في السنوات الأخيرة حاول المغرب التصدي للنفايات، خاصة الصناعية منها، عبر سن قوانين و إصدار مراسيم، غير أنه يتجلى أن المغرب ما زال لا يتحكم في مسار تلك النفايات التي تهدد صحة الإنسان والبيئة، وفي هذا الحوار مع الخبير المغربي، المهدي الداودي، نحاول الوقوف على الوضعية الحالية في المغرب وطرق معالجة المشاكل التي تطرحها النفايات، خاصة الخطيرة منها. عمدت السلطات العمومية إلى سن قوانين من أجل الإحاطة بعملية تدبير النفايات في المغرب، لكن قبل الخوض في شروط تفعيل تلك القوانين في المغرب، نود أن نتعرف على الوضعية على مستوى إنتاج النفايات الصناعية، خاصة الخطيرة منها. تشير التقديرات إلى أن الإنتاج من النفايات الصناعية قد يصل إلى ما بين مليون ونصف ومليوني طن، و في النفايات الصناعية يجب أن نميز بين تلك القابلة للتدوير مثل البلاستيك والكارتون و الحديد، وتلك التي تعتبر خطيرة، التي نعني بها النفايات التي يمكن تلحق ضررا بصحة الإنسان و تمس بالبيئة، أي الفرشة المائية و التربة.. سواء عبر الاتصال المباشر مع هاته النفايات أو حرقها أو تحويلها. غير أنه حاليا، للأسف، لا يوجد في المغرب مراقبة و تتبع للنفايات الصناعية من أجل تحديدها بما يتيح التأكد من أن هاته النفايات الخطيرة تتم معالجتها طبقا للقوانين الجاري بها العمل والممارسات الواجبة من أجل تقليص تأثيرها على البيئة. ومنذ خمس سنوات قام المغرب بمجهود كبير على مستوى إصدار القوانين والمراسيم من أجل تقنين التعاطي مع النفايات الخطيرة من مرحلة تولدها إلى مرحلة القضاء عليها. - ما الجديد في تلك القوانين؟ ما يجب لفت الانتباه إليه هو أن القانون موجود اليوم، وهو يفرض على منتج النفايات الصناعية، وخاصة الخطيرة منها، أن يتأكد أن تلك النفايات يتم نقلها ومعالجتها والقضاء عليها ضمن الشروط التي يفرضها القانون. بمعنى أن مسؤولية الصناعي لا تقتصر على تسليم النفايات إلى شخص آخر، بل يتحتم عليه من موقع معرفته بخطورة تلك النفايات أن يتأكد بأن الشخص الذي سلمت إليها له ترخيص كي يقوم بنقلها ومعالجتها، وأن يسلمه الوثائق التي تثبت أن تلك العملية تمت طبقا للقوانين الجاري بها العمل. مما يعني أن الصناعي يجب أن يكون على علم بمسار معالجة النفايات إلى حين الحصول على شهادة القضاء عليها. لكن للأسف الأمر لا يتم بهاته الطريقة.
- كيف ذلك؟ إذا استندنا على العمل الذي قمنا به حول الزيوت المستعملة في محطات الوقود، التي تعتبر نفايات خطيرة، نعلم أننا ننتج حوالي 100 ألف طن من الزيوت المستعملة، لكن عندما نسعى إلى تتبع المسار الذي تأخذه تلك الزيوت التي تعتبر خطيرة، سوف نحيط فقط ب 10 في المائة منها، أي أننا سوف نتعرف على الطريقة التي تنقل بها و التي تعالج بها و طريقة القضاء عليها. بمعنى أن 90 في المائة من تلك الزيوت يلقى بها في الطبيعة، أي ترمى في قنوات الصرف الصحي أو على الأرض أو في مطارح الأزبال العمومية، غير أن الأخطر أنها قد تحرق في الأفرنة أو الحمامات العمومية، و هذه الزيوت خطيرة على مستويين، فعندما لا تحرق ضمن الشروط العادية تخلف أدخنة و غازات سامة وعندما تلقى على الأرض فإنها تلوث التربة، ومعروف الآن أن لترا واحدا من تلك الزيوت يلوث مليون لتر من المياه. ما يجب أن نشدد عليه هو أن القوانين موجودة، لكن المشكل الكبير يتمثل في تطبيقها على أرض الواقع، علما أنه تم جرد النفايات الموصوفة بالخطيرة و تم تحديد طريقة معالجتها. - ما هي الشروط التي يفترضها القانون في الشخص الذي يتولى مهمة نقل و معالجة النفايات الخطيرة؟ يجب على كل شخص يتولى نقل ومعالجة والقضاء على النفايات أن يتوفر على ترخيص من السلطات المخولة، وعندما نتحدث عن ترخيص، فهذا يعني أنه يفترض في ذلك الشخص أن يكون متوفرا على الكفاءات التقنية، و أن تكون الوحدة التي يستعملها مستجيبة للمعايير المتعارف عليها.. لكن للأسف الأمور لا تتم على هذا النحو، لنأخذ مثال الزيوت في محطات الوقود، حيث يتم في بعض الأحيان جمع تلك الزيوت و إعادة بيعها بعد عمليات التفريغVidange، أو تذهب إلى وحدات لإعادة التدوير، وهي وحدات لا تستجيب في غالب الأحيان للمعايير، لكن الأدهى أنه توجد بعض الوحدات غير المرخص لها من قبل الوزارة الوصية. وإذا لم تذهب تلك الزيوت إلى تلك الوحدات، فإنه يرمى بها في الأرض أو قنوات الصرف الصحي. ولكم أن تتصوروا حجم الكارثة التي تلحق بالبيئة جراء ذلك.
- يبدو أن معالجة تلك النفايات مكلف بالنسبة لبعض الوحدات التي تنتجها؟ ما نطلبه هو أن يعي الصناعي خطورة تلك النفايات وأن يحترم القوانين الجاري بها العمل، فكما أوضحت قامت السلطات العمومية بمجهود كبير على مستوى التشريعات الخاصة بهذا المجال. لنأخذ مثال الزيوت، فالناس يجنون من ورائها الأرباح، ولسان حالهم يقول أنا ومن بعدي الطوفان. هم لا يدركون تأثيرات تلك الزيوت على البيئة، فالدرهم الذي يكسبه الشخص من بيع لتر واحد قد يؤدي إلى خسائر تقدر بآلاف الدراهم. فالأرقام التي نتوفر عليها تشير إلى أن أثر عدم احترام قواعد معالجة النفايات تمثل 2 في المائة من الناتج الداخلي الخام، أي ملايير الدراهم، غير أن ذلك لا يظهر للعيان بشكل مباشر، فعندما يتم حرق الزيوت في فرن يخلق ذلك أدخنة و غازات سامة قد تفضي إلى إصابة أشخاص قاطنين قرب الفرن بسرطان، لكن لا أحد يربط بين عملية الحرق و ذلك الداء. دون أن نتحدث عن الأضرار التي تلحق بالفرشة المائية..
- القوانين موجودة، كما شرحتم، لكن ألا يترتب عن عدم احترامها عقوبات؟ هذا هو السؤال. لقد تم سن قوانين، ونظريا يجب المرور إلى مرحلة التحسيس والإعلام والتكوين، التي تليها مرحلة المراقبة والعقوبات. بطبيعة الحال القانون يرتب عقوبات عن خرقه، لكن يجب في ظل القوانين والمراسيم الجديدة، الانخراط في عملية للإعلام والتحسيس والتكوين. وبعد ذلك يجب على الوزارات المعنية أن تتوفر على مفتشين تسند إليهم مهمة التتبع والمراقبة، التي يليها في حالة عدم الامتثال للقانون ترتيب العقوبات التي يمكن أن تصل إلى حد إغلاق الوحدة التي حصل من أجلها الترخيص. مما يعني أنه على الشخص الذي يحصل على الترخيص أن ينقل النفايات الموصوفة بالخطيرة وأن يعالجها، لكن إذا تأكدت السلطات المعنية عبر مفتشيها أن ذلك الشخص لم يعد يستجيب للشروط الواجبة، آنذاك يمكنها أن تسحب منه الترخيص، وهي العقوبة التي يتوقعها القانون.
- من الجيد أن توضع ترسانة قانونية، لكن هل نتوفر على الوسائل من أجل معالجة النفايات الخطيرة في المغرب؟ نتوفر على الوسائل، لكن يجب أن تكون لدينا الإرادة كي تذهب الأمور إلى مداها، لقد تم سن القوانين، و يجب تطبيقها، غير أن التطبيق يكلف بعض الأموال، الصعب هي البداية .
- يبدو أن سوق معالجة النفايات مجز بالنسبة للشركات التي تتعاطى لهذا النشاط، لماذا لا يتوفر المغرب على ما يكفي من الشركات العاملة في هذا القطاع؟ عندما نتحدث عن النفايات الصناعية، يجب أن نميز بين تلك التي يتم تدويرها وإعادة بيعها، مثل البلاستيك والكارطون والمتلاشيات وبين النفايات الخطيرة التي لا يرغب فيها أحد، فيلقى بها إما في المطارح أو في الطبيعة. وهذا الصنف هو الذي يطرح مشكلا كبيرا. صحيح أن القضاء على تلك النفايات مكلف، حسب خطورتها وتعقدها، و في بعض الأحيان لا نتوفر، في المغرب، على إمكانية معالجتها، إذ يتوجب تلفيفها وإرسالها إلى مصانع متخصصة في أوروبا، لكن أتصور أن الجزء الأكبر يجب أن يعالج في المغرب، بطريقة صحيحة ومستجيبة للمعايير الخاصة بها. وفي الوقت الحالي، تتوفر مصانع الإسمنت على أفرنة ذات درجة حرارة تصل إلى أكثر من 1400 درجة، حيث يتم إحراق جزء كبير من النفايات، دون أن تنطوي الأدخنة التي تخلفها على مكونات سامة. هذه طريقة اهتدت إليها شركات الإسمنت من أجل معالجة نفاياتها وهناك شركة «إكوفال» التي تعتبر أول أرضية من أجل جمع و معالجة النفايات، والتي تتبع ل«هولسيم»، لكن يجب أن يكون الصناعيون واعين بضرورة احترام القوانين، وكي يتأتى لهم ذلك، يفترض إعلامهم وتحسيسهم وتكوينهم، وإذا اقتضى الحال إجبارهم على ذلك.
- يبدو أن المغرب تأخر كثيرا في التصدي لعملية محاصرة النفايات الخطيرة.. لقد تأخرنا كثيرا، عندما نقارن وضعنا بتونس مثلا، وهذا يتجلى بشكل واضح على مستوى الزيوت المستعملة، وهناك مجهود كبير بذل على مستوى سن القوانين، والآن يجب السير بسرعة، من أجل تطبيقها.
- ما طبيعة المساعدات التي تقدمها المؤسسات الدولية من أجل وضع أرضية لمعالجة النفايات الخطيرة؟ المؤسسات الدولية يمكن أن تساعدنا، فالقوانين أنجزت في جزء كبير منها بمساهمة تلك المؤسسات، لكنها لا يمكنها أن تحل محل السلطات العمومية من أجل تطبيقها وفرض احترامها.
- ماذا عن البحث والتطوير في مجال معالجة النفايات؟ أعتقد أنه على هذا المستوى، هناك بعض المبادرات من قبل بعض الجامعات، لكنها تظل محدودة. نحن في مرحلة يفترض فيها أن نقوم بما قام به الآخرون. ونتطلع إلى البحث والتطوير فيما بعد. لكن الآن يتوجب العمل من أجل تقليص الآثار السلبية للنفايات على البيئة. وقد كانت النفايات موضوع جرد من قبل مرسوم، بما فيها الخطيرة، التي يحدد القانون كيفية معالجتها. وفي النفايات المعتبرة خطيرة، استندنا إلى ما أنجز في بلدان أخرى، حيث تم تحديد الأسباب التي تجعل منها خطيرة.
- هل على مستوى الوزارات تلمسون إحساسا بحجم خطورة الوضعية الحالية في المغرب؟ جميع الوزارات معنية بالبيئة، لكن على الأقل هناك ثلاث وزارة يعنيها الأمر مباشرة، فهناك وزارة الطاقة و المعادن و المائة و البيئة و كتابة الدولة في البيئة، وزارة الداخلية مع الجماعات المحلية. أكيد تلك الوزارات واعية بالوضعية الحالية، ما دامت تعبأت من أجل إخراج القوانين إلى حيز الوجود، و الآن فيما يتعلق بحجم الوضعية و التطبيق، يفترض وضع برنامج عمل و توفير الوسائل من أجل التطبيق على أرض الواقع.
- ماهي المقارنة التي يمكن أن نقيمها بين طريقة معالجة النفايات المنزلية و النفايات الصناعية؟ عندما نتحدث عن النفايات المنزلية، يجب أن نعرف أن جزءا كبيرا منها، يذهب إلى المطارح، وهي مناطق محددة، وحتى خطورتها محدودة، رغم أنها تنطوي على بعض الخطورة، على اعتبار أنها تصيب الفرشة المائية و الأرض، لكن الأخطر أننا نجد أن بعض الماشية ترعى في بعض المطارح، حيث يمكن أن تنقل تلك الخطورة إلى الإنسان عبر اللحوم. في النهاية مسؤولية الجهات المعنية مطروحة هنا، كي تقف على الظروف التي يعمل فيها الأشخاص الذين يشتغلون في تلك المطارح و الظروف التي ترعى فيها تلك الماشية. وإذا عدنا للمقارنة، يجب أن نشير إلى أننا لا نعرف إلى أين تذهب النفايات الصناعية، حيث يمكن أن يلقى بها في المطارح العمومية أو ترمى في الطبيعة، خلافا للنفايات المنزلية التي نعرف مطارحها، و اليوم هناك الملايير من الدراهم التي ستصرف من أجل المرور من المطارح المرتجلة إلى المطارح المراقبة التي نعني بها المطارح المسيجة، مما يعني أنه سوف يوضع حد للماشية التي يؤتى بها من أجل أن ترعى هناك، الشيء الذي يشير إلى تحييد خطر يتهدد الماشية و الإنسان. لكن حتى في هاته الحالة، يجب أن تتدخل المراقبة، التي إذا انتفت سوف نعيد إنتاج تلك المطارح المرتجلة. - ماهي المناطق المغربية التي يتجلى فيها خطر النفايات الصناعية أكثر؟ في رأيي الخطر يوجد في جميع المناطق، لكنه أكثر حضورا في جهة الدارالبيضاء، حيث تتركز أهم الأنشطة الصناعية، خاصة الصناعات الكيماوية .. وهناك العديد من النفايات الخطيرة والتي لا نعرفها، فقد تلمس أو تشم مادة ما، لكنك تجهل طبيعتها، و تأثيرها على صحتك. - لكن هل التحول الذي تحدثتم عنه في تعاطي السلطات العمومية مع النفايات، على الأقل على مستوى التشريع، يواكبه تكوين للمسؤولين المحليين من أجل تحسيسهم بخطورة الوضع؟ خلال الأربع سنوات الأخيرة، هناك الكثير من عمليات التحسيس والدورات التكوينية التي توجه المسؤولين فيما يتصل بتدبير النفايات بجميع أنواعها. و إذا كنا نقر بأن التكوين مهم، فإنه يبقى غير ذي جدوى عندما لا تتوفر الوسائل من أجل العمل بعد ذلك. و المهم أن هناك وعيا بضرورة تدبير النفايات، فجميع المدن الكبرى، تعرف عمليات تفويت النفايات الصلبة، حيث تنصب على الجمع و تدبير المطارح، غير أنه يجب أن تتوفر الجماعة المحلية على وسائل المراقبة، أي أنه عندما أفوت لك عملية تدبير النفايات الصلبة، يتوجب أن تتوفر لدي الوسائل كي أراقب و أتأكد من مدى احترامك بنود الاتفاق. وهناك موجة على صعيد العديد من المدن الكبرى من أجل المرور إلى جيل جديد من المطارح المراقبة. ويجب أن ندرك أن النفايات المنزلية ليست نفايات، بل يمكن أن تكون مصدرا للموارد، حيث إنه يمكن أن نميز فيها 40 في المائة من النفايات القابلة للتدوير. وعندما نفكر مليا سوف نصل إلى أن المطرح يمكن أن يكون مصدرا للموارد بالنسبة للجماعة.
- ما هي الشروط الأولية كي يتم النجاح في المطارح المراقبة؟ يجب أن تكون ثمة معايير وشروط، تفرض على الشركات التي تفوت لها عمليات تدبير النفايات في المدن، هذا شرط لازم التحقق، لكن يجب التركيز أكثر على مسألة المراقبة والتتبع. نحن ننتج 7 ملايين طن من النفايات المنزلية ونعالج حوالي 500 ألف طن، وبالنظر لهذا المستوى من النفايات التي يتوجب معالجتها في المستقبل، لا يجب أن نخطىء الانطلاقة فيما يتعلق بالمطارح الجديدة، سواء على مستوى تصورها أو العقود التي ستبرم حولها. وما أشدد عليه هو المراقبة، حيث يفترض الحرص على أن يكون التقني الذي يتولى تلك المهمة كفؤا، لكن الأهم من ذلك أن تتوفر فيه النزاهة التي تتيح له أن يقوم بعمله بأمانة.
- نحن نعلم أن بعض البلدان الصناعية تحاول تصدير نفاياتها الخطيرة إلى بلدان العالم الثالث، هل المغرب معني بهذا الأمر؟ لا أعتقد، فهناك قانون في المغرب، يمنع استقبال النفايات من الخارج، وكي يتم استقدام النفايات من الخارج، يتوجب الحصول على ترخيص خاص، و الشرط هو ألا تكون خطيرة. لنأخذ مصانع الإسمنت التي تستورد العجلات المستعملة، وهي تستوردها لأنها تعتبر من المحروقات التي تحرقها في أفرنتها.