المحبة و التعاطف و التضامن، أن يسافرا معا إلى عوالم مجهولة بقلب واحد يخفق أملا و حلما بحياة أفضل، أن يكون النظر في وجهه غاية الغايات و منتهى السعادة و مصدرا للطاقة لا ينضب... تلكم كانت أحلاما، و لست تحملين من زيجتك، و أنا بصدد الاستماع إليك إلا أسوأ الأحاسيس و الانطباعات: قبلة أولى بلا طعم، فراش بارد، الرائحة الكريهة للسيد ذي الأوامر، و الاغتصاب الغاشم، و عض الأنامل من الحسرة و الندم، و البكاء الصامت في دياجير اليأس و الليل، و الحمل المفاجئ، و عناد الأبوين. ليس لك من رجل سواه. تريدين الطلاق؟ اسكتي أيتها المجنونة و صوني بيتك..." كان يا ما كان... أحلام... الأمس ولى، و صور مشرقة من البراءة و اللهفة و الخيال الجامح و أوهام الحب الخالد اختفت في غياهب النسيان. أحلام... أين أنت من الحلم ؟ الليل نهار، و النهار ليل، و الضياء ظلام... أحلام ! أين أنت من الحلم ؟ أين أنت من الحياة ؟