بنوع من الرقص على حبال متعددة ومتعارضة في تركيا تحت ضغط فرضه التجاذب السياسي بأسسه الاقتصادية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الصغرى، انخرطت تركيا في معركة قوية وصعبة لاحتلال موقع قوي اقليميا في ظل تجاذبات خطيرة تنفيذا لنظرية الفوضى الخلاقة الامريكية وما جرته من حروب وخراب وتخريب لحدود ولانظمة تنفيذا لاعادة تقطيع المنطقة واسواقها السياسية والاقتصادية والثقافية بعد نضج العولمة والتدجين المحلي للقوى الذاتية المقاومة لتطبيق مخطط استراتيجي بعيد المدى. يجري، ابتداء من هذا المساء. فصل جديد وخطير في نظرية "الفوضى الخلاقة" وإعادة تقطيع خريطة مركز العالم من أجل إنعاش قوي ولعقد إضافية للنظام الرأسمالي العالمي المعولم: ما الأسئلة الأهم إذن في فجر التحرك الإنقلابي العسكري على الشرعية في أنقرة؟ بين علمانية تتقلص مساحات جذبها بالحريات والرخاء للناس، علمانية تعد بالعصرنة على أساس الانفصال الصعب عن رحم الامبراطورية العثمانية وما خلفته من تكلس في تركيا، كما في العالم العربي، لأنها لم تقترح رغم قوتها وانتشارها بين آسيا وأوروبا وإفريقيا قطيعة حقيقية مع سياسات وعقليات وأنماط تدبير القرون الوسطى في تركيا وفي العالم العربي، وحركة إسلامية سياسية تحاول القيام "بتحديث" متميز وبدمقرطة إسلامية لماضي هذه الأمبراطورية، وذلك على قاعدة تقويضٍ وقضمٍ مُمنهج، لرقعة الديموقراطية العلمانية، ولهوامش حريتها سواء على مستوى سلطات الرئيس، أو على مستوى مساحات الحريات الإعلامية والقضائية والفردية حسب تطور التدبير السياسي والاقتصادي لتركيا منذ صعود العدالة والتنمية على رئاسة الدولة. صراع خفيٌّ كان طبيعيا أن يخرج إلى العلن مع السياسة المُجازفة والحسّاسة التي اتبعها الحزب الحاكم أخيرا، حيث يعلن ببراغماتية صعبة الهضم عن: دعم فلسطين والتشبث بالتعاون الاستراتيجي مع اسرائيل، وفتح الحدود لانتعاش داعش والاستفادة من ذلك والتحالف دوليا لاسقاطها، والتحالف مع السعودية من جهة والتنسيق في العراق مع إيران ..... اعتماد الانتخابات وتقوية سلطات الرئيس والحكومة ضدا على مكتسبات ديموقراطية غدت مألوفة ..... إن الرقص على أكثر من حبل بين الاقتصاد والمخابرات والسياسة رأسماليا وشيوعيا حتى (الصين) وسنيا وشيعيا هي ما قد يكون وراء انفجار الصراع الخفي الذي نشهد بعض فصوله اليوم بانقره: كيف ستتطور الأحداث ولمن ستكون الغلبة؟ لا أحد سيجنب تركيا تراجعا وضعفا لا شك فيه سياسي واقتصادي، مهما كان المنتصر امام هذه المحاولة الإنقلابية على الشرعية غير الشعب التركي إن لم يذهب به الانقسام هو ذاته؟