الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    المنتقدون يؤكدون أن المدير الجهوي يساهم في اتساع دائرة الاحتقان .. ستّ نقابات تدعو لاعتصام بمقر المديرية الجهوية للصحة بجهة الدار البيضاء سطات    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    المصادقة على تعيينات جديدة في مناصب عليا    الحكومة تصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    البيت الأبيض يرفض قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت    تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية بداخل القاعدة الجوية ببنسليمان    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    دراسة تؤكد انقراض طائر الكروان رفيع المنقار، الذي تم رصده للمرة الأخيرة في المغرب    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص        ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النفايات الإيطالية..رؤية من زاوية أخرى
نشر في نون بريس يوم 14 - 07 - 2016


د عبد الحميد فاضيل
إن المتتبع لموضوع النفايات الإيطالية، حديث الساعة بالساحة الإعلامية بالمغرب، ليخرج باستنتاج أساسي وهو أن هناك حقائق هامة تحاول جاهدا الأطراف المتورطة في هذا الموضوع اخفاءها وذلك بشتى الطرق. لذلك اتسمت الخرجات الإعلامية للمسؤولين الحكوميين و المهنيين المعنيين بالارتجال والارتباك ما ادى الى بث الشك في نفوس المطمئنين اكثر من طمأنة المشككين. وبلغت ذروة هذا التخبط اللقاء الخاص الذي عرضته قناة ميدي1 تيفي حول الموضوع واستضافت له ثلاثة "خبراء" يمثلون كلهم بصورة مباشرة او غير مباشرة مهنيي الإسمنت وان قدمتهم بصفات اخرى. لقد كان سيناريو وإخراج هذا البرنامج ركيكا و رديئا لدرجة يستشف منه كل محلل مبتدئ ان هناك شيئا ما وراء الأكمة. فبالإضافة الى الارتباك الواضح للضيوف، حاول هؤلاء اخفاء مجموعة من الحقائق المرتبطة بالموضوع عن طريق التدليس تارة و الهروب من الأسئلة تارة اخرى.
هذا و امام غياب المعلومات والوثائق الرسمية و الدقيقة حول هذا الموضوع المتشعب، فان المتتبع لا يسعه سواء اللجوء الى وسائل التواصل الاجتماعي و المواقع الإعلامية قصد فهم ما يجري وان لم يقتصر هذا على الرأي العام بل تعداه الى بعض المسؤولين الحكوميين والحزبيين الذين امتلأ حائطهم الأزرق بأسئلة و تساؤلات تستجدي الفهم وتبغي التأويل.
من هنا كان لابد من تناول الموضوع من زاوية اخرى من خلال استعمال آليات البحث المنهجي و ادوات تحليل ومعالجة المعلومات التي تمكن من تشكيل السياق و تمحيص المفاهيم ثم تركيب الجزئيات قصد تكوين بنية الإشكالية. ففيما يخص السياق تجدر الإشارة الى النقط الآتية:
– ماهية شحنة النفايات موضوع الجدل: هل هذه الشحنة المكونة من 2500 طن شحنة تجريبية؟ ام الدفعة الأولى ضمن صفقة تضم ملايين الأطنان على مدى سنوات؟ الإجابة الشافية توجد فقط في مضامين الاتفاقية المبرمة بين الوزارة المكلفة بالبيئة و الجمعية المهنية لمصنعي الإسمنت ثم في العقد المبرم بين شركات الإسمنت الموردة لهذه النفايات و مصانع هذه الأخيرة بايطاليا.
– مصدر النفايات: ان تواجد المصنع المصدر لهذه الشحنة بمدينة بيسكارا التي تبعد شمالا عن نابولي بحوالي 250 كلم لا يجزم بأي حال ان مصدر هذه النفايات سليم (عاشت بيسكارا هي الأخرى من طمر غير قانوني للنفايات) و أن ما سيستقبل من النفايات لاحقا سيكون بعيدا كل البعد عن معالجة الماضي الأسود لتدبير النفايات بنابولي.
– استعمال النفايات من طرف مصانع الإسمنت: ان استعمال النفايات داخل افران معامل الإسمنت يعود الى عقود عديدة ويتم خصيصا لإنتاج الطاقة اللازمة لصنع الكلنكر الذي يعتبر العنصر الأساسي المكون للإسمنت والذي يحتاج لدرجة حرارة تفوق 1500 درجة. هكذا تعوض الطاقة الناتجة عن حرق النفايات جزئيا الطاقة الاحفورية التقليدية (الفحم، بترول،غاز…) وتختلف نسبة الاستبدال حسب البلدان و تتجاوز في بعضها %50 كألمانيا و سويسرا. بالرجوع الى مواقع الانترنيت لبعض مصانع الإسمنت بالمغرب يتبين ان هذه الأخيرة دأبت على حرق بعض النفايات ذات الطاقة الحرارية المرتفعة في افرانها منذ سنوات عديدة بما فيها بعض النفايات الخطيرة كالزيوت المحروقة، العجلات المطاطية المستعملة، النفايات الصيدلانية، المخلفات الصناعية، البلاستيك…حتى انها شرعت منذ حوالي عشر سنوات في استيراد بعض من هذه النفايات من اوروبا و خصوصا العجلات المطاطية المستعملة التي تؤكد الوثائق الأوروبية ان الكمية المصدرة الى المغرب تقدر بعشرات الآلاف من الأطنان سنويا.
اما فيما يخص تمحيص المفاهيم المشكلة للإشكالية فان تحديد طبيعة هذه النفايات يشكل المفتاح الرئيسي لفهم القضية. لذا تتعين الاجابة على الأسئلة المحورية التالية :
– ما هي طبيعة هذه النفايات ؟: تعرف بالنفايات الصلبة القابلة للحرق. بالفرنسية (Combustibles Solides de Récupération – CSR) وبالانجليزية (Refuse Derived Fuel – RDF). وهي النفايات التي لا تصلح للتدوير والتي خضعت لعملية الفرز ثم لمجموعة من العمليات الميكانيكية و البيولوجية داخل معامل معدة لهذا الغرض وخصوصا عمليات التنشيف والتعقيم و التقطيع. ويتجلى الهدف الأساسي لهذه العمليات في اعدادها للحرق سواء صاحب ذلك عملية تثمين طاقي او لا. ويتم توصيف هذا النوع من النفايات اعتمادا على ثلاثة خصائص رئيسية و هي الطاقة الحرارية الدنيا، معدل الكلور ثم معدل الزئبق. اما مصدرها فيتكون اساسا من النفايات المنزلية و النفايات الصناعية الغير الخطيرة و يضاف اليها احيانا اخرى مخلفات الخشب. وفي حالة تحضيرها حصريا انطلاقا من النفايات المنزلية فيطلق عليها اسم (fluff) وهو الجزء القابل للحرق للنفايات المنزلية.
– ما هي مكونات هذه النفايات ؟: بالرجوع للمعلومات المصرحة بها من طرف الوزارة المكلفة بالبيئة يتبين ان النفايات المستوردة هي من نوع (fluff) حيث لا تحتوي مثلا على المطاط وهذا النوع يتكون اساسا من الاجزاء العضوية للنفايات المنزلية (ورق، كرتون، نسيج، خشب…) اضافة الى البلاستيك.
– هل هي نفايات خطيرة؟ : انطلاقا مما سبق فاذا سلمنا بسلامة المصدر ومرورها عبر عمليات المعالجة الميكانيكية و البيولوجية فان هذه النفايات تبقى غير خطيرة قبل حرقها. لذا فان انتظار تحليلات المختبر الفرنسي بخصوص هذه النفايات ليس مهما لأنه سيؤكد غالبا انها غير خطيرة و هي كذلك بناءا على ما سبق و لأن عقدة المشكل لا تكمن في هذه النقطة و انما في امور اخرى نعرض لها لاحقا.
– هل هي نفايات ام وقود بديل؟: القوانين الأوروبية تصنفها كنفايات و تحمل الرمز 19.12.10 ضمن القانون الاوروبي للنفايات حيث لم يتم بعد نزع صفة النفايات عنها رغم مطالبات مهنيي تدوير النفايات بذلك وهذا راجع اساسا لوقوف المنظمات والهيئات البيئية ضد هذا الأمر. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة الى ان اللافتة المثبتة على هذه الشحنة لدى وصولها لميناء الجرف الأصفر تحمل عبارة نفايات "RIFIUTI ".
– لماذا يتم حرق النفايات ؟: تعتبر عملية الحرق احد الأساليب المتبعة لتدبير النفايات الصلبة الى جانب عملية الإيداع بالمطارح. تنص القوانين في بعض الدول الأوروبية على ضرورة حرق النفايات القابلة للحرق قبل تخزينها بالمطارح. تتم عملية الحرق على صعيد نوعين من المنشآت :
أ‌- معامل حرق النفايات (Usines d'Incinération) : حيث يتم حرق اساسا النفايات المنزلية و الصناعية الغير خطيرة في درجة حرارة تصل الى 700 او 900 درجة حيث تمكن هذه العملية من خفض وزن النفايات بأكثر من %70 و حجمها بأكثر من %90. ويصاحب غالبا هذا الاجراء تثمين الطاقة المنبعثة من الحرق وتحويلها لإنتاج الطاقة الكهربائية او طاقة تكييف الهواء او اشكال اخرى. إلا ان المشكل الأساسي الذي تخلفه هذه العملية تكمن في مخلفات الحرق (رماد و خبث المعادن – mâchefer) الذي يصعب تدويره إلا نادرا في أشغال الطرق وينتهي بها المطاف غالبا بالمطارح. وينتج عن هذا الإجراء تشكل بقايا ناجمة عن عملية تصفية دخان الحرق (REFIOM بالنسبة للنفايات المنزلية و REFID بالنسبة للنفايات الصناعية) وهي مخلفات خطيرة و سامة وغير قابلة للتدوير يتوجب طمرها بمطارح خاصة وفق معالجة دقيقة و باهظة.
هكذا فان حرق طن واحد من النفايات بهذه المصانع يخلف حوالي 300 كغ من خبث المعادن و ما بين 2 الى 5 كغ من البقايا السامة مما يطرح إشكالا حقيقيا لنموذج عمل هذا الحرق.
ب‌- معامل حرق النفايات مع مواد اخرى (Usines de Co-incinération): و يتكون هذا النوع من المنشآت أساسا من مصانع الإسمنت التي تقوم بحرق النفايات في افرانها بجانب المواد الأولية لإنتاج الكلنكر في درجة حرارة تفوق 1500 درجة. وتتجلى اهمية هذا الإجراء مقارنة بالأول بكونه لا يولد مخلفات حيث ان درجة الحرارة المرتفعة تقوم بتذويب كل جزيئات النفايات التي تمتزج مع باقي المواد الأولية المستعملة لإنتاج الكلنكر. وبالتالي فإن هذه الطريقة تمكن ليس فقط من اقتصاد الطاقة الاحفورية المستعملة لإنتاج الاسمنت عبر تثمين النفايات بل التخلص من هذه الأخيرة وإعدامها.
– لماذا لا يتم اذن حرق كل النفايات بمصانع الإسمنت والتخلص منها كليا ؟: ان النفايات التي يتم حرقها غالبا بمصانع الإسمنت لتوليد الطاقة يجب ان تتوفر فيها مجموعة من المميزات و خصوصا الطاقة الحرارية الدنيا المرتفعة وخلوها من مادة الكلور. ما يفسر لجوءها الى صنف معين من النفايات التي تتميز بهذه الخاصية كالزيوت المحروقة و العجلات المطاطية المستعملة و البلاستيك . اما استعمال النفايات ذات الأصل المنزلي (fluff) فيبقى محدودا او لنقل انها ليست المشروب المفضل لأفران مصانع الإسمنت نظرا لكونها تتميز بطاقة حرارية معتدلة الى ضعيفة وهو ما يؤثر سلبا على المردود الطاقي الاجمالي للمصنع عند استعمالها وما قد يضر كذلك بجودة منتوج الإسمنت المصنع.
لنحاول الآن جمع الجزئيات لتركيب المشهد وكشف بعض الجوانب المغيبة في معالجة مشكل النفايات الإيطالية المستوردة ولنقم بذلك بطرح تساؤلات منطقية و منهجية.
– ما الذي يفسر كل هذا الإرتباك الذي وقع فيه اصحاب مصانع الإسمنت بالمغرب؟: وما الذي دفعهم لانجاز برنامج على المقاس مدته ساعة على قناة ميدي1 تيفي لم يحضر فيه إلا ممثلي مصانع الإسمنت؟ وما الذي منع السيد محمد الشعيبي من الإفصاح عن صفته كرئيس الجمعية المهنية لمصنعي الإسمنت الممثلة الرسمية لمصانع الإسمنت بالمغرب و المسؤول الأول عن المهنة و هو الذي وقع مؤخرا اتفاقية تثمين النفايات داخل مصانع الإسمنت مع الوزارة المكلفة بالبيئة في ابريل 2015؟
ابحث وراء المال تجد الجواب عن نصف اسئلتك كما يقول احد اصدقائي. فما الذي يدفع اصحاب مصانع الإسمنت عالميا من تخليص الأرض من نفاياته وخاصة الخطيرة منها مع ما يتبع ذلك من تكاليف الاستثمار في مجال ادخال هذه النفايات الى عقر دارهم و معالجتها وحرقها ثم متابعة وصيانة انبعاثاتها مع ما قد ينتج عن ذلك من اضرار لجودة الإسمنت؟ أهو فقط حفاظا على البيئة و تخفيضا لكلفة الطاقة؟
ان مراجعة الوثائق المتوفرة على شبكة العنكبوت تخبرنا انه اضافة لما سبق ذكره من المزايا التي تجنيه مصانع الإسمنت من حرق بعض النفايات داخل افرانها يبقى الدافع المالي اهم محرك لها في هذا الجانب فهي تتقاضى في اوربا في المتوسط 30 اورو عن كل طن من النفايات التي تعدمها وهو مع ذلك يبقى ثمنا معقولا اذا علمنا ان ايداع هذه النفايات داخل المطارح يكلف اضعاف هذا الثمن.
وبالرجوع الى برنامج ميدي1 تيفي فقد كان مربط فرس القضية السؤال الذي وجهه الصحفي الى رئيس الجمعية المهنية لمصنعي الإسمنت بالمغرب متسائلا : من يدفع لمن؟ إلا ان السيد الرئيس لم يجيب وتهرب من السؤال ثم عاد بعض لحظات ارتباك الى القول بأن مصانع الإسمنت هي من يشتري هذه النفايات عفوا "الوقود البديل".
– لكن لماذا تصدر لنا اوربا هذه النفايات وهي "وقود بديل" ذو منافع جمة؟: هنا تجدر الإشارة كما سبق الذكر ان هذا النوع من النفايات لا تحرق عادة في اوربا داخل مصانع الإسمنت لجودتها الحرارية المنخفضة وإنما داخل معامل الحرق وهو ما ينتج عنه تشكل النفايات المشار اليها اعلاه وهي اكثر سموما و خطورة من النفايات المحروقة. و بطبيعة الحال فإن اوربا تبحث على من يخلصها من هذا النوع من النفايات المسوق على انه وقود حراري ولن تتوانى عن الدفع لمن يخلصها منها لأنه بكل بساطة سيكلفها ابقاء هذه النفايات على اراضيها اضعاف ما ستدفعه للمستورد. اذا أخذنا هنا بعين الاعتبار فرضية ان تكون هذه الشحنة مقدمة لصفقة استيراد لملايين الأطنان من النفايات على مدى سنوات فإن الحديث يجري بالتالي عن صفقة بمئات الملايين من الأورو.
– كيف ستستعمل اذن مصانع الإسمنت المغربية هذه النفايات؟: ان حرق هذا النوع من النفايات داخل افران مصانع الإسمنت يتطلب اعدادا دقيقا لها من حيث تفتتيها ومعالجتها و مراقبة خاصياتها (سمك، حمولة الكلور…). وهذا في حد ذاته تخصص تقوم به بعض الشركات المختصة بأوربا التي تتكلف بإعداد هذا النوع من النفايات لحرقه داخل افران مصانع الإسمنت وهو ما لا يتوفر بالتأكيد داخل المغرب. كما ان ادخال هذا النوع من النفايات للأفران وحرقه داخل سلسلة انتاج الإسمنت يتطلب خبرة و متابعة دقيقة حتى لا تتأثر جودة الكلنكر ثم حتى يتسنى التأكد من الحرق الكامل لبعض مكوناتها المضرة بالبيئة و التي يتطلب اعدامها ان تبقى مدة معينة داخل الفرن و تحت درجة حرارة معينة.
من هذا يمكن استنتاج ان تجربة حرق وإعدام هذا النوع من النفايات داخل افران الإسمنت ليس بالأمر السهل خصوصا فيما يخص اعدادها او مراقبة مستوى انبعاث الغازات الناتجة عن الحرق التي قد تأخذ طابعا ساما.
– ما محل الوزارة المكلفة بالبيئة في الموضوع ؟: في خضم كل هذا وجدت الوزارة المكلفة بالبيئة نفسها بين مطرقة مهنيي الإسمنت الذين ابرموا صفقة جلب نفايات ايطاليا وباشروا الاستيراد وسندان الرأي العام الذي اطلق العنان لمحركات البحث والتدوين في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي. واكتشفت أن كليهما قد أعد السيناريو الخاص به لفيلم "نفايات ايطاليا" ولم يروق لها الدور الذي خصص لها في كلا السيناريوهين. فما كان منها إلا حاولت فرض نفسها في الفيلم معتمدة على قدرات ارتجال ممثليها فضاعت بين احداث الفيلم فلاهي ارضت هيئة الإنتاج فتنعم ولاهي اقنعت الجمهور فتشكر.
وفي الختام فإن المنهجية المتبعة لتحليل هذا الموضوع تمكننا من استنباط العبر و الخلاصات التالية:
أ‌- إن طريقة معالجة مشكلة هذه النفايات وما صاحبه من ضجة سواء على الصعيد الإعلامي او الشعبي راجع اساسا الى غياب الشفافية و النزاهة لدى الأطراف المتورطة في هذه القضية و الذين سعوا جاهدين لإخفاء المعلومة و طمسها عوض تقديمها للرأي العام مرفوقة بالوثائق والحجج الإثباتية. فما الذي يمنع من تقديم ونشر هذه الوثائق والاتفاقيات مادامت كل الأطراف تصر على قانونية مساطرها وإجراءاتها ومواقفها.
ب‌- ان استيراد النفايات من الخارج وان تلون وسوق تحت مسميات اخرى لا يجب ان يتم إلا لضرورة ملحة و بإشهار كل الوثائق المتعلقة بهذه العملية. فالمغرب ليس فعلا مزبلة لأوربا. فكما لم نعد نناقش امكانية طمر نفايات الغير في ارضنا باعتبارها من المسلمات البديهية، يجب كذلك رفض حرق و اعدام كل ما من شأنه ان يلوث جوه او يضر بصحة مواطنيه.
ت‌- ضرورة تطوير البحث العلمي في مجال معالجة وتثمين النفايات بالمغرب وحث وسائل الإعلام على اعداد برامج ولقاءات علمية لمناقشة مثل هذه الإشكاليات بحضور أساتذة و باحثين مشهود لهم بالكفاءة و النزاهة و الحياد عوض اتباع سياسة التطبيل و عرض لقاءات خاصة تحت الطلب.
اخيرا وجب القول بأن قضية هذه النفايات وطريقة تناولها من طرف مختلف مكونات المجتمع المغربي شكلت نموذجا فريدا لطرح ومناقشة قضايا المجتمع و ان اختلفت الآراء و تباينت التحليلات ففي الأخير سيساهم الكل في استجلاء الوقائع وكشف الحقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.