أحدثت نتائج الاستفتاء الذي أجراه البريطانيون حول رغبتهم في البقاء بالاتحاد الأوروبي من عدمه رجة كبيرة ليس فقط داخل بريطانيا أو الاتحاد الأوروبي، وإنما في مختلف الأسواق والبورصات عبر العالم، وذلك بالنظر إلى المكانة التي تحظى بها بريطانيا في الخريطة العالمية على المستوى الاقتصادي والسياسي، ما جعل العالم يحبس أنفاسه وينتظر ما ستؤله إليه تطورات ما بات يعرف بالخروج من اتحاد "بريكست". وبدا واضحا أن أغلبية البريطانيين قد تجاهلوا الآثار الاقتصادية الوخيمة التي قد تنجم عن خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن هناك معارضة شديدة من قبل الاسكتلنديين لهذا الخروج، ما دفعهم إلى طلب الاستقلال عن بريطانيا، في حين شهدت بلاد الغال (ويلز) أعلى نسبة من المصوتين لصالح وضع حد لوجود البريطانيين ضمن دول الاتحاد الأوروبي. ساعات قليلة بعد إعلان نتائج الاستفتاء، تراجع سعر الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوياته منذ ثلاثين سنة، يورد موقع "ذا إيكونومست" الذي قدم ما اعتبرها وصفة من أجل التقليل من النتائج السلبية لهذا الخروج؛ حيث توقع أن يدخل الاقتصاد في هذا البلد مرحلة ركود. كما أن ارتدادات هذا الاستفتاء امتدت إلى بلدان أخرى، ودفعت بالجبهة الوطنية الفرنسية إلى المطالبة بأن تسير باريس في الاتجاه الذي ذهبت فيه بريطانيا، ما يهدد وجود الاتحاد الأوروبي الذي كان من بين أبرز عوامل الاستقرار في أوروبا على مدى أكثر من نصف قرن. وتوضح "ذا إيكونومست" أن البلاد في حاجة إلى ما أسمتها "البراعة السياسية" من أجل تجاوز الصعوبات التي تواجه بريطانيا، خاصة على المدى القصير. كما أنه على المدى البعيد، ستشهد أوروبا إعادة رسم الخطوط السياسية التقليدية، وستكون فترة من "عدم اليقين الضار"؛ إذ لا يعرف متى ستترك بريطانيا الاتحاد الأوروبي وبأي شروط. نتائج الاستفتاء أغضبت عددا من الأطراف، سواء تعلق الأمر بالإدارة الأمريكية الحالية أو رؤساء حلف شمال الأطلسي وصندوق النقد الدولي، والذين كانوا قد دعوا البريطانيين إلى التصويت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، فيما اختاروا "الذهاب في اتجاه الشعبوية الغاضبة"، يضيف المصدر ذاته. رئيس الوزراء الإنجليزي ديفيد كاميرون لم يكن الرجل الذي يستطيع أن يخلق الخيار؛ ذلك أنه دعا، بتهور، إلى الاستفتاء، ثم قاد حملة فاشلة، ليظهر بعدها أن سوء تقدير كارثي تم في المرحلة الحالية في وقت لا يمكن فيه التفاوض بمصداقية كبيرة من أجل مغادرة بريطانيا للاتحاد، وكان عليه أن يفتح المجال أمام رئيس جديد من أجل التفاوض حول هذا الاختيار. ويرى عدد من المراقبين أن مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي ستزيد من عزلتها وانغلاقها، وستصبح أقل دينامية في وقت كانت فيه القلب النابض لهذا الاتحاد رغم أنها لم توقع على اتفاقية "شينغن"، في حين قالت "ذا إيكونومست" إن نتائج الاستفتاء ستكون كارثية على البلد أكثر من المتوقع، ذلك أن هذه الوضعية تأتي بسبب الاستياء الذي تشعر به عدد من الدولة، خاصة تلك التي تعاني اقتصاداتها، كما هو الحال بالنسبة لإيطاليا واليونان.