المواطنة قبل كل اعتبار". قبل السياسة، قبل الانتماء الحزبي، وقبل كل الاعتبارات الضيقة والنقاش "الشعبوي" الذي ينسج في مواقع التواصل الاجتماعي، أحيانا بشكل صحي، وأحايين كثيرة، من خلال "معارك دونكيشوتية" تهدف إلى وضع شخص أو مؤسسة في الزاوية، دون أي اعتبارات للمشترك الذي نعيشه جميعا داخل هذا الوطن. تطور أي بلد رهين بالنقاش الرزين المبني على الحكمة، والواقعية، والمسار الديمقراطي الذي يجب أن ندافع عنه، كمنطلق لرسم مستقبل البلد. هذا هو الإيمان والثقافة التي يجب أن تترسخ لدينا نحن المغاربة في أن ندافع عن المواطن والوطن، بعيدا عن النقاشات "البيزنطية"، أو الجبن في تحمل المسؤولية، عند الاقتداء. من كل هذا، أشارك برأيي في الجدل القائم حاليا حول استيراد المغرب ل 2500 طن من النفايات الإيطالية. اختلافي مع السيدة الوزيرة، حكيمة الحيطي، التي أنتمي إلى حزبها، يمكن اعتباره ممارسة حرية الرأي، وليس انتقادا سطحيا أو مسا بالعمل الكبير الذي تقوم به على رأس وزارة تتطلب الكثير من الجهد والحذر في التعاطي مع الملفات الموضوعة أمامها. الملك محمد السادس، والذي تنعته الصحافة العالمية ب"الملك الأخضر" جعل من المغرب بلدا رائدا في الطاقات المتجددة، ودعا خلال رسالته التي وجهها إلي المشاركين في "كوب 21" في فرنسا، إلى فتح ورش تثمين النفايات والاستفادة من التقدم العلمي في هذا المجال، وهنا أتساءل لماذا لم تضع الوزارة المعنية مخططات تهدف إلى الاستعمال العقلاني للنفايات المولدة للطاقة؟ كنا سنضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد: - ثانيا: التخلص من النفايات المتراكمة في مختلف المدن المغربية، ومعاودة تدويرها وفق مناهج وطرق علمية، والاستفادة من تراكم الخبرة في هذا المجال. - ثالثا: نسوق لبلدنا على بعد بضعة أشهر من قمة المناخ كبلد رائد على المستوى الإقليمي في هذا المجال. وهذا مهم جدا في على مستوى صورة المغرب في الخارج. للأسف، لم نفعل كل هذا، وركزنا على ما هو قانوني وتقني ونسينا السياسي السياسة قبل كل شيء هي أولا احترام مجال عيش المواطنين، وضمان حياة ذات جودة لهم. وهذا هو العامل الأساس لأي خطة عمل أو تصور للسياسات التي كان يجب نهجها. الحقيقة الجاثمة أمامنا اليوم، تؤكد أننا "فشلنا" في جعل المغرب "أخضر" في عيون المغاربة أولا، قبل أن نسوق هذه الصورة للخارج. والحقيقة الأخرى هي أن"فضيحة" النفايات جعلتنا في قلب عاصفة إعلامية دولية، وضعت المغرب في الزاوية، وجعلت منه "مزبلة" أوروبية، حيث "لا يهتم" سياسيوه بصحة المواطنين، ولا بحياتهم، ولا بصحتهم، ولا حتى بمواطنتهم التي مُسّت بعد أن اقترن اسم المغرب في الصحف العالمية على مدى ثلاثة أسابيع ب"أزبال إيطاليا". تعلم الوزيرة، كما يعلم العديد من نخبة هذا البلد، من أصحاب المصالح الكبرى، أن "فضيحة النفايات" تتجاوز تصريح "تهدئة الشارع" الغاضب، أو الإدلاء بأرقام متناثرة، أو وثائق، تحتاج إلى أكثر من فحص للوثوق بها. "نفايات إيطاليا" في الأول والأخير هي محدد لمصالح معقدة بين كبرى مصانع الإسمنت، ومؤسسات العقار في المغرب، التي تبحث عن خفض تكلفة الإنتاج، من خلال هذا التسلسل.. إنتاج الإسمنت بأثمنة محدد من خلال التحكم في طاقة الإنتاج، لطرحه في السوق، بهامش ربح كبير، يستفيد منه كبار المنعشين العقاريين، للزيادة في هامش أرباحهم، والحفاظ على مستويات معينة لشركاتهم في البورصة لضمان أرباح أكبر من المتوقع في حال الالتزام بمعايير معينة. إنها الحقيقة التي لم تقلها الوزيرة الحيطي، وهي غير مضطرة على كل حال لقولها، لأن المجال محفوظ لغيرها. السيدة الوزيرة اكتفت بالأرقام والمعطيات التي تخصها، ولم تشأ أن تدخل عش الدبابير. هذا باختصار ما حاولت السيدة الوزيرة التعاطي معه من خلال ندوتها الصحفية، التي طغى عليها الجانب العاطفي دون غيره. الأسئلة الحقيقية التي يجب أن تطرح اليوم، وتكون محددا للمستقبل هي وجوب ترسيم حدود واضحة في حق المغاربة في المعلومة، وإخفائها يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون مادامت مرتبطة بصحة المواطنين ومستقبل أجيال كاملة. ثم فتح تحقيق صريح وشامل لتحديد المسؤوليات في المستفيد الحقيقي من هذه السموم التي تدخل المغرب دون رقيب ولا حسيب، في أبشع استغلال للنفوذ "المبهم" الذي لا يعرف مصدره. علينا كسياسيين وأحزاب ومجتمع مدني وإعلام وكل فاعل أن نشكل الضمير الحي الذي يدق ناقوس الخطر لإصلاح منظومتنا القانونية، وترسانة تعاملنا باستهتار مع مستقبل المغرب، ومواطنيه. بهكذا ثقافة، يمكن أن نخلق مواطنة حقة، وأن نساهم في ممارسة الرقابة على المسؤول الذي تبين الأحداث أنه لا يكون مسؤولا إلا على مصالح فئة معينة في كثير من الملفات المصيرية التي ترهن مستقبل هذا البلد.