تفتح هسبريس هذه الزّاوية خلال شهر رمضان لمجموعة من الفنانين الأمازيغ، خاصة الممثلون الذين أفنوا أعمارهم في التمثيل، ليتحدثوا عن تجربتهم الإنسانية، بداياتهم، طفولتهم، وقصة ولوجهم إلى المجال الفني. فنانون يعرفهم الصغير والكبير، من خلال أعمالهم التي اشتهروا بها منذ ما يزيد عن عقدين، بعضهم ما زال يتسلق جبلَ النجاح، وبعضهم "اعتزل" وطرق أبواب الضيعات والمعامل بحثا عن لقمة العيش، وآخرون يعانون في صمت دون أن يجدوا أذنا صاغية، بعد أن تنكر لهم الجميع، وهم الذين أفنوا زهرة شبابهم في إمتاع الجُمهور وإضحاكه.. يتحدثون بكل عفوية، ولا نغير شيئا من كلامهم سوى ترجمته من الأمازيغية إلى العربية. فاطمة بوشان: من مواليد 1954 ولدتُ بمنطقة إكيدار قرب الدراركة، قضيتُ جزءًا من طفولتي بالباطوار بأكادير، أثناء زلزال أكادير كنت راقدة بالمستشفى، ولا أذكر منه شيئا، كل ما أذكره أننا انتقلنا للعيش بعد ذلك الدمار بمسقط رأسي، ولم نعد إلا بعد سنة. غادرت مقاعد الدراسة سنة 1968، بعد نيلي ما يسمى وقتها "الشهادة". البداية اشتغلت في فيلم "ليتيهال أومْغار" لمُخرجه المرحوم محمد مرنيش سنة 1993، كان ذلك أول عمل فني أقوم به، ثم فيلم "إِكنِيونْ" للحسن بلحاج، ثم "أناروز"، فتوالت الأعمال. لقد تجاوزت الآن ما مَجمُوعه 100 عمل فني، بالعربية والأمازيغية، بين الأفلام والمسلسلات والمسرح والسيتكوم، لكن أَحَبّها إلى قلبي فيلم "حمو نامير" و"الطريق إلى كابول"، وغيرها.. شاركت أيضا في مسلسل أمريكي، وبعد رمضان سأشتغل رفقة جزائريين من القبايل على عمل سينمائي بالأمازيغية. العرب والأمازيغ نحن مغاربة، يجمعنا وطن واحد، أرض واحدة، الفرق بيننا هو أن هناك من يتحدث الدارجة وهناك من يتحدث الأمازيغية، وكلنا سواسية، مع ذلك أشعر بالراحة أثناء اشتغالي مع منتجين عرب. عكس الاشتغال مع بعض المنتجين الأمازيغ، الذين يستغلون إخوانهم، فيقولون لك "تْعَاون معَانا"، ليبرروا التعويض الهزيل الذي سيعطونه لك كمقابل. المنتج الأمازيغي هو الذي يمارس التمييز ضد بني جلدته. أذكر أنني اشتغلت مع ممثل أمازيغي في فيلم، كنت أمّه في ذلك الفيلم، بعد مدة أصبح مخرجا ثم منتجا، ونادى عليّ لأشتغل معه، فقال لي بتكبر وعنجهية "لقد أردت أن تشتغلي معي لأُظهرك من جديد، بعد غيابك عن الساحة"، أخبرته بأنني لا أنتظر أحدا ليظهرني، فأعمالي تُعَرّف بي وجمهوري يعرفني. تبرير الفشل كثيرا ما أسمع من فنانين أمازيغ أنهم مهمشون، وإن كنت لا أحب من يتحدث بصيغة الجمع، من كان مهمشا فليقل "أنا مهمش"، ولا يتحدث باسم الجميع، لأن العديد من هؤلاء إنما يحترفون التباكي ويسعون إلى تبرير فشلهم. أنا لست مهمشة، لم يقصيني أحد، وعلى المرء أن يعطي قيمة لنفسه قبل أن يطالب الآخرين باحترامه. "وَنّا يْوتْنْ أَفُوسْ نْسْ أُورْدَا يَالّا"، لا يحق لك البكاء إذا ضربت نفسك. هناك مجموعة من الفنانين يتفقون مع المُنتج حولَ قيمةِ مقابلهم في عمل ما، يوقعون العقد عن طيب خاطر، وبعد ذلك يقولون لقد ظلمونا، لقد جمعوا المال ومنحونا الفتات. أنتَ وقعتَ عقدا بقيمة 60 ألف ريال، وعندما علِمْتَ متأخّرا أن ميزانية المسلسل 300 مليون، بدأت تصرخ وتقول بأنك مهمش ولا تنال حقوقك، لو كنتَ أيها الفنان تُعطي القيمة لنفسك وتتفاوض حول أجرك وترفض الاشتغال إذا وجدت أن التعويض مهين بالنسبة لك، لقدّرك المنتجون والمخرجون ولتعاملوا معك بما تستحق من احترام. الفن والتسول هناك من يمارس التسول وليس الفن، ومن الطرائف التي وقعت لي أنني كنت في سفر رفقة مجموعة من الفنانين، وتوقفنا لتناول وجبة الغذاء في إحدى المحطات. أردنا تناول الطاجين، فطلب أحد الفنانين من مالك المقهى أن يعتمد ثمنا ملائما لأننا مُجرد فنانين! لن تتصور مقدار غضبي من تلك الجملة، هناك من تعوّد على تحقير نفسه من أجل مكسب تافه، في الوقت الذي عليك أن تجوع على أن تفقد كرامتك وتُذلّ نفسك من أجل لاشيء.. الأمازيغ والملتقيات هناك ملتقيات كثيرة، مهرجانات وطنية ودولية، لا يشارك فيها الكثير من الفنانين الأمازيغ، ليس لأنهم لا يستدعون لذلك، لكن لأن الكثير من الفنانين يرون أن هذه الملتقيات بدون أي فائدة. لقد خبرت ذلك، وشاركت في ملتقيات بالمغرب وفرنسا وألمانيا وفي جنيف، وأعجبت كثيرا بمهرجان وجدة السينمائي، ومن النادر جدا أن تجد فنانا من هؤلاء المعروفين في ملتقى خارج مدينة أكادير. لا يجب أن نلقي دائما اللوم على المسؤولين، ونطالبهم بأن يقوموا بكذا وكذا، من خلال تجربتي في المجال الفني، أستطيع أن أقول لكم ما خاب من طرق الأبواب، وما على الفنان الأمازيغي سوى أن يُبادر، وأن يجعل أعماله تُقدمه للناس ويأخذ بزمام المبادرة في كل الأمور، ولا يستصغر أبدا أي خطوة، فهناك من يحسب خطواته بمقدار ما يكسب منها من مال، فلا يتحدث إلى الإعلام ولا يشارك في ملتقيات ولا لقاءَات.