تفتح هسبريس هذه الزّاوية خلال شهر رمضان لمجموعة من الفنانين الأمازيغ، خاصة الممثلون الذين أفنوا أعمارهم في التمثيل، ليتحدثوا عن تجربتهم الإنسانية، بداياتهم، طفولتهم، وقصة ولوجهم إلى المجال الفني. فنانون يعرفهم الصغير والكبير، من خلال أعمالهم التي اشتهروا بها منذ ما يزيد عن عقدين، بعضهم لازال يتسلق جبلَ النجاح، وبعضهم "اعتزل" وطرق أبواب الضيعات والمعامل، بحثا عن لقمة العيش، وآخرون يعانون في صمت دون أن يجدوا أذنا صاغية، بعد أن تنكر لهم الجميع، وهم الذين أفنوا زهرة شبابهم في إمتاع الجُمهور وإضحاكه.. يتحدثون بكل عفوية، ولا نغير شيئا من كلامهم سوى ترجمته من الأمازيغية إلى العربية. السعدية أباعقيل: قضيتُ جزءًا كبيرا من طفولتي بأكادير، بالبَاطوار، خاصة زنقة بن تاشفين، ودرستُ بمدرسة تالبرجت. كنت أشارك في المسرحيات المدرسية، لكنني تركت مقاعد الدرس مبكرا. أثناء زلزال أكادير، كنت طفلة صغيرة، لا تعي ما يدور حولها، لكنني لازلت أتذكر مشهدا مؤلما بقي موشوما في ذاكرتي: أعتقد كنت أنني في سن السابعة أو الثامنة من عُمري حين مررت بجانب سينما السلام، بُعَيدَ الزلزال، فشاهدتُ رجالا يضعون كمامات على أنوفهم لتفادي رائحة الجثث، ويجمعون جثثا كثيرة في خندق ويطمرونها.. وكلّما مررت بجانب هذه البناية إلا ويتراءى لي المنظر المؤلم من جديد. مارست المسرح بدور الشباب منذ 1968، وانقطعت عن ذلك لما يزيد عن أربع سنوات، لظروف عائلية؛ فلم يكن من السهل أن ترتاد المسارح ودور الشباب لممارسة المسرح، خاصة إذا كنت أنثى أمازيغية. وعُدت إلى عالم الفن، فبدأت في ترديد اللازمات مع الرّايسات والروايس أيضا..غنّيتُ مع الرايسة رقية تَالْبْنْسِيرْت، ومع الرايس أهروش، وابراهيم أشتوك، والحسين أشتوك وغيرهم. بداية التمثيل مثّلتُ في 111 عملا فنيا، أولها كان سنة 1994، وهو فيلم "أنكمار" للمخرج العربي أنتيت، الذي أديت فيه دورا ثانويا، كحطّابة؛ وبعد ذلك سأل عني المخرج أحمد بادوج، الذي أشكره كثيرا وأعتبره أستاذي في التمثيل والفن، فتوالت أعْمالي، مثل "تازّيت نْ وَنْغَا" (شوكة في الحلق)، "عيشَة بِيهي دْ تَارْوانس"، (عيشة بيهي وأبناؤها) الذي نجح كثيرا، حتى إن الكثير من الناس لازالوا إلى حد الساعة ينادونني بلقب "عِيشَة بِيهِي". أحببت جل الأعمال التي شاركت فيها، لكن أقربها إلى قلبي "عائد من الموت" للمخرج ابراهيم الشكيري، و"أوناروز" لعبد الله العبداوي، و"أومحْضار" لمسعود اليازيدي. الفنان والسماسرة على الفنان أن يقول الحقيقة عندما يجد الفرصة لذلك، لا أن يكذب و"يضحك على نفسه".. عليه أن ينقل واقعه للناس والمسؤولين، ليعرفوا أن الأمور ليست على ما يُرام، لعل الوضع يتغير إلى الأحسن، ولعل غدا مشرقا يأتي. أشعر بأن هناك نوعين من الفنانين بالمغرب؛ فنّان "بْلدي"، وآخر "كْروازي"، وشتان بينهما.. الفنان "البْلدِي" هو الذي يعاني أكثر. وأنا هنا لا أقصد أن العيب في الفنان العربي أو الناطق بالدارجة، لقد تعاملت معهم وهم يحترموننا ويعاملوننا بشكل جيد، لكن الفنان الأمازيغي يحتقر نفسه.. ثم إن الذنب الكبير ذنب السماسرة والوسطاء الذين هم في الغالب أمازيغ أيضا. عندما تستفيد أكادير من دعم لإنجاز فيلم أو مسلسل مثلا، لا يسأل السماسرة عن الفنانين المُحترفين، بل ينادون على أصدقائهم وعائلاتهم، وإن كانوا دون تجربة ولا يتوفرون على بطاقة الفنان؛ ما يجعلنا نحن الذين نمتهن هذه الحرفة لا نجد شغلا نقوم به..هذه مهنتنا، فماذا سنفعل إذا لم نشارك في الأعمال الفنية التي أفنينا عمرنا في إنجازها ولم نربح منها سوى الوجع وحب الناس؟ ولولا هذا الحب الذي يغدقه علينا الجمهور الأمازيغي والمغربي عموما لما استمررنا في هذا الفن الذي نعطيه دون أن نأخذ منه.. أنا لست ضد أن يجلبوا بعض الفتيات من الحانات والعلب الليلة لتمثيل بعض الأدوار، كما يفعل البعض مؤخرا، لكنني أقول إن الأسبقية يجب أن تكون للمُحترفين. رسالة إلى المسؤولين مشكلة الفنانين الأمازيغ أنهم لا يطالبون بحقوقهم، لإيمانهم بأنهم إن تكلموا فلا أحد سيسمعهم. لكن يجب أن نتكلم على الأقل، وعلى الساهرين على الشأن الفني والثقافي أن يلتفتوا إلينا، فالفنان الأمازيغي "محڭور" و"مهضوم الحقوق"، ويحتاج إلى الاهتمام. وبطاقة الفنان لا يتوفر عليها جميع الفنانين بأكادير ونواحيه، وفي الوقت نفسه يتوفر عليها من لا علاقة له بالفن؛ أما بالنسبة للذين يتوفرون عليها مثلي، فهي لا تُخول لهم أي حق، ف"الكاستينغ" واختيار الممثلين يتم بالبطاقة الوطنية فقط، ولا تُعطى الأسبقية لمن يعيش من هذه المهنة. رسائل إلى الفنانين أعترف بداية بأنني أحبكم، ذكورا وإناثا، وأتمنى لكم موفور الصحة وطول العمر، وأريدكم أن تتحدوا وتتحابوا، وأن تُبعدوا عنكم الحقد والضغائن والحسد والنميمة، وأن تُفرّقوا بين عمل الشخص وحياته الخاصة.. لو كان لدينا فنانون واعون بدورهم ونبل رسالتهم، لبلغ الفيلم الأمازيغي شهرة عالمية، فالفن قوي، ويعالج قضايا مجتمعية، ويوَعّي الآباء والأبناء.. ولا يوجد فيلم أمازيغي بدون أي رسالة راقية. الفيلم الأمازيغي فيلم محترم، ولو لم يكن كذلك لما وجدته داخل كل بيت، يشاهده الناس جماعة دون خوف من أي حرج، وأتمنى أن يبقى محترما.