الممثل محمد بسطاوي فنان محبوب، شارك في العديد من الأفلام السينمائية والتلفزيونية والمسلسلات والسيتكومات. في هذا الحوار يتحدث عن مشاركته في فيلم «الصوت الخفي»، المتوج أخيرا في مهرجان طنجة، وفي مجموعة من أفلام المخرج كمال كمال. ويتحدث أيضا عن نظرته إلى السينما المغربية وعوائق تألقها، فضلا عن هموم الفن والفنانين في المغرب.
{ شاركت مع المخرج كمال كمال في كل أعماله السينمائية، وآخرها فيلمه الطويل المتوج في المهرجان الوطني بطنجة «الصوت الخفي»، كيف ترى اشتغالك مع هذا المخرج؟ في كل مرة ينادي علي كمال كمال للاشتغال معه، أعرف أني سأدخل مغامرة ما فيها الكثير من المعاناة، لكن دائما كانت النهاية مفرحة تنسينا كل تلك المعاناة، خصوصا أن كمال يصرف كثيرا على أفلامه، ويحرص على التدقيق في تفاصيلها، وكثيرا ما تكون هناك مشاكل تتعلق بالميزانية التي لا تكون كافية، ونضطر إلى الانتظار، كما حصل فعلا مع فيلم «الصوت الخفي»، حيث توقفنا كثيرا قبل أن نعود لإنهائه. ويبقى المهم في اشتغالي مع كمال كمال هو أني أؤمن بقدراته، وأعرف أن النهاية تكون دائمة جيدة، وتفاعل جمهور مهرجان طنجة، ثم تتويجه أثبت ذلك.
{ هذا يعني أن كمال كمال هو المخرج الذي تفضل التعامل معه؟ صحيح أني أؤمن بكمال كمال كمخرج مبدع، وفنان موسيقي يعرف كيف يوظف هذا في أعماله، ما يطبعها ببصمة جميلة خاصة، لكن هناك مخرجين آخرين مبدعين غيره، هم أصدقائي، الذين لا أشتغل مع غيرهم.
{ كيف ترى مستوى السينما المغربية من خلال الأفلام التي شاهدناها خلال مهرجان طنجة السينمائي الجاري؟ السينما المغربية تمضي من حسن إلى أحسن، لكن هناك «تافضوليت» في العمل السينمائي، وبعض الأعمال التي عرضت ضمن المهرجان لا ترقى إلى أن تعرض في مهرجان وطني أو غيره.
{ من تقصد ب«الفضوليين»؟ للأسف كثيرا ما نجد مخرجا له اسمه ووزنه السينمائي، لكنه ينادي على «ناس من الزنقة» ليشخصوا أفلامه، ويهمل الفاعلية والقيمة التي يمكن أن يقدمها الممثل المحترف، على أساس أن الأول يمكن أن يعوضه، فتكون النتائج التي رأيناها، وهي بعيدة عن السينما.
{ أيعني هذا أنك ضد أن يشرك المخرج وجوها جديدة في أعماله؟ لا، ليس هذا. أنا لا مانع لدي من اقتحام أي كان للتمثيل، شريطة أن يكون موهوبا، والأعمال تتحدث عن نفسها.
{ كيف تحارب هذا التطفل الذي تتحدث عنه؟ أنا لا أحاربه، أشتغل مع الجميع، ولست مسؤولا عن ذلك. المخرج من يتحمل المسؤولية، وفي حالات أخرى المنتج هو من يتحملها، لأنه هو من يختار كل شيء.
{ وما رأيك في مستوى خريجي المعاهد؟ الدراسة وحدها لا تكفي، يجب أن تتاح لهم فرص للاشتغال من عمل للآخر، ومن كان بينهم موهوبا فإن السوق سيفرضه.
{ يقال إنك دخلت السينما بالصدفة، ما تعليقك؟ لم أكن أحلم يوما بأن أصبح ممثلا ومشخصا، لكن إذا كنت دخلت صدفة، فهذا لا يعني أنه ليس لي الحق في ذلك. وأنا لم أختر يوما الذهاب نحو التمثيل، لا في التلفزيون ولا المسرح ولا السينما، هم من اختاروني.
{ هل صحيح أنك في السينما كنت تقبل أي دور وإن كان ثانويا، فقط من أجل الظهور أو المال؟ ليس لدي مشكل في تأدية دور ثانوي إلى الآن، لأني لست أنانيا. الأمر لا يتعلق بالظهور أو المال. المهم بالنسبة إلي طبيعة الدور وقوته، وإن لم تتجاوز مساحته ثلاث دقائق، فقد تتاح لي فرصة تأدية أدوار قصيرة لا يمكن أن أؤديها طويلة.
{ ألا تندم على أدوار أديتها؟ أنا ممثل رغم أني لا أحب التمثيل، بقدر ما أحب التشخيص. أحب أن يجسد الفنان شخصية ما ويترك بصمته، وهذا ما أسعى إليه لأحظى بالمصداقية. ولا أندم على دور أديته، وإن كنت أخفقت فيه، لأن هناك من يتحمل المسؤولية معي.
{ هل أنت راض عما قدمته خلال مشوارك الفني إلى الآن؟ نسبيا أنا راض، لكني لم أشبع بعد، مازالت هناك أدوار كثيرة لم أشتغل فيها بعد.
{ وماذا عن أدائك أدوارا في أفلام عالمية؟ لم أتحدث يوما عنها، لأني أقوم بها فقط من أجل الحصول على المال. واشتغلت في هذا الصدد مع الإيطاليين والأمريكيين والفرنسيين والإنجليز، وأعمال كثيرة مع الإسبان.
{ بصفتك ممثلا، هل أنت راض عن الوضع الحالي الذي يعيشه الفنان المغربي؟ الفنان مازال يعاني غياب قانون يحميه، ومازال مستغَلا من قبل بعض الشركات المنفذة للإنتاج لأنه ليست لدينا شركات خاصة. مازال الفنان يضطر إلى التعاقد بالتراضي بعيدا عن المهنية، وبعيدا عما يخدم مصلحته. بحكم انتمائي إلى المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية لمحترفي المسرح، التي تضم ممثلين وسينمائيين، نسعى إلى تغيير هذا الوضع، تماشيا مع ما جاء به الكتاب الأبيض، وقد بدأنا تحقيق بعض الأمور الإيجابية للحصول على بعض الحقوق.
{ مثل ماذا؟ مثل الأعمال الدرامية التي يعيد بثها التلفزيون المغربي عشرات المرات، دون حق أو قانون، ولا نستفيد منها شيئا. وحتى على مستوى الحق المعنوي، مثلا، تتم ترجمة عمل من الدارجة إلى الأمازيغية دون حتى أن يؤخذ رأيك في الموضوع، وهذه السلوكات التي تنتهج ضد الفن والفنانين تصيبنا بالإحباط.
{ طيب، أعود بك إلى إحدى دورات المهرجان الوطني للفيلم. كنت انتقدت المخرج مصطفى الدرقاوي في عمل ما، هل كان الأمر سليما من الناحية المهنية؟ كل ما هناك، أنني كنت أغار على المخرج الكبير والمقتدر الدرقاوي، وأعشق أعماله وأدافع عن سينماه، بكل ما أوتيت من قوة في كل الملتقيات، وهذا الأمر جعلني أستاء حين رأيت عملا لم يعجبني، والأمر الذي قمت به آنذاك بحديثي عن الموضوع، كان سلوكا بدافع الغيرة على السينما، وقد ندمت عليه الآن. ولأنني أشتغل كمشخص، ما كان علي أن أتدخل في هذا الأمر، وكان يجب أن أترك الأمر للمهنيين من النقاد، دون انفعال.
{ فعلا، يقال إنك مندفع وانفعالي في مناقشاتك في الوسط الفني، هل الأمر مرتبط بغيرة على المجال الفني، أم هي طبيعة خاصة؟ أن يقال إنني منفعل دون سبب فهذه إشاعة. أنا أحب أن يكون كل في مكانه المناسب ليكون العمل سويا، لذلك أكره «تافضوليت» في المجال الفني، «اللي ما عندو ما يگول في هاد المهنة يمشي فحالو»، فقد صرنا نرى أعمالا لا تمثلنا كفنانين ولا تمثل مهنة السينما أو الفن عموما، ولا تمثل المغرب وثقافته التي تقدم باسمه، فكيف لا يمكن أن تنفعل أمام كل هذا. الآن وعيت باللعبة ونضجت أكثر، ولم أعد أتحدث عن الأمر الذي تركناه للنقاد الذين عليهم تحمل هذه المسؤولية.
{ بخصوص النقاد، هل ترى أنهم يقومون بمسؤوليتهم على أكمل وجه؟ النقاد غابوا بشكل ما، لكن أتمنى أن يقوموا بدورهم، وأنتظر في هذا السياق عمل الجمعية المغربية للنقاد.
{ وماذا عن رأيك في الممثل الذي يمر إلى الإخراج؟ ذلك حق مشروع، نحن في بلد ليبرالي، من يريد القيام بشيء فله ذلك. امتهان الإخراج ليس تنصيبا أو تتويجا، فالعمل الذي ستقوم به هو الذي سيمنحك هذه الصفة أو لا يمنحك إياها.
وماذا عنك؟ أنا لا أطمع، وليس لي طموح في ذلك. طموحي الكبير أن أنجح كمشخص وكممثل، ويحبني جمهوري وزملائي، الذين أبحث عن مكانة بينهم.
{ نعود إلى بداياتك، كانت مع المسرح، حدثنا عن ذلك؟ بالنسبة إلي كنت أعتقد أن المسرح لا يمكن أن يكون بغير العربية الفصحى. بداياتي كانت مع المدارس، حيث كنت أتسم بشيء من الجرأة التي كانت تخولني الاشتغال في مسرحيات عدة قبل أن أنخرط وأشتغل مع مجموعة من الفرق المسرحية الهاوية في خريبكة.
{ طيب، كنت تشتغل في المسرح فهاجرت إلى إيطاليا وعدت بعدها، لمَ هاجرت، ولمَ عدت؟ السفر كان من أجل الاطلاع، وكانت هناك طموحات في دراسة السينما، لكني حين عشت هناك، اكتشفت أن «الخارج ديال ماليه» فقررت العودة إلى المغرب.
{ وعدت إلى المسرح لتبدأ مسارك الفني؟ مساري الفني بدأته متأخرا، انطلاقا من المسرح، «المسرح الحديث» في الرباط مع مجموعة من الأصدقاء، بينهم عبد الله المباركي، وأمين عبد الله عراقي، وجاءت بعدها فرصة الاشتغال مع عبد الواحد عزري ومحمد خيي ورشيد الوالي، وآخرين، وجاء تأسيس «مسرح اليوم» مع ثريا جبران، وهي التجربة التي استمرت عشر سنوات، وبعدها مع «مسرح الشمس» و«مسرح المدينة»، وتوالت الأعمال.
{ صرحت كثيرا بأن حبك الكبير هو للمسرح، لكنك لم تعد تشارك فيه مؤخرا، هل الأمر يتعلق بأمور مادية؟ أجل هو كذلك، لأن المسرح مجال صعب، وكما يقال «ما كيعيش». ولكني رغم ذلك عدت، بإلحاح من بعض الأصدقاء، ولأن الحنين أيضا شدني إليه، فعدت بعد 12 سنة من الغياب من خلال مسرحية «الباب المسدود» للمخرج يوسف فاضل رفقة محمد خيي ومحمد الشوبي وآخرين، بعد أن أخذنا التلفزيون والسينما «اللي كيعلمو العجز».
{ على ذكر التلفزيون، ألا تعتقد أنه هو من فتح لك باب النجومية؟ أنا لست نجما، وفي المغرب لا وجود للنجومية، وأنا لا أومن بالنجومية في غياب مقوماتها التي تنقصنا في بلدنا. وما أتمناه هو أن أكون أنسانا محبوبا من الجمهور لا غير، فأنا أحب الظل أكثر من الأضواء، والنجومية عند ماليها، و«النجوم في السما»، وأنا أعيش فقط على الأرض.
{ هل لك أن تحدثنا عن شيء أثر أو مازال يؤثر في حياتك؟ أكثر ما يؤثر في نفسي، وأحمد الله عليه، هو أني شخص متزوج من ممثلة أقدرها وأراها تتطور يوما بعد يوم، ورؤية أبنائي يتطورون، وينجحون، وهذا ما يدفعني أيضا إلى أن أستمر وأحقق النجاح، كما أني رجل مسكون بهذا الوطن، وأغار عليه وعلى مهنتي، وأحب أن أرى «الأعمال اللي كتحمر الوجه واللي كتشرف المغاربة». أحب أن يتقن كل واحد منا واجبه ارتباطا بالعمل الذي يؤديه.
{ على ذكر الواجب والإتقان، كيف ترى أداء الحكومة في هذا الصدد؟ إذ تحدثنا عن المجال الفني، فأقول إن الإصلاحات التي نهجتها لم تراع وضعية الفنان، وزادت من تأزيمها، والكل اليوم يعاني. وهنا أستحضر ما جاء في الرسالة المفتوحة التي بعث بها يوسف فاضل إلى وزير الاتصال، والتي جاء فيها: «لا أتمنى لك الذل الذي أغرقتنا فيه»، وأتمنى أن تؤخذ هذه الأمور بعين الاعتبار. والفنان من أبناء هذا الشعب، «ما كنقلبوش نكونو بحال فناني الميريكان وبالحراس».. نسعى فقط إلى تقديم أعمال جميلة وجيدة لهذا الشعب، ونريد من المسؤولين تقدير هذا، وتمكين الفنان من حقوقه.
{ ماذا عن جديدك؟ هناك ثلاثة أفلام سينمائية، دخلت مرحلة المونطاج، فيلم مع محمد مفتكر الذي قد يحمل عنوان «جوق العميان»، وفيلم «أكادير إكسبريس» مع يوسف فاضل، بالإضافة إلى فيلم «الوشاح الأحمر»، الذي أعتبره عملا وطنيا، من إخراج محمد اليونسي.
{ ألن تكون هناك أعمال تلفزيونية؟ بلى، هناك «سيتكوم».
{ يعني أنك مصر على الاشتغال في «السيتكومات»؟ أنا مرغم على ذلك، لأن الأمر يتعلق بضرورة العمل من أجل العيش، لكنني أسعى بالموازاة مع ذلك إلى الاجتهاد أكثر لتحقيق رضى الجمهور.
{ هل يمكن اعتبارك من الممثلين العصاميين على اعتبار أنك عانيت قبل أن تصل إلى ما أنت عليه الآن؟ كونت نفسي بنفسي، ولم أكن أحلم بأن أنجز شيئا مما لدي الآن. هناك مصادر عديدة يمكن أن يتكون من خلالها الفرد غير التكوين الأكاديمي، شرط أن تكون هناك الموهبة. وكان لدي أصدقاء في المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي كنت أشاركهم دروسهم، ما يعني أنني كنت أدرس في المعهد بطريقة غير مباشرة، بالإضافة إلى دراستي لمجموعة من الكتب التي تتعلق بفن الإلقاء وغيره، والتي اطلعت عليها خلال سفري إلى العراق، لأن الفرد يجب ألا يدخل معركة ما إلا وهو مسلح، وهو ما أخذته بعين الاعتبار.
{ تتم مؤاخذتك بكونك صرت نمطيا بتكرارك في فترة معينة شخصية الرجل البدوي، ما تعليقك؟ من يقول إني تنمطت في دور البدوي أدعوه إلى أن يشخصه. فقبلا «كانوا كيضحكو على البدوي»، لم يكن هناك تشخيص لهذا الدور، وأتيت لأقوم بالعكس، فقد شخصته بسكناته وحركاته وملامحه ونبرة صوته ولهجته، وقد بحثت كثيرا في المصطلحات البدوية بخلاف من يعتقد أن تشخيص هذه الدور أمر متاح لمن هب ودب، هؤلاء الذين يقولون ذلك هم بعيدون عن فن التشخيص ولا يفقهون فيه شيئا. ومن يعتبرني نمطيا فإنه لا يعرف ما معنى التشخيص، وقد أديت شخصية البدوي مرغما، تبعا للفضاء الذي اشتغلنا فيه.