ليس محمد بسطاوي مجرد ممثل يؤدي على الخشبة،أو أمام الكاميرا،أدوارا أسندت إليه، بحياد مهني مفتعل أو بدهاء تشخيصي مبيت، بل هو كما استمتعنا باكتشافه منذ مسرحية? حكايات بلا حدود? ، مرورا ب «بوغابة» و«نركبو لهبال» لمسرح اليوم، و «خبز وحجر» و»فانطازيا» لمسرح الشمس، وصولا إلى مجموعة من الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي تألق فيها، هو ممثل يجيد الإصغاء إلى نبض الشخصيات ويتمثل أحوالها وطبائعها واستكشاف خباياها قبل أن يشرع في «تمثيلها« وتقديمها للجمهور، وبذلك استطاع أن يشق لنفسه سبيلا خاصا يعفيه المضي فيه، بكل تأن ورصانة، من السقوط في أي استنساخ أو رعونة غير مضمونة العواقب. وهو فضلا عن ذلك فنان من عيار خاص: يلوذ بالتواضع المشروط من دون أن يتخبط في أية نجومية مستهلكة. في الحوار التالي تداول صريح، لا يخلو من تناوش ودود، مع فنان يدرك أن كل عمل جديد إنما هو بداية أخرى في مسار طويل، من المستحسن ألا ينتهي: - قبل الشروع في تسجيل هذا الحوارلمست ، من خلال حديثنا عن السينما المغربية، أنك غاضب الى حد ما من الأوضاع التي تعيشها .ما سر هذا الغضب؟ - كل سينمائي يطمح لأن يرى السينما المغربية تحقق ذاتها على أحسن وجه، وإلا سيشعر بنوع من الغضب. بمعنى أنه لن يكون فرحا مئة في المئة. لا أحد يجادل في كون السينما المغربية قد وصلت إلى ما وصلت إليه .هناك أفلام تسر القلب والناظر كما يقال، إلا أنني أرى أن السينما المغربية مازالت في حاجة إلى أن تضع النقط على الحروف حتى لا يبقى هناك هذا التسيب وهذه الفوضى التي تشهدها السينما المغربية على الصعيد العام في الأفلام السينمائية والتلفزيونية والسيتكوم . أنا إنسان أطمح إلى أن يدرك الناس مصدر هذه الرداءة التي تسم الإنتاج الوطني. صحيح أننا حققنا على مستوى الإخراج والتقنية والتشخيص أمورا كثيرة، لكن ما أتمناه هو أن يصبح الرجل المناسب في المكان المناسب . - وما دورك انت كممثل في توجيه السينما المغربية باتجاه تجاوز بعض جوانب الرداءة التي ألمحت إليها؟ - يبدو لي أن السينما المغربية تتميز عن باقي السينمات العربية بإيجابيات كثيرة، فهي من حيث التيمات التي تعالجها عميقة جدا ،غير أني لست مسؤولا بصفة شخصية عن مسار السينما المغربية، لأن العملية السينمائية تتضمن عناصر عديدة من سيناريو وإخراج وتقنيات،،، قد أكون مسؤولا عن الشق المتعلق بالتشخيص، ولذلك أحاول قدر الإمكان أن أساهم في تنبيه شركائي في الفيلم إلى ضرورة تعميق التشخيص حتى لا أكون مجرد أداة في يد المخرج تطبق تعليماته حرفيا، لأنني لا أومن بأن الممثل مجرد عجينة. يجب أن يكون الممثل مبدعا وأن يضيف جديدا إلى الفيلم وإلا فليبحث له عن شغل آخر. وأنا لا أحب الممثلين بل أحب المبدعين. - وكيف تعمل على أن يكون حضورك إبداعيا بالشكل الذي حددته في جوابك هذا؟ - أنا لا أخلط بين الفن والخبز. طموحي كبير لا كشخص بل من الجانب المهني حتى نضاهي الدول المتقدمة، نحن ليست عندنا «طروطوارات» في الدماغ، فبإمكاننا أن نفكر ونحلم ونبدع، لكن بشرط أن يختص كل بما يجيد عمله. وطموحاتي لا تحد بخصوص السينما المغربية بل إني أراها ستحقق نوعا من العالمية، بدليل أني ألمس في بعض الأفلام المغربية أنه لا ينقصها سوى القليل لكي تتألق ،على غرار السينما الإيرانية مثلا التي نشاهد لها أحيانا أفلاما تعوزها الإمكانات المادية إلا أنها تنم عن روح إبداعية ونزوعات إنسانية بوأتها مكانة كونية. حتى إن أحد الممثلين في هوليوود قام مؤخرا بزيارة إلى طهران ليتعرف على المخرجين المبدعين في إيران ليستفيد منهم. أنا لا يهمني أن أرى «أرنولد شفارتسينيغه « بنافذة في ذراعه وهو يحقق الخوارق في فيلم ما. الإنسان إنسان من لحم ودم ولديه مشاعر، وبالنسبة إلي السينما هي المشاعر والأحاسيس الإنسانية والمواقف النبيلة ،من أجل تغيير ما يمكن تغييره . - شاركت في أفلام تبدو لي ، من واجب الصراحة التي تستوجبها صداقتنا، أنه لم يكن من الضروري أن تشارك فيها .كيف تورطت في هذه الأفلام؟ - أنا مهنتي ممثل ، ولا أجيد عملا آخر غير التشخيص. لو أنني تلقيت تكوينا في مجال الترصيص أو الميكانيكا لكنت الآن رصاصا أو ميكانيكيا بارعا في عمله. أنا أحيانا أؤدي أدوارا غير مرضية نزولا عند رغبة بعض الأصدقاء ،وقد لا أتوفق أحيانا في تشخيصها كما يجب ، لكن هذا لا يعني أنني أسيئ الى هذه المهنة في شيء، وحينما أشخص دورا ما أحاول أن يكون أداؤه مختلفا عن سابقه. أنا لا أزعم أنني توفقت في جميع أدواري ، وكل ما أحاوله هو أن أكون ممثلا وشخصا مبدعا. - يتهمك البعض بأنك لا تشخص سوى الأدوار البدوية؟ - لا، لا ،لا، البداوة تشكل نسبة كبيرة في البلاد، والبدوي ليس هو الشخص « المكلخ» ، إنه إنسان يشعر ويتألم. ومن يقول إنني لا أشخص سوى الأدوار البدوية فليجربها !هذا عمل أقوم به وأبحث فيه ،والبدوي في اعتقادي هو شخصية متميزة، والبدو الذين شخصتهم كل منهم يختلف عن الآخر، والسؤال الذي ينبغي طرحه هو : ما البداوة؟ أما أنا فإني أحاول أن أنطق بلهجة البيئة التي يصورها الفيلم، فالبدوي الذي قدمته في «أولاد الناس»، ليس هو نفسه الذي قدمته في «جنان الكرمة» ولا» في دواير الزمان» ولا في «حائط الرمل» أو في «خط الرجعة». وعلى الإخوة أن يدققوا في هذا النوع الذي أقدمه. أنا حريص على ألا أكون نمطيا ،واتهامي بالنمطية شتيمة لي . - لكنك تسقط في هذه النمطية من حيث لا تريد، ولذلك يبدو لي أن حضورك في المسرح كان أقوى من حضورك في السينما أو التلفزيون. - ربما لأن المسرح هو الأساس، أما في السينما أوالتلفزيون فالغاية هي إرضاء الجمهور، وأنا أحاول قدر الإمكان أن أحقق هذه الغاية بدون أي تنازل فني من خلال تشخيص أدوار قد تفرح الجمهور أو تبكيه أو تساعده على اكتشاف أسباب معاناته وإذا لم أتوفق في التشخيص (الغالب الله ) لقد بذلت كل ما في جهدي وكانت نيتي حسنة . - عجيب أمر هذه النية الحسنة ،غير أن محمد بسطاوي يبدو لي ماكرا بمعنى أنك لست عفويا في عملك بل إن لديك هاجسا فنيا يدفعك إلى تقديم شخصيات مغايرة لما يقدمه الممثلون الآخرون، إذن لا يمكن أن نقارن محمد بسطاوي برشيد الوالي او إدريس الروخ أو غيرهم. - أنا أعز كل الممثلين، والمشخصون الحقيقيون لا يحبون الممثلين الذين يتكلفون في أدائهم، لأن التمثيل الحقيقي هو ألا تمثل . وأنا أفضل الممثلين المبدعين الصادقين الذين يجتهدون من دور لآخر وأحترم كل الممثلين المغاربة لأنهم أصدقائي سواء أكانوا جيدين أو متوسطين في عملهم . - أو ضعفاء ،، - هذا مشكل لا يعنيني أنا ، بل هو من اختصاص صانعي الدراما، ومسؤوليتهم تتحدد في ضرورة اختيار الممثلين والمهنيين الأكفاء ذوي المواهب المصقولة. - طيب .ما رأيك في المسار الذي تسلكه السينما المغربية الآن ؟ - أنا إنسان حالم أرى نفسي أتجول فوق الضباب، إلا أنني أفاجأ أحيانا لما أقرأ بعض السيناريوهات وأتصورها طبقا لأحلامي، وحين نصل إلى التطبيق تواجهنا اكراهات كثيرة كانعدام الإمكانيات وما أشبه ذلك ، وهنا يحصل نوع من الإحباط فالمخرج يعجز عن تحقيق مراده ، وأنا أيضا كممثل أتورط في هذا الإحساس وأكتشف أن ما قرأته في السيناريو لاعلاقة له بما تم انجازه ،ولهذا ينبغي إيجاد الإمكانيات المطلوبة قبل الشروع في التصوير، لكن معظم الأفلام المغربية القصيرة أو الطويلة جاءت بدافع المغامرة . - ماذا لو سألتك عن الصورة التي ينبغي أن تكون عليها السينما المغربية، على مستوى المواضيع وأساليب المعالجة وطرق التشخيص ؟بمعنى ما هو في رأيك الأفق المثالي الذي يمكن ان تتوخاه السينما المغربية؟ - يبدو لي أن الأفق المثالي يرتبط بالعناصر الأربعة المكونة للتركيبة السينمائية بدءا بالسيناريو الجيد والمخرج الحقيقي والمشخص الحقيقي والتقني الكفء ، وحينها سيصل العمل السينمائي إلى المستوى المطلوب ونستطيع به أن نضاهي العالم ، وعلاش لا؟