تقديم : أدى التقدم الصناعي والتكنولوجي والتحولات المجتمعية والنمو الديمغرافي وتطور أنماط الإنتاج و الاستهلاك إلى توليد كميات هائلة من النفايات والملفوظات الصلبة والسائلة والغازية التي لاتضر بالبيئة فقط بل تصاحبها مشكلات اقتصادية تتمثل في الأعباء المالية اللازمة لجمعها ونقلها ومعالجتها، وأمام تزايد إنتاج النفايات الملوثة تفطنت معظم الدول إلى ضرورة إعمال التقنيات الملائمة لمعالجتها وسن الأنظمة والقوانين التي تصون البيئة من التلوث الناتج عنها من خلال تحديد أصنافها ووضع المخططات الكفيلة بالتخلص منها ومعالجتها. على أنه في السنوات الأخيرة تزايد الاهتمام الدولي بالنفايات الطبية déchets hospitaliers- -les وهي صنف خاص من النفايات الصلبة التي تنتجها المؤسسات التي تقدم الخدمات الصحية مثل المستشفيات والمصحات ومختبرات البحوث الطبية، هذه النفايات التي نمت كمياتها نتيجة ازدياد عدد الأسرة والتقدم الطبي المتسارع، هذا النوع من النفايات يحتوي على نفايات مشعة ونفايات كيميائية ونفايات ملوثة تتضمن نفايات جرثومية وباثولوجية وآلات حادة وإبر إضافة إلى نفايات المختبرات ونفايات العمليات الجراحية والتشريحية والأدوات الملوثة وكلها مخلفات لها تأثيرات سلبية على البيئة والصحة العامة بحيث قد تسبب حالات كثيرة من العدوى بالأمراض الخطيرة، وهذا ما دفع بالعديد من البلدان إلى مقاربة الظاهرة حيث حاولت وضع مقومات للتخلص منها أو تقليل أثرها وإرساء خطط وبرامج كفيلة بتنظيم عمليات جمعها ومعالجتها والعمل على تطوير المفاهيم الأساسية المرتبطة بتدبيرها. المبحث الأول : التأطير المفاهيمي للنفايات الطبية. لاشك أن النفايات الطبية كنوع خاص من النفايات الذي نتج عن تطور إمكانيات الاستشفاء وتنامي حجم الخدمات الطبية على المستويين الوطني والدولي يحتاج إلى الوقوف عند ماهيته من خلال تحديد المقصود العلمي بالنفايات الطبية و أصناف المخلفات الملوثة التي تتضمنها والتي لها تأثيرات سلبية على البيئة وصحة الإنسان . أولا : تعريف وتصنيف النفايات الطبية . أكيد أن المؤسسات الصحية تنتج مخلفات ونفايات تختلف درجة خطورتها، فهناك نفايات سائلة ونفايات غازية و نفايات صلبة شبيهة بالنفايات المنزلية ثم نجد نفايات ملوثة وهي الأكثر خطورة على صحة الإنسان والبيئة، لذلك سنحاول الوقوف عند تعريف النفايات الطبية وتصنيفاتها المختلفة. 1- تعريف النفايات الطبية. يقصد بالنفايات الطبية تلك النفايات الملوثة أو الخطرة للمنشآت الصحية والتي تتكون،كلها أو بعضها،من الأنسجة الآدمية (البشرية) أو الحيوانية ( مختبرات التجارب الطبية ومزارع البكتيريا)، أو الدم أو إفرازات وسوائل الجسم ونواتج الإخراج أو الأدوية والمنتجات والمستحضرات الصيدلانية أو بقايا أدوات المرضى أو ضمادات الجروح أو المحاقن والأدوات الحادة، إلى جانب كل المخلفات الأخرى، التي من المحتمل أن تسبب ضررا مباشرا للأفراد الذين يداولونها، أو تلك التي لا يجري تأمينها بالتطهير والتعقيم، وبكلمة واحدة فالنفايات الطبية هي خليط من مخلفات ملوثة صلبة معدية تنتجها المنشآت الصحية، لذلك تستثنى النفايات المشعة التي لها معالجة خاصة والنفايات السائلة والغازية والنفايات الجامدة les déchets inertes(حصى، أحجار...) . 2- تصنيف النفايات الطبية. مما سبق يتضح أن النفايات الطبية تصنف إلى ثلاثة أنواع: النفايات المشعة، والنفايات الكيميائية، والنفايات الملوثة مضافة إلى نفايات المصحات وبقايا الأطعمة، وتنطوي النفايات الملوثة على تأثيرات سلبية تضر بالبيئة والصحة العامة إذ تحتوي على العناصر التالية، النفايات الجرثومية والتي تحتوي على أعداد كبيرة من الميكروبات التي تزيد من احتمال الإصابة بالأمراض، النفايات الباثولوجية( الأنسجة والأعضاء وغيرها) والدم ومشتقاته والآلات الحادة والإبر وهي الخطر الأكبر على العاملين في القطاع الصحي لإمكان الإصابة ونقل العدوى إضافة إلى نفايات المختبرات والنفايات الحيوانية الملوثة التي تتضمن كميات كبيرة من الجراثيم المعدية ونفايات العمليات الجراحية والتشريحية والأدوات الملوثة، وتصنف منظمة الصحة العالمية النفايات الطبية إلى نفايات التشريح والنفايات ذات النشاط الإشعاعي، والنفايات الكيماوية النابعة من العمليات التجريبية والتشخيصية وأنشطة التطهير، والنفايات الصيدلية، والنفايات "الثاقبة أو القاطعة" التي من شأنها أن تسبب في جروح أو ثقوب، والنفايات الوبائية التي تحتوي على جراثيم مركزة وبكميات كافية لكي تسبب العدوى بالأمراض. ثانيا : الآثار الصحية والبيئية للنفايات الطبية. لامراء أن سوء تدبير النفايات الطبية الملوثة قد يشكل خطرا حقيقيا سواء على صحة العاملين بالمؤسسات الصحية والأفراد عموما أو على المحيط البيئي. تعد النفايات الطبية مصدرا مباشرا في انتقال الأمراض المعدية لما تحتويه من عوامل وعناصر تؤدي إلى ذلك من ذلك ميكروبات شديدة العدوى ومواد سامة للخلايا البشرية وأدوية و مواد كيماوية خطرة،ومواد حادة وقاطعة وإبر ملوثة بالدم...هذه النفايات الطبية الخطرة تسبب حالات مرضية مختلفة كالالتهابات الجلدية والتهاب الجهاز التنفسي والأمراض التي تنتقل عن طريق الدم والحشرات بالإضافة إلى الأضرار البصرية الناتجة عن المواد البلاستكية والمواد التشريحية وبقايا الدم، وعموما فإن التعرض للمخلفات الطبية بسبب الإهمال وعدم الدراية وضعف التدبير التقني للتخلص منها ومعالجتها هي أسباب تؤدي إلى إصابات مرضية متعددة ومتنوعة تبعا لتنوع مسببات المرض،في حين تختلف طرق الإصابة بالأمراض بسبب النفايات الطبية (الوخز، الملامسة،الإستنشاق، البلع) . أما عن الأضرار البيئية فتكمن في تلويث المياه الجوفية بسب المواد البيولوجية والكيميائية الموجودة في المخلفات الطبية والتي تنتقل مع سائل النفايات المركز lixiviats إلى الفرشات المائية الباطنية، كذلك تتأثر البيئة الهوائية بسبب التلوث الذي تحدثه الميكروبات الموجودة خاصة في أماكن جمع النفايات الطبية وخلال جمعهاو معالجتها، بالإظافة إلى الإنعكاسات السلبية لهذا النوع من النفايات على الغطاء الغابوي والنباتي والأحياء المائية والطيور ...علاوة على تشويه المنظر العام والبيئة الحضرية. وتجدر الإشارة إلى خصوصية خطورة النفايات الطبية بالمقارنة مع النفايات الصلبة البلدية، هذه الأخيرة التي تعد مرتعا خصبا ووسطا ملائما لنمو وتكاثر الميكروبات والجراثيم وبالتالي فإن خطورتها تابثة ومؤكدة، بيد أن النفايات الطبية لا تكمن خطورتها في نسبة الجراثيم والميكروبات التي تتضمنها والتي هي أقل بالمقارنة مع النفايات الصلبة البلذية، وذلك لكون النفايات الطبية بالإضافة إلى ضعف نسبة الجراثيم والميكروبات التي تحتويها فإنها قد تتضمن مضادات الجراثيم في تركيبتها الفيزيائية، وهذا ما يجعل خطورة النفايات الطبية تكمن بصفة خاصة، في حالة التعرض لها، إلى قدرتها على إحداث العدوى والإصابة بالأمراض الخطيرة بسبب الفيروسات الموجودة فيها. ومن ناحية أخرى يبقى المشكل الأساسي بالنسبة لإنتاج للنفايات الطبية بالمغرب هو أنه يتم غالبا التخلص منها في المطارح العمومية كما هو الشأن بالنسبة لباقي النفايات الصلبة المنزلية والصناعية دون معالجة خاصة،مما يشكل خطرا على صحة الإنسان والبيئة. المبحث الثاني : تدبير النفايات الطبية. لا مراء أن النفايات التي تنتجها المؤسسات الصحية، وبالنظر لخصوصيتها المتمثلة في المواد الملوثة التي تتضمنها، تقتضي نهج أساليب تقنية فاعلة كفيلة بمعالجتها من ناحية، وقادرة على ضمان تدبير نظيف لها دون إضرار بالبيئة والصحة العامة من ناحية أخرى، على أن معالجة مشكلة النفايات الطبية لا يقتصر على تدبيرها التقني بل يشمل كذلك إيجاد القواعد القانونية اللازمة لوضع الضوابط والشروط التنظيمية المرتبطة بتدبير هذا النوع من النفايات. تبعا لذلك فالحديث عن تدبير النفايات الطبية يجعلنا نتوقف عند تدبيرها التقني والقانوني قبل أن نخلص إلى تقديم اقتراحات عامة في هذا الموضوع. أولا : التدبير التقني . يقصد بطرق معالجة نفايات القطاع الصحي الأساليب التقنية التي تمكن من تغيير خصائص المواد الخطيرة لجعلها أقل خطورة والتعامل معها بأمان إذ يمكن نقلها أو جمعها أو تخزينها أو التخلص منها دون أن تسبب ضررا للبيئة والأفراد، وبالتالي فالهدف الأساسي من معالجة النفايات الطبية هو الإقلال من العوامل المعدية والخطيرة فيها لأدنى حد ممكن، وتختلف طرق معالجة النفايات الطبية فمنها ما يعتمد على أساليب تقليدية في المعالجة كالحرق مثلا وهناك طرق جديدة تعتمد على التعقيم والطحن...هذه الطرق التي تتباين أيضا تبعا للضوابط البيئية المطبقة في كل دولة وحسب كلفة كل أسلوب المعالجة الأمر الذي يجعل نوع المعالجة يرتبط كذلك بالحالة الاقتصادية لكل دولة. وفيما يلي سنعمد إلى عرض بعض الطرق لتدبير النفايات الطبية مع العمل على تقييمها للوقوف عند إيجابيات وسلبيات كل طريقة وصولا إلى الطريقة الملائمة. 1- طريقة الحرق العادي. يعد أسلوب الحرق من الوسائل التقليدية للتخلص من النفايات بوجه عام سواء كانت عادية أو طبية، ويعتمد على تحويل المواد العضوية إلى ماء وثاني أكسيد الكربون، ويعتمد هذا الأسلوب على الحرق المفتوح أي حرق النفايات الطبية في أفران عادية وفائدة هذه الطريقة تكمن في تخفيض تكلفة النقل والردم بسبب انخفاض حجم النفايات نتيجة الحرق إلا أن ما يصاحب ذلك من انبعاث غازات حمضية ومؤكسدة يؤثر على البيئة والصحة العامة،ولقد شكل هذا الأسلوب الطريقة المعتادة للتخلص من النفايات الطبية الملوثة في العديد من الدول إلا أنه بالنظر لتزايد التقارير التي تؤكد على خطورة التلوث الذي تسببه المحارق التي تنفث مواد سامة ذات تأثير دائم ومتراكم في البيئة، وبالنظر لصدور قوانين جديدة تنص على ضرورة إيجاد شروط سلامة أفضل لتنقية دخان المحارق، تم التخلي عن الحرق بالأسلوب التقليدي، واعتماد طرق بديلة ومنها الحرق المحوري. 2- طريقة الحرق المحوري. تعد محارق الفرن المحوري تطورا إيجابيا في تقنية المحارق،وتتكون عادة من : الفرن المحوري وهو عبارة عن أسطوانة كبيرة تدور بسعة يتم التحكم فيها حسب نوع النفايات ويوجد بها موقد تبلغ درجة حرارته1700درجة مائوية تقريبا وبسبب الدوران تتقلب المواد الصلبة وتحترق بتجانس ويتم خروج الرماد بسبب ميل الأسطوانة إلى فتحة وتخرج إلى حاوية يمكن تبديلها عند الامتلاء. مقصورة الموقد الثانوي والتي تنطلق الغازات إليها وتبلغ درجة حرارة الموقد الثانوي 1200 درجة مائوية ويعمل على إتمام عملية الاحتراق الكامل للغازات وبعد ذلك تتوجه إلى مكان التبادل الحراري للاستفادة من الطاقة الناتجة من الاحتراق لتوليد الكهرباء. بواسطة طريقة الحرق المحوري يتم معالجة أيضا الغازات بواسطة رماد الصودا للقضاء على الغازات الحمضية مع استخدام مصفيات للحد من تلوث الهواء. من فوائد هذه الطريقة أنها تمكن من الاستفادة من الطاقة الناتجة عن الحرق ومن سلبياتها الأثر السيئ على الجوار واحتمالات التلوث، كما تحتاج المحرقة إلى صيانة عالية ذات تقنية متقدمة وقطع الغيار مثل العازل الحراري، وأيضا تتطلب فنيين ذوي خبرة ومردم نفايات خطرة. 3- التطهير بالبخار. تستوجب هذه التقنية إخضاع النفايات للبخار على حرارة مرتفعة (120-165درجة مائوية) وعلى درجة عالية من الضغط الجوي لفترة من الزمن، وينتج عن ذلك إذابة بعض الأدوات التي تصرف مع السوائل، أما الفضلات الصلبة المطهرة فتطمر في أحد المطارح أو المكبات أو تقطع قبل التخلص منها نهائيا في الأرض، ومن إيجابيات هذه التقنية أنها سهلة الاستعمال وغير مكلفة وتحتاج إلى مكان صغير ولا تسبب تلوث الهواء في حين أن سلبياتها تكمن في أنها غير مناسبة للفضلات الباثولوجية وتزيد من تعرض العاملين للمواد العضوية السريعة التبخر كما أن ذوبان الأكياس في بعض الأحيان يتطلب توضيبا ثانويا. 4- التعقيم الكيميائي. تقوم هذه التقنية على وضع أكياس النفايات في القطاعة shredder) ( ثم يضاف إليها سائل (hipochloride) للتعقيم،بينما تقوم القطاعة بتقليص حجم النفايات وتصغيرها إلى درجة كبيرة، عند انتهاء العمليات يصرف السائل في المجارير وتطمر بقية النفايات في المطارح أو المكبات، ومن إيجابيات هذه التقنية أنها تقلص حجم النفايات بنسبة 80%ولا تلوث الهواء نهائيا،أما سلبياتها فتكمن في كلفتها الباهضة وفي عدم تقليصها لوزن النفايات. 5- التطهير بالطحن أو الموجات الصغرى. تستوجب هذه التقنية تقطيع النفايات داخل غرف مزودة بمصاف خاصة، ثم تعريضها لسيل من الموجات الصغرى ويقذف البخار( 940درجة مائوية)داخل غرف المعالجة للمساعدة في عملية التعقيم،ومن مزايا هذه الطريقة أن كلفتها معقولة وأداؤها جيد ولا تلوث الهواء،بينما تكمن سيئاتها في عدم ملائمتها للنفايات الباثولوجية والكيميائية. وهناك طرق أخرى معتمدة لتدبير النفايات الطبية كتقنية التطهير بالأشعة الإلكترونية التي تقضي بتعريض النفايات لإشعاع إلكتروني يحدث تغييرات كيميائية وبيولوجية، ويحدث التعقيم عند تعرض الأحماض الأمينية داخل الخلايا للإشعاعات، ثم طريقة التحويل الإحيائي وتتألف هذه التقنية من مستوعب كبير للنفايات التي تتعرض بداخله للقطع والطحن، ثم يضاف إليها مزيج من المواد الكيميائية والأنزيمات التي تتفاعل مع الجراثيم وتقضي عليها، وهناك تقنية حرق الفحم وهي عملية تقوم على احتراق الفحم المتواصل لتعقيم النفايات،ثم إعادة استعمال الفحم كمصدر للطاقة وهناك طرق و تقنيات أخرى لازالت قيد البحث -أشعة غاما –التعقيم الإلكتروحراري مع الكوبالت- اللايزر. وعلى العموم فإن أي تدبير تقني للنفايات الطبية يتعين أن يتبع الخطوات التالية : - تصنيف النفايات حسب المقاييس والمعايير المستخدمة في الدول المتقدمة في هذا المجال واعتباره مرجعا للتصنيف لتدبير ومعالجة النفايات الطبية. - فصل النفايات عن المصدر سواء كان غرف المرضى أو العمليات أو المختبرات. - حفظ النفايات حسب نوعها في الحاوية المعدة للنفايات حسب التصنيف ووضع المعلومات اللازمة عليها لمعرفة المصدر ونوع النفايات ودرجة خطورتها. - نقل النفايات داخل المستشفى أو في المدينة في وسائل النقل المخصصة لهذا الغرض. - معالجة النفايات الطبية قبل تحويلها إلى نفايات بلدية واختيار الطريقة المثلى في معالجتها باتباع طريقة الحرق المحوري أو التعقيم أو التطهير بالبخار...على أنه يتعين القيام بدراسة تقنية حول جدوى كل طريقة ومدى ملاءمتها بالنسبة لكل نوع من النفايات التي تنتجها المؤسسات الصحية. - الأخذ في الاعتبار فاعلية التخلص من العوامل الممرضة و إيلاء الأهمية للاعتبارات الصحية والبيئية واعتبارات السلامة والصحة المهنية. - الإستفادة من النفايات المعالجة الناتجة،بإعادة الاستخدام في مجال الطاقة مثلا و إعادة تدويرها. ثانيا : التدبير القانوني. بالرغم من كل الوسائل التكنولوجية المتطورة والطرق التقنية التي يتم إعمالها في تدبير النفايات الطبية فإن كل ذلك لا يمكن أن يحقق الهدف المنشود دون إرساء قواعد صارمة وملزمة تكفل الحفاظ والحماية لكل مقومات الحياة من الأضرار الناتجة عن هذا الصنف من النفايات من هنا تظهر أهمية المقاربة القانونية للموضوع بحيث سنقف عند تعامل القانون البيئي المغربي مع مشكلة النفايات الطبية. فبالنسبة للمغرب الذي طالما افتقد لنص قانوني يكفل تحديد أنواع النفايات وكمياتها وأماكن ومصادر إنتاجها وطرق ووسائل التخلص منها وكيفية معالجتها علاوة على غياب تشريع خاص بتنظيم التخلص من النفايات الطبية، فإنه أخيرا تصدى تشريعيا لموضوع النفايات بوجه عام وللنفايات الطبية والصيدلية بوجه خاص من خلال القانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، الذي تطرق في قسمه الخامس لتدبير النفايات الطبية والصيدلية، ويعرف النفايات الطبية والصيدلية بأنها : "كل النفايات الناتجة عن الأنشطة المتعلقة بالتشخيص والمتابعة والمعالجة الوقائية أو المسكنة أو الشفائية في مجالات الطب البشري والبيطري وكذا جميع النفايات الناتجة عن أنشطة المستشفيات العمومية والمصحات ومؤسسات البحث العلمي ومختبرات التحاليل العاملة في هذه المجالات وعن كل المؤسسات المماثلة". وحسب المادة 38 من القانون المذكور فإن النفايات الطبية والصيدلية تخضع لتدبير خاص تفاديا لأي ضرر يمكن أن يلحق بصحة الإنسان والبيئة، وحسب نفس المادة فإنه يمكن اعتبار بعض أنواع النفايات الناتجة عن مؤسسات العلاج في حكم النفايات المنزلية بناء على تقرير تحليلي تطلبه الجماعة وينجز من طرف مختبر معتمد، شريطة أن تخضع هذه النفايات لعملية فرز مسبقة وألا تكون ملوثة بالنفايات الخطرة، على أن كيفيات تدبير النفايات الطبية والصيدلية تحدد بنص تنظيمي. في حين تحظر المادة 39 من القانون المذكور رمي النفايات الطبية والصيدلية أو تخزينها أو معالجتها أو التخلص منها أو إحراقها خارج الأماكن المبينة في المخططات المديرية الجهوية لتدبير النفايات الصناعية والطبية والصيدلية غير الخطرة والنفايات النهائية والنفايات الفلاحية والنفايات الهامدة، المنصوص عليها في المادة 10 من القانون السالف الذكر. أما المادة 40 فتخضع جمع النفايات الطبية والصيدلية ونقلها لترخيص يمنح من طرف الإدارة لمدة أقصاها خمس سنوات قابلة للتجديد، وهذا يفتح المجال أمام الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الخواص لتدبير هذا النوع من النفايات، على أن منح الترخيص في هذا الصدد يتوقف على استيفاء الشروط المنصوص عليها في المادة 30 من قانون 28.00 والتي تتحدد فيما يلي: الالتزام بمزاولة أنشطة جمع النفايات الخطرة ونقلها كنشاط رئيسي. التوفر على القدرة المالية الكافية والضرورية لمزاولة هذه الأنشطة. التوفر على مستخدمين مؤهلين ومكونين لمزاولة هذه الأنشطة. الالتزام باتخاذ التدابير الوقائية والصحية لضمان سلامة المستخدمين. التوفر على معدات ملائمة لجمع النفايات الخطرة ونقلها. وهذه الشروط التي تنطبق على النفايات الخطرة تنطبق طبعا على جمع النفايات الطبية والصيدلية ونقلها طبقا للمادة 40 من القانون المذكور، كذلك تمنع المادة 41 من نفس القانون التخلص من النفايات الطبية والصيدلية عن طريق طمرها في أماكن إنتاجها. إنها مقتضيات قانونية ملائمة تأتي لتنظيم تدبير قطاع النفايات الطبية والصيدلية بوجه خاص إذ يتعين الإسراع بإصدار النصوص التنظيمية الكفيلة بتفصيلها من ناحية وتفعيلها على مستوى الواقع العملي من خلال التنسيق الفاعل بين مختلف المتدخلين في هذا المجال من ناحية أخرى. ثالثا : اقتراحات. إن تدبير النفايات الناتجة عن المؤسسات الصحية تقتضي إيجاد منظومة متكاملة من التدابير والإجراءات الهادفة إلى الحد أو التقليل تدريجيا من الآثار السلبية للنفايات الطبية وأخطارها المعدية على المرضى أولا و على العاملين داخل المستشفيات ثانيا وعلى صحة الأفراد والبيئة ثالثا، لذلك فإن التدابير المقترحة في هذا الصدد ترتبط بثلاث مستويات كالتالي : مستوى تقني ، مستوى تنظيمي،ثم مستوى قانوني. 1- على المستوى التقني. - يتعين تحديد تصنيف دقيق للنفايات الطبية حسب درجة خطورتها وبإتباع نموذجية واضحة وبالتالي تعيين أنواعها المختلفة (مخلفا معدية، المخلفات الصيدلية، الكيماوية...) . - اعتماد فرز النفايات الطبية بشكل مسبق من المصدر وفي مكان إنتاجها توخيا لعدم تلويث النفايات التي لا تتطلب معالجة خاصة. - اعتماد نظام فاعل داخل المستشفيات خاص بجمع النفايات وتخزينها ونقلها ومعالجتها مع نهج مسالك التخلص الملائمة. - إذا كانت طريقة الحرق هي الطريقة الأكثر استخداما لمعالجة النفايات الطبية،فإنه يتعين القيام بدراسة معمقة لاختيار الطريقة المثلى الأقل تكلفة والأكثر نجاعة من حيث المعالجة السليمة التي لا تضر بالصحة العامة والبيئة. 2- على المستوى التنظيمي. - إن التدبير السليم يعد أحد المرتكزات الأساسية لكل خطة تروم الحد من أخطار النفايات الطبية،لذلك يتعين الحرص على توفير الإمكانيات المادية والبشرية واللوجيستيكية اللازمة في هذا الصدد مع تحديد المسؤوليات والصلاحيات لكل العاملين المتدخلين في مسلسل التخلص من النفايات الطبية. - تدريب العاملين بالمؤسسات الصحية على تقنيات التعامل مع النفايات الطبية بمختلف أنواعها وتكوينهم من خلال دورات تدريبية مصغرة وتزويدهم بمعلومات عن مخاطر المخلفات الطبية. - ضرورة التنسيق والتشاور بين مختلف الوزارات والهيئات المعنية بالتخلص من النفايات الطبية مع العمل على إحداث لجنة مشتركة تشرف على موضوع النفايات الطبية. - إشراك القطاع الخاص في مسلسل التخلص من النفايات الطبية لما يتوفر عليه من خبرات وإمكانيات تقنية و مادية وبشرية. 3- على المستوى القانوني. - ضعف تفعيل المقتضيات القانونية التي تخص تدبير النفايات الطبية يؤدي إلى عدة نتائج سلبية من أهمها إلقاء النفايات الطبية مع النفايات المنزلية أو البلدية بدون معالجة خاصة، مما يترتب عنه آثار خطيرة على العاملين بالمؤسسات الصحية وعلى صحة الأفراد والبيئة،لذلك وجب العمل على إرساء الأدوات القانونية اللازمة للتصدي القانوني لمشكل النفايات الطبية. - ضرورة التعجيل بتطبيق النصوص التنظيمية المرتبطة بتطبيق مقتضيات قانون 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها الذي ينص على تدابير قانونية أساسية فيما يخص تدبير النفايات الطبية والصيدلية. - الحرص على تطبيق الجزاءات الصارمة في حق المخالفين للمقتضيات القانونية المرتبطة بتدبير النفايات الطبية والصيدلية. - العمل على المراقبة الدورية من لدن السلطات العمومية، طبقا للقانون، فيما يخص جمع النفايات الطبية ونقلها وتخزينها والتخلص منها أو تثمينها. - القيام بإعداد نظام داخلي نموذجي خاص بتدبير النفايات الطبية في كل المؤسسات الصحية ونشر الوعي به بين مختلف العاملين المعنيين الذين يتعين كذلك تطوير معارفهم ومداركهم القانونية في هذا المجال. خاتمة : لا جدال أن تدبير النفايات الطبية لا يتلخص في الجوانب التقنية والقانونية فحسب،بل هو موضوع متعدد الأبعاد تتداخل فيه العناصر الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية، من هنا وجب إعمال مقاربة شمولية تتوخى إدماج كل هذه العناصر في إطار خطة وطنية متكاملة هادفة إلى تدبير جيد وفاعل لمسألة النفايات الطبية و الالتزام بتنفيذها على المستويين الوطني والجهوي، مع إشراك جميع المتدخلين في هذا الميدان لاسيما المؤسسات الصحية المعنية مباشرة بتدبير هذا النوع من النفايات،دون إغفال نشر الوعي بخطورة النفايات الطبية وآثارها البيئية والصحية بين مختلف الفئات المجتمعية وذلك بالاعتماد على الدور التوعوي لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المرئية و المسموعة والمكتوبة.