اشتهرت مدينة مراكش فضلا عن كونها الوجهة السياحية بالمملكة لما تزخر به من مواقع سياحية خلابة وفضاءات تاريخية وحدائق غناء، بأصالة وتفرد فنون الطبخ التي ساهمت في توسيع نطاق صيتها العالمي. وقد عرف المطبخ المراكشي بتميزه بمأكولات لها تاريخ عريق جعلت ذكر المدينة مقرونا باسمها وفي مقدمة هذه المأكولات الطنجية المراكشية التي يزداد الإقبال على تناولها في ليالي شهر رمضان الكريم حيث لا تحلو "النزاهة" بدونها. بعضهم يمتطي دراجات نارية وهوائية وآخر راجلا محملا بآنية طينية مغطاة بإحكام بقطعة ورقية، يتوافدون على الأفران التقليدية وخاصة بالمدينة العتيقة حيث يوجد من خبروا فن طهي الطنجية. إنه مشهد يتكرر مع حلول شهر رمضان الكريم، في عشق أكلة لها تاريخ عريق وتكاد تقترن زيارة المدينة بتناولها. تفردت مدينة السبعة رجال بهذه الأكلة الشهية الشعبية التي لا تشاركها في براءة صنعها مدينة أخرى، وحتى إن وجدت فلن ترقى إلى الطنجية المراكشية بمذاقها اللذيذ، فكنه وسر تحضيرها لا يدركه إلا المراكشيون. ومع حلول شهر رمضان المبارك يزداد الإقبال على هذه الأكلة التي لا تتطلب كثيرا من المقادير. وتفنن المراكشيون في تحضيرها فلم تعد مقتصرة على لحم الجمل والغنم والبقر بل أصبحت تحضر أيضا بلحم الدجاج و"الكرعين" (الكوارع) بالحمص والفاصوليا وبالخضر وبالأرانب. ويعكس هذا الإقبال الحركية التي تشهدها الأفران التقليدية وخاصة بالمدينة العتيقة ، كما يسهم هذا الإقبال في انتعاش ولو بشكل نسبي لمهنة "الفرناتشي". وتضفي الطنجية على ليل مراكش في شهر رمضان الذي يتزامن مع فصل الصيف الذي تعرف فيه المدينة الحمراء ارتفاعا مفرطا في درجات الحرارة ، رونقا خاصا فحولها يلتئم الخلان على جنبات بعض الشوارع الكبرى بالمدينة وبالفضاءات الخضراء وسط المدينة وبمداخلها. وكان الصناع التقليديون المراكشيون "الصنايعية" يلتئمون فيما بينهم يوم عطلتهم في مجالس علمية تتناول سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسير الأنبياء وتخصص أيضا للذكر والسماع والمديح، تسمى "النزاهة" فيتطوع أحدهم بتحضير الطنجية التي كانت تعد في بداية الأمر في آنية من النحاس تسمى "الطنجير" مرصعة بالفضة حتى لا يطالها الصدأ وفي "الطاجين السلاوي"، يقول الحاج الفاضل الذهبي أحد الطباخين المراكشيين الذين خبروا تحضير الطنجية على مدى عقود من الزمن. ومن أجل تخفيف العبء عن النساء في البيت وإراحتهن من مشاق الطبخ، يقول الحاج الفاضل ذو ما يفوق ال90 سنة، فكر أحدهم في طريقة جديدة للتحضير تتمثل في وضع اللحم والمقادير الأخرى في إناء من الطين "القلوشة" وإيداعها في الفرن.