عرف المطبخ المراكشي بمأكولات تضرب في عمق التاريخ اقترن اسمها بالمدينة الحمراء، على رأسها "الطنجية" التي يزداد عليها الإقبال في ليالي شهر رمضان، ويقدمها أهل مراكش لزوارهم في كل الحفلات والمناسبات. فالطنجية يا لحباب ** بنت المعنى والصواب قدمها بالترحاب ** للضيوف ولحباب فالعراصي ولقباب ** والجنان الخلاب هكذا تصف لطيفة العاصمي الأكلة التي لم تكن عبثا، بل كانت ضرورة لدى الحرفيين الذين كانوا يمكثون بمحلاتهم طيلة النهار، وبعدها يقومون بتسويق منتوجهم، ما يمنعهم من العودة إلى المنزل، فكانوا يحضرون الطنجية بمساهماتهم المالية، لذا "كانت أكلة ذكورية بامتياز". لقد ارتبطت الطنجية، تضيف المتحدثة ضمن لقاء بهسبريس، بالنزاهة لدى كل الفئات من حرفيين وأصحاب الملحون، وبمناسبة سلطان الطلبة؛ والمقصود الطالب المتفوق، و"التخريجة" (إتمام حفظ القرآن)، ونزاهة "الحق"، ويترتب على من قام بتصرفات تمس بالأعراف، ونزاهة العريس، و"المخاطرة"؛ أي المراهنة. العاصمي، صاحبة كتاب "الطنجية المراكشية ومحيطيها من الأدبيات الشعبية"، أوضحت أن هذه الأكلة لا تحلو إلا في الفضاء الأخضر، سواء كان عموميا كجنان "قاو قاو" أو "أكدال" و"بن وال" و"الحارثي" و"مولاي عبد السلام"، أو خصوصيا كعرصة "إبراهيم إبراهيم" والكحيلي" و"عرصة الملاك" و"نومنقار" و"بلقاضي". أما اليوم، فقبل الإفطار يقصد المراكشيون الأفران التقليدية للحمامات "لفرناطشي"، التي تتقن فن طهي "الطنجية"، وبعد صلاة التراويح يتوافد الناس على الفضاءات المفتوحة بواحة سيدي يوسف بن علي أو شارع محمد السادس أو الشريفية، ليتوزعوا ضمن مجموعات تضم أفراد الأسرة الواحدة والمعارف والأصدقاء لتناولها. "الطنجية" المراكشية، تورد عاشقة الأكلات التقليدية، أنواع عدة، فهناك "المكمنة" (نسبة إلى الكمون)، و"بالشواء" أو "اللحم معلق بالقصب" أو "معسل" بالتمر أو التين، و"الكرعين" بنوعيهما، و"الضلعة" و"لهمامس"، و"لحم الرأس". وأشارت العاصمي "إلى أن للأكلة انتماء اجتماعي"، فالأسر الميسورة كانت تحضر الأصناف السابق ذكرها، أما الحرفيون "فكانوا يهيئونها بالقطاني والخضر في معظم الأحيان". واسترسلت المتحدثة قائلة: "الطنجية يحضرها شخص ذو مهارات في اختيار لحمها ومقادير التوابل ومقدار السمن والزيت والماء، إلى لحظة إفراغها أمام المدعوين، والويل لمعدها إن لم ترقهم، فسيتعرض لكثرة التعاليق: ها الما والزغاريت، وها شاريج لمنارة". هذه الأكلة التقليدية، تؤكد العاصمي، يصاحبها "أتاي النشوة"، الذي يؤثث الجلسات الحميمية والمناسبات والأفراح، ويهيأ وحده أو مضافا إليه "التخالط" من "سالمية ومرددوش واللويزة ولعطرشة". ولم يفت المتحدثة نفسها أن تشير إلى ما تعرضت له "الطنجية" من تحولات اليوم؛ حيث أضحت من الكماليات، وتطهى ب"الكوكوط" على نار الغاز من طرف أناس يفتقرون إلى فن وثقافة إعدادها.