الكلمة الأمازيغية "إسناين"، مفردها "أسناي"، وتصعب ترجمتها حرفيا، لكنها في سياق هذا المقال تعني "الوزراء"، أو الأشخاص الذين يوفرون الدعم والمساندة للعريس أثناء حفل الزواج.. قد تعني شخصا يقوم بوظيفة أخرى عند قبائل وثقافات أمازيغية أخرى، لكن "إسناين" الذين يكونون في الغالب ثلاثة أو أربعة في أعراس قبائل أيت عطا يُؤَدون أدوارا مصيرية، وقد يؤدي تقصيرهم أو غضبهم إلى عواقب وخيمة جدا، كما قد يغير سوء اختيارهم الأفراح إلى أتراح.. "إسناين" واللصوص تبدأ مهمة "إسناين" لدى أيت عطّا منذ مساء اليوم الذي يسبق بداية العرس، إذ يتم تكليفهم بالذهاب نحو بيت العروس ليرافقوها نحو بيت زوجها، رفقة أهلها. ويُصر أهل العريس على اختيار "إسناين" من طينة الرجال الصبورين والأقوياء القادرين على تحمل جميع أنواع الاستفزاز؛ وقديما كان يتم تسليحهم بشكل جيد لكي يستطيعوا الدفاع عن العروس وأهلها إذا ما هاجمهم أعداء ولصوص، وبعد استتباب الأمن تم استبدال البارود الحقيقي ب"الفرشي" و"الحراقيات"، وبقي لفظ "اللصوص" يُطلق على أشخاص من أهل العروس وجيرانها، يحاولون استفزاز "إسناين" وإغضابهم. لماذا لم تعتذر؟ من الأهازيج التي ترددها النساء من أهل العروس أثناء وصول "إسناين"، إلى جانب مواويل الترحيب والمتمنيات السعيدة، قولهن: "أَيِسْنَايْنْ مَڭاوْنِكَّا وْرْ سَالاغْ"، أي "يا أيها الرجل الذي قَبِل وظيفة أسناي لماذا لم تعتذر عنها؟"، في إشارة إلى أنه يجب ألا يكون سريع الغضب، وأن امتحانا عسيرا ينتظره، ويجدر به أن يعتذر عن هذه المهمة إذا كان سيؤديها بشكل غير مشرّف. يُشترَط في أسناي أن يرتدي "جلابية" بيضاء وبلغة وجوارب وعمامة، ويضع الكُحل في عينيه، ويُقدّم هدايا العريس لأهل العروس، والنساء يرددن الأهازيج الشبيهة بالأذكار، يزغردن ويطلق الشبان فرقعات في الهواء تعبيرا عن الفرح... وأي تقصير منه في هندامه يعرّضه لعقوبات غريبة، غير مكتوبة في دستور ما، لكن يُبدعها أشخاص يرغبون في إضحاك الناس، وجعل "أسناي" مادة دسمة للسخرية والتندر. إكرام "أسناي" مع ذلك فإن "إسناين" عندما يُسلمون الهدايا لعائلة العروس يتم إكرامهم، إذ يستضافون في بيت خاص أو مع الأهل، ويُطعمون جيدا، وينزلون منزلة كبيرة، ويتم توفير سبل الراحة لهم، في انتظار تجهيز العروس للانطلاق بها بعد العشاء، أو بعد صلاة الصبح، أو قبيل شروق الشمس، حسب المسافة التي تفصل بين منزل الفتاة والفتى. عندما يتم إلباس العروس بما تقتضيه الأعراف القبلية المتوارثة، تصعد إلى الدابة أو السيارة، كما تصعد إلى جوارها أمها وقريباتها وبعض الأطفال عندما يتعلق الأمر بسيارة، أو بموكب من السيارات، إلا أن ذلك لا يعني انطلاق الرحلة نحو بيت الزوجية... ما إن يخطو الموكب بضع خطوات حتى يظهر مجموعة من الشبان لإعاقته والوقوف قبالة السيارة التي تحمل العروس، وترديد "أحيدوس"، غير آبهين بأصوات منبهات السيارات ولا برغبة أهل العروس في التقدم. عقوبات غريبة حسب القوانين الشفوية لأيت عطّا، فإنه يحق لشبان الدوار من أقارب العروس وجيرانها أن يوقفوا الموكب للتأكد من أن "إسناين" يرتدون كامل زينتهم، وأن ملابسهم التقليدية كاملة، واختلال أي شرط من الشروط الواجب توفرها في هؤلاء الوزراء يعرضهم لعقوبات تأديبية غير محدودة، تختلف باختلاف المنطقة وخيال الشبان؛ كأن يُرغم أسناي على ارتداء ملابس نسائية، أو يرقص وسط النساء، أو أن يطلب منه أن يغني، أو أن يمثل شخصية ما، أو يُحكم عليه بترقيق صوته كامرأة، أو أن يبدأ في ترديد لازمة من أحيدوس كما تفعل نساء القرية، وأحيانا يكلف بمهمات أخرى حسب الزمان والمكان، وما عليه سوى أن ينفّذ، لأن تعنته لن يفيده في شيء؛ بل إن مجموعة من الشبان ينتظرون منه أن يرفض كي يُعيقوا حركة مرور الموكب لساعات طويلة.. وقد تتطور الأمور إلى تدخل السلطات. طقوس تؤدي إلى انفلات أمني قد يكون واضعو هذه الطقوس يرومون منها التعبير عن "غلاء" العروس وكونها عزيزة، وأن إخراجها من القرية يتم بشروط، وليست كأي شيء يمكن حمله والسفر به بعيدا دون أي جلبة، إلا أن بعض الشبان يفرطون في استفزاز "إسناين"، وفرض عقوبات حاطة من الكرامة أحيانا.. وأحيانا يتطور النقاش إلى أن يصل إلى عراك بدني، بسبب إصرار أهل الدوار على أن ينفذ إسناين ما يُطلب منهم. يحكي سعيد فاتح، من إمي نْ واسيف، كيف أن شبان القرية وضعوا أحجارا كبيرة في طريق موكب زفاف، بهدف منعه لبعض الوقت، كما تقتضي الطقوس، ما جعل أحد "إسناين" يغضب، ولما دخل في نقاش مع شاب أصر على توقف الموكب، وكان في حالة سكر، تطور الأمر إلى تبادل الشتائم، واشتد الغضب، فتمت دحرجة جذوع أشجار لغلق الطريق أمام الآلية التي تقل أهل العروس، بل إن شابا جلب زيت المحرك المستعمل وقام بسكبه على النساء، فتلطّخت الملابس وكادت الأمور أن تتطور إلى حرب أهلية قبلية لولا تدخل السلطات. وليس ما ذكره فاتح حالة معزولة، فالتاريخ المحلي يحتفظ بأحداث كثيرة، تحولت فيها رغبة "اللصوص" في استفزاز "إسناين" إلى مواجهات بالعصي، وتهريب العروس بملابس عادية دون طقوس، لاسيما مع وجود عداوات أسرية وقبلية وانتخابية، تنتهي بتدخّل رجال الدرك لردع المعتدين، ودعوة الجميع إلى ضبط النفس. صاحب المهمات الصّعبة إذا ما نجح "إسناي" في امتحان نقل العروس من بيتها إلى بيت زوجها، دون حدوث مواجهات ولا عراك، فإنه يكون قد قطع جل المسافة.. ما عليه سوى الاستسلام لعقوبات مزاجية أحيانا كي يسلم من العواقب الوخيمة، اتقاء شر شبان تقودهم رغبتهم في الحفاظ على تقاليد الأجداد إلى ابتداع بنود عقابية غير مدونة في أي قانون. لما تصل العروس إلى مكان زوجها في أمان، يتنفس "أسناي" الصّعداء، ومع ذلك يبقى رهن إشارة العريس، ينفذ أغلب الطقوس المتعلقة به، كما يسهر على تقديم الطعام أيضا لأهل العروس، طوال ثلاثة أيام من طقوس ضاربة في الأصالة، مازالت تُطبّق إلى حد الساعة.