من المؤشرات الدالة على تأخر قاطرة حرية الرأي والتعبير مصادرة صوت داعية مشهور يشهد له الجميع بالفضل والخير والدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن . فالذين لا يعرفون الداعية الكبير السيد عبد الله النهاري عن قرب لا يرون فيه سوى مجرد خطيب يلوح بعصا المنبر ويضربها بعنف ، ويرفع عقيرته ، ويثير حماس جمهوره الذي قد لا يتمالك نفسه فيضحك أو يصرخ أو يكبر ويهلل . والذين يقفون عند هذا الحد لا يعرفون الرجل حق المعرفة ، فهو غير ذلك في باطنه ، وهو من الذين قد يخدع الجاهلين ظاهره. فالرجل على تربية دينية عالية ، وصاحب ورع وتقوى ، وصاحب علم ودراية ، وانكباب على العلم ، وتواضع منقطع النظير ، وهو لا يغيب عن حلقات العلم والدروس ، يشاهد في حلقة علم أسبوعية للعلامة الدكتور مصطفى بن حمزة ينهل من علمه بكل تواضع وبكل صدق في التواضع خلاف كثير من المتفيهقين الذين بلغ الغرور بأحدهم يوما أن دعوته لحضور درس من دروس العلامة فقال لي هازئا : " أنا أتعلم من ابن حمزة ؟ " والمغرور مجرد معلم ركب الامتحانات كمترشح حر في غفلة من الزمان فصار دكتورا لما ساد البوار سوق الدكتوراه في المغرب ، ورحل إلى الخارج لممارسة الكدية باسم الدين وعليه يصدق المثل العامي : " الدجاجة غسلت رجلها ونسيت ما فات عليها " والداعية النهاري لم أر رجلا متواضعا كتواضعه ، ومؤخرا قرأت له ردا في موقع هسبريس على من اتهمه بقلة العلم ، عدم أخذ العلم عن الشيوخ فأجابه: أنا لم أزعم يوما أنني عالم أو درست على شيوخ علماء، وإنما حالي في الدعوة كحال مار بشاطىء بحر هائج يغرق فيه شاب ، وأنا لا أجيد السباحة وكل ما أجيده هو الصراخ من أجل لفت أنظار أهل السباحة لإنقاذ الشاب الغريق . وكان جوابه حكيما ومتواضعا. فالرجل لا يهذي كما يردد بعض السفهاء ، ولا كلامه بالهذر، ولا هو مهرج كما يزعم بعض الجهال جهلا مكعبا ، وإنما هو رجل تنال منه الحرقة على الدين فينفعل بسبب ذلك ، وهو انفعال مبرر شرعا وعقلا وعرفا إذ يجوز في الخطابة رفع العقيرة وقد كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم إذا خطب كمنذر بحرب ، وكانت عيناه تحمر، فأين عقيرة الداعية عبد الله النهاري من عقيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وما أظن من ينتقده في طريقته وأسلوبه وعقيرته من بعض المحسوبين على الخطابة يا حسرتاه والمغتابين له في كل مناسبة وفي كل فرصة تعن لهم حتى أخذ عنهم الرعاع اغتيابهم له إلا حسادا لنعمة أنعم بها الله عليه، وقد حضرت بعض خطب هؤلاء المغتابين من أهل النميمة الذميمة ، فرأيت أن المزمار والطبل وهما من أصول منابتهم أولى بهم من المنابر ، وتكاد أصوات بعضهم لا تميز من أصوات الغواني ومع ذلك ينصبون أنفسهم حكاما لتقويم خطب الداعية عبد الله النهاري بلا خجل لأن وجههم تحاكي وجوه قردة خاسئة لا ماء فيها . ولقد حضرت مرارا دروس هذا الداعية فلم أر فيها ما يراه المنشغلون بعصاه وصوته وحركاته ، إنه يصيب الحقيقة في العمق والكبد والمحز، وينطق بالحكمة ، ولا يخشى في الله لومة لائم ولا لؤم لئيم . ولقد ظل لسنوات يدعو إلى الله عز وجل على بصيرة في حي شعبي يستنكف الدعوة فيها المغتابون ، وكان شبابه عبارة عن قطعان يسوقها الشيطان إلى أوكار الفساد والخمر والمخدرات فصاروا بفضل من الله تعالى ومجهودات هذا الداعية الفذ أهل صلاح وخير كثير ، وتحول الحي الشعبي إلى حي خير كثير. إن الذين أوقفوا هذا الداعية بخسوه حقه ، ولم ينظروا إلى صالح أعماله ، وشق عليهم نقده لبعض منتقدي الدين من خلفيات إيديولوجية متهافتة بغير علم ، وبعضهم لا يميز كوعا من بوع كما دل على ذلك ما نشروه في الصحف سابقا تطاولا على أمور الدين التي ليست من اختصاصهم ، وقد سبق للعلامة الدكتور مصطفى بن حمزة أن أجلس بعضهم حيث يجب بردود مفحمة على تفاهاتهم ، ولم يجرؤ أحد من بعد على الرد عليها. وتوقيف الداعية النهاري كان بدافع حقد إيديولوجي مكشوف لفئة تعتقد أن المغرب ضيعتها ومن فيه مجرد بهائم وقطعان تسوق فيهم الإيديولوجيات الدخيلة واللقيطة على وطن له هويته الدينية وله ثوابته. ولقد دافع الداعية عبد الله النهاري عن ثوابت الأمة واستمات من أجل ذلك ، حتى اتهم بسبب ذلك عند أصحاب ملل التعصب الأعمى ومن التكفيريين ، ولكن الذين أوقفوه لم يرعوا له قدرا ولم ينظروا إلى دفاعه عن الثوابت ، ولا إلى طريقته المسالمة في الدعوة ، وهو الذي إذا خطب في الناس في الشوارع بالمناسبات الوطنية والقومية والإسلامية أمرهم بالانصراف بطمأنينة وسلام وأمن بعد الدعاء لأمير المؤمنين ، وكذا الدعاء حتى لقوات الأمن الواقفة بهراوتها مستعدة للبطش بالناس. إن توقيف عبد الله النهاري ظلم صارخ في حقه وفي حق بيت الله عز وجل وفي حق الدعوة إلى الله تعالى ، وفي حق ساكنة الجهة الشرقية ، وفي الشعب المغربي قاطبة . ولا بد من اعتذار أصحاب هذا القرار للداعية ولساكنة المدينة والتوبة إلى الله عز وجل ، ولا بد من رد الاعتبار للسيد عبد الله النهاري فورا. أما الذين لا يريدون سماع وعظه فلا أحد يلزمهم بذلك ، وقد قلت يوما لأحدهم حين عاب عليه تعريضه بإشهار فوطة الحيض ، وربطها بالتفوق الدراسي ، وكان المنتقد جالسا بجانب ابنه فأحرج كلام الداعية الابن فانصرف ، وغضب الأب من انصرافه على الداعية الذي لم يراع المقام ، وأسف في الكلام على حد تعبير هذا المنتقد فقلت له يومها عجبا لك ترى إشهار فوطة الحيض يوميا على الشاشة الأولى والثانية ولا ينصرف ابنك وأنتما على مائدة الطعام ، في حين يغضبك نقد الداعية للمشهد الإشهاري المقزز للنفوس ، والواصف للنجاسة ، والرابط لها بالعلم الذي يشترط الطهارة . أجل لقد ظلم السفه والجهل المركب الداعية عبد الله النهاري وأنا فداء له بالنفس ، وأحتسب الأجر عند الله عز وجل ، وأسأله أن ينتصر لعبده الداعية المظلوم . وأهيب بكل مؤمن مخلص أن يشجب ظلم هذا الداعية ولو بأضعف إيمان .