إثر الضجة الكبيرة التي أحدثها ما بات يُعرف ب"نفايات إيطاليا"، التي استوردت معامل الإسمنت ضمنها شحنات من العجلات المطاطية، التي تعتمدها في طهي المواد الأساسية في صنع مادة الإسمنت، بمختلف الوحدات الإنتاجية في المغرب، اتصلت هسبريس بالمسؤول عن البيئة بمصنع للإسمنت باشتوكة آيت باها "وحدة آيت باها"، بالجماعة الترابية "إمي امقورن"، بالإضافة إلى جمعية "بييزاج" بأكادير الكبير، لاستقصاء مدى التأثير على البيئة عند حرق هذه الإطارات بأفران الطهي لهذه المصانع. أضرار خطيرة رشيد فاسح، رئيس جمعية "PAYSAGE" للبيئة والثقافة، أورد في تصريح لهسبريس أن أعمال حرق المواد المطاطية لها أضرار كبيرة على صحة المواطنين والسكان، وأن "انبعاث الأدخنة الناتجة عن الحرق تحتوي على العديد من الغازات السامة، ضمنها أول أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين والكبريت، كما تحتوي على جسيمات هيدروكربونية متناهية الصغر، تؤدي إلى أمراض الربو والالتهابات الرئوية، بالإضافة إلى غازات الديوكسين والفيرون، التي تنبعث عند احتراق المطاط وباقي المواد البلاستيكية في العراء، أو عند انبعاثها من الأنابيب إلى الجو مباشرة دون استعمال مصفاة، وتؤدي إلى أمراض القلب وزيادة في معدلات السرطان"، على حد قوله. المتحدث ذاته كشف أن "حرق إطار واحد تنتج عنه ملوثات تعادل أضعاف ما ينفث من مداخن المصانع، ويتعدى المقاييس والمعايير الدولية والمحلية لجودة الهواء"، مضيفا: "وبالطبع سيتأثر به المواطنون والمقيمون في موقع هذه الحرائق أو المواقع المجاورة.. والجمعية تعتبر الظاهرة مخالفة لأبسط المبادئ والأعراف والقيم البيئية الدولية عند الحرق المباشر". واعتبر فاسح أن تخوفات جمعيته من عمليات الحرق سابقا كانت لها مبررات ودوافع، "نظرا للتجارب السوداء في الذاكرة المحلية بمنطقة "أنزا" بأكادير سابقا، ولعدم اطلاع الجمعية، كما باقي المواطنين اليوم، على مستجدات التقنيات والعلمية المستعملة في وحدات صناعية لإنتاج الإسمنت المعمول بها دوليا وليس وطنيا فقط"، حسب تعبيره. وأورد المتحدث أن "بييزاج" استشارت خبراء أكدوا لها تواجد وحدات صناعية بأوربا، وفرنسا، وألمانيا وإسبانيا وأمريكا، ودول غربية كثيرة، تعكف منذ أزيد من عشرين سنة على استعمال المخلفات المطاطية للتخلص منها، ومن ضمنها العجلات المطاطية بمختلف أنواعها، بالعديد من الوحدات الصناعية الكبرى في إنتاج الكهرباء وصناعة الإسمنت، حفاظا على البيئة من تراكم النفايات القوية من أصول بترولية كالمطاط والبلاستيك وغيره، وإعادة تدويره لاستعماله في البناء أو حرقه في الوحدات الصناعية. استيراد نفايات المطاط وقال تقرير للجمعية المذكورة، صدر بداية يوليوز الجاري، وتتوفر عليه هسبريس، إنه منذ حوالي أربع سنوات خلت أثارت "بييزاج" موضوع استيراد نفايات المطاط بميناء أكادير التجاري، "ولم يعره أحد أي اهتمام سابقا"؛ وذلك عبر تقرير أخضر صدر بتاريخ 24 دجنبر 2012، إثر وصول شحنة نفايات أجنبية ضخمة، عبارة عن أجزاء ومخلفات الإطارات المطاطية للسيارات، وشحنها إلى إقليم اشتوكة آيت بها. واضاف فاسح أن الجمعية تساءلت حينها عن مصير ووجهة هذه "الخردة" المضرة بالبيئة، وما يصاحبها من تلويث للجو، إن جرى استعمالها في عمليات الحرق المباشر في الهواء الطلق دون حماية تذكر، مضيفا: "كرست جهة سوس ماسة والمغرب كمزبلة للنفايات الأجنبية، وهو ما رفضته جمعية "بييزاج" للبيئة جملة وتفصيلا، واعتبرته خرقا للقوانين والأنظمة الوطنية وللمواثيق الدولية التي وقع عليها المغرب". "مراسلة استعجالية بتاريخ 24 دجنبر 2012، وجهتها الهيئة البيئية ذاتها إلى السلطات الولائية بأكادير، بعدما كنّا نجهل مصير هذه النفايات ووجهتها في البداية، على اعتبار كونها تُستعمل لحماية الضيعات والمحاصيل الفلاحية من الجراد في تسعينيات القرن الماضي..كما أن تخوفنا كان مرده كذلك إلى احتمال أن تكون هذه النفايات تحتوي على خطورة ما، أو تكون محملة بإشعاعات أو ما شابه" يقول المتحدث. وزاد المسؤول الجمعوي ذاته: "تمّ حينها تنبيه باقي المؤسسات وإدارة الجمارك المحلية، والمديرية الجهوية للتجارة والصناعة، إلى عدم التأشير على دخول هذه النفايات.. كما طالبنا المرصد الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة، وقسم البيئة بولاية أكادير، لتحمل المسؤولية أمام عواقب هذه الظاهرة البيئية الجديدة بالنسبة إلينا كمجتمع مدني، تفعيلا للأدوار المجتمعية في التوعية والتحسيس والرصد والتتبع، لحماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة، وتكريس حقوق المواطن للعيش في بيئة نظيفة وسليمة واستنشاق هواء سليم". المعامل واستعمال الإطارات ونفى مسؤول البيئة بوحدة إسمنت المغرب، جماعة إيمي امقورن، ابراهيم أبناي، أن تكون لحرق الأجزاء المطاطية أي تأثيرات بيئية أو صحية، بالنظر إلى طريقة حرقها وسط أفران الطهي، "التي تُساهم في تخفيض التكلفة الطاقية الوطنية، ونسب ومعدّلات الانبعاثات الغازية؛ بالإضافة إلى المساهمة في التخلص النهائي من الإطارات المطاطية المستعملة ومكوناتها"، حسب تعبيره، مضيفا أن "عملية الحرق في درجة حرارة عالية تؤدي إلى عدم ترك بقايا الرماد، إذ إن المواد المكونة للإطارات تندمج تلقائيا مع المواد الأولية خلال مرحلة الطهي، وتدخل في التفاعلات الكيميائية لإنتاج "الكلانكير""، على حد قوله. وزاد المتحدث ذاته، ضمن تصريح لهسبريس، في استعراضه مزايا العملية، أن "حرق الإطارات بمصانع إسمنت المغرب داخل برج التسخين، المُغلق كاملا، وفي درجات حرارة مرتفعة، يحول دون انبعاث الأدخنة"، مضيفا أن "ذلك له دور كبير في التخلص من الأضرار البيئية الناتجة عن تخزين الإطارات المطاطية أو حرقها بطرق تقليدية، مع المساهمة في القضاء على ظاهرة إعادة استعمال الإطارات والوقاية من حوداث السير الناتجة عن ذلك، دون إغفال مساهمتها في القضاء على استعمال الإطارات في صنع أدوات منزلية مضرة بالصحة"، حسب تعبيره. وعن كرونولوجيا استيراد الإطارات المطاطية، قال المصدر ذاته إن "اسمنت المغرب تستوردها من أجل استعمالها لطهي المواد الأولية داخل الفرن، على غرار ما تقوم الشركات الوطنية والأجنبية للرفع من المردودية الطاقية وتقليص الانبعاثات الغازية"، مضيفا أن "عملية الاستيراد تتم وفق الاتفاقية المبرمة سنة 1997 بين وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة والجمعية المهنية للإسمنت بالمغرب، والتي تم تحديثها سنة 2008، ثم سنة 2015، مع الحرص على مراقبة مستمرة لعدة معايير بيئية، وكذا مستويات الانبعاثات الغازية، التي حددت لها قيم قصوى يجب احترامها من أجل فعالية طاقية وبيئية جيدة"، على حد قوله. "استعمال الإطارات ليس حديث العهد في المغرب ولا على الصعيد العالمي"، يقول مسؤول البيئة ذاته؛ ذلك أن "نسبة استبدال مصادر الطاقة الأحفورية تصل إلى 6 في المائة على المستوى العالمي" (6 بالمائة بالمغرب، 19 بالمائة بفرنسا، 11 بالمائة بإيطاليا، 16 بالمائة بإسبانيا، 44 بالمائة بألمانيا، 10 بالمائة بأمريكا، حسب إحصائيات سنة 2013)، مُشيرا إلى أن المغرب يستغل التراجع الملموس الذي يشهده القطاع الصناعي بأوروبا، لاستيراد الإطارات، "نظرا لإغلاق عدد من المعامل أبوابها، ما يمكّن المغرب من خفض تكاليف الطاقة، واعتماد الرهانات الاقتصادية بأوروبا لصالحه"، حسب تعبيره. طريقة الحرق أما طريقة حرق هذه الإطارات، فأوضح المتحدث، أنه "نظرا لعدم توفر المغرب على منتج محلي للإطارات المجزأة وبكميات كافية، فإن معامل الإسمنت تعمل على استيرادها من الخارج بأثمان مناسبة، بعد تقطيعها إلى أجزاء مناسبة لمعدات الاستعمال، ويتم تفريغها بواسطة كُلاّب خاص فوق حزام ناقل، يقوم بإدخالها تدريجيا من أعلى الفرن، على مستوى برج التسخين، حسب الكمية المناسبة؛ لتتم بعد ذلك عملية الحرق داخليا في درجة حرارة بين 800 و850 درجة". وأضاف: "وعند عملية الاحتراق، تتداخل الغازات مع مكونات المواد الأولية والغازات الأخرى الناجمة عنها، لتكوين جزيئات جديدة، بعد إتلاف الروابط الأولية المكونة، وبذلك لا نرى ابنعاثات بالشكل الذي نتخيّله عند حرق المطاط في الهواء الطلق، باعتبار ذلك عملية كيميائية معقدة، تتم تحت درجة حرارة تصل إلى 1400 درجة، تصبح عندها كل المكونات على شكل خليط منصهر قبل تكون الكلانكير". "وزارة الطاقة والمعادن تلزم جميع المصانع باحترام الحد الأقصى لكل نوع من الغازات"، يقول ابراهيم أبناي، مضيفا: "معملنا مزود بمعدّات جد متطورة لتتبع وقياس معدلات الانبعاثات الغازية، وكذا تسجيل كل القيم على رأس كل نصف ساعة، بقاعدة بيانات مخصصة لهذا الغرض..ويقوم المعمل بصياغة تقارير يومية عن هذه الانبعاثات بشكل منتظم، يقوم بها المختبر الوطني للتجارب والدراسات، الذي تم تعيينه للمراقبة، إذ يدون كل القياسات في تقرير رسمي، يتم توجيهه إجباريا إلى الوزارة المعنية، رفقة جميع التقارير المتعلقة بالتتبع بواسطة أجهزة المعمل، وباستيراد واستعمال الإطارات".