خرج الشباب المغربي كرة أخرى يوم 24 أبريل ، وخرجتهم هذه كانت بعد الإقتناع بأن لا شيء يؤشر على إصلاحات حقيقية ، وأن ثمة مسرحية تؤخذ ثمثل فيها الأحزاب والصحافة وانتهازيون سياسيون ومثقفون، وليس الإخراج السياسي عندنا بفاعليه أفضل حالا من الإخراج السينمائي بممثليه ، لا شيء تحقق من مطالب الحركة الشبابية التصحيحية 20 فبراير ، باستثناء إفراج تكتيكي ناقص عن بعض المعتقلين وليس كلهم ! في ظل هذه الأجواء أنكر وزير الداخلية وجود معتقلات سرية وتعذيبا فظيعا وكأن المغاربة يرضعون أصابعهم أو لايميزون ، وفي ظل هذا المناخ انتقد البعض المنهجية اللاديمقراطية التي تتعامل بها اللجنة الإستشارية المكلفة بمراجعة الدستور ، وهل ينتظر من لجنة غير تمثيلية لم تعين وفق مبدأ ديمقراطي أن تتعامل بمبدأ ديمقراطي وهي التي حوت وجوها لم تعرف بانتقاد للإستبداد ؟ أليس من حق الشعب المغربي - طيب شعوب العالم بالأمس وأخبثها اليوم - انتخاب لجنة تتولى تعديل الدستور أم أنه يحتاج لقصوره لوصاية تتعالى على التاريخ في دائرة المطلق ؟ طالب الشباب بإسقاط الحكومة والبرلمان ومحاسبة المفسدين والجلادين ، وهذه مطالب واضحة وصريحة لا تحتمل تأويلا ولا تسمح الظرفية الراهنة ولا المنهجية الديمقراطية قبلها بتجاهلها واللعب على الوقت لتجاوزها ، طالب الشباب بإسقاط لجنة عينت ولم تنتخب وبمقتضى دستور هو موضوع المراجعة ووفق مادة تؤشر على لا دستورية الدستور أي المادة 103 ، لأن مبدأ الدستورية يتنافى مع أن يتدخل الحاكم نفسه في تعديل الدستور وتحديد مرتكزات الإصلاح وحدوده وهذا المبدأ كان حاضرا في تاريخ الفكر الدستوري للمغرب مع جمعية الإتحاد والترقي وسنعرج عليه ، بل إن الدستورية متى علمنا أنه مبدأ ليبرالي بالأساس إنما يعني تقييد صلاحيات الحكم ! تعيين لجنة تتولى مراجعة الدستور لا يحتمل إلا معنى واحدا وهو أن الملك فوق الدستور وهو ما يمكن فهمه من الفصل 19 أيضا، هذا الفصل الذي يستعمل ضد اليساريين وضد الإسلاميين وفئة العلمانيين أي ضد الديمقراطية ! الملك الذي يسود ويحكم ولم تكن بيعته بيعة انتخاب وإنما بيعة إكراه ، وحين نتحدث عن بيعة انتخاب ونخلط فيها ما هو تقليدي - بيعة- بما هو حديث – انتخابات- فإنا نقصد مفهوما تقليديا آخر هو البيعة المشروطة وهي ذاتها الإنتخابات في المعنى الديمقراطي الحديث ، وهنا نستحضر حدثا تاريخيا من حقنا أن نفتخر به في تاريخ المغرب من ثورة الفاسيين بزعامة العلامة محمد بن عبد الكبير الكتاني لخلع عبد العزيز وفرض بيعة مشروطة أمام عبد الحفيظ ، فالبيعة المشروطة توضح التزامات الملك إزاء شعبه مقابل الإذعان من الشعب ، عكس بيعة الإكراه التي لا ترتب على الملك أي التزام في حين تفرض الطاعة على الشعب ، كان المراكشيون ضد الفاسيين وقال بعض علمائهم إن الملوك لا يشترط عليهم ! والتاريخ يعيد نفسه فمحمد بن عبد الكبير الكتاني هو حركة 20 فبراير وعلماء السلطان واضحون في بيانهم ومن حقهم ألا يكونوا ديمقراطيين ولا يعبرون إلا عن مهمة تقتضيها وظيفتهم التي يتقاضون عليها مرتبا . وفق هذا المبدأ أراد شباب الحركة التصحيحية تكييف الملكية معه أي ملكية برلمانية تسود ولا تحكم ، إنما يحكم الوزير الأول ويحاسب ، إن جمعية الإتحاد والترقي التي أشرت لها حين وضعت شروعها الذي ينم عن تصور متقدم في الفكر الدستوري ، أشارت في المادة الأخيرة من مشروع الدستور لعام 1908 وهي المادة 93 أنه "لايسوغ لأحد أن يبطل مواد هذا الدستور الأساسي ولا يوقف العمل بها لأي سبب كان على الإطلاق لا أن يغير منها شيئا أو ينقضه أو يزيد أو ينقص ما عدا منتدى الشورى " ! فوفق هذه المادة يكون من حق منتدى الشورى دون غيره أن يراجع الدستور ، والمعنى أن السلطان نفسه ليس من حقه أن يراجع أو يعدل ، لأنه ليس فوق الدستور وهذا ما يميز الملكية الدستورية عن الملكية المطلقة ومبدأ الدسترة عند هذه النخبة اقترن بتحجيم سلطات السلطان ! خطاب الملك يوم 9 مارس والذي باركته الأحزاب وهللت له واعتبرته تاريخيا حدد مرتكزات سبعة ولم يتطرق لصلاحيات المؤسسة الملكية ، والشعب المغربي وحده يقرر إن كان الخطاب قد احترم مبدأ أساسيا ديمقراطيا نصت عليه المواثيق الدولية ومن قبلها الفلسفة الإسلامية وهو مبدأ السيادة الشعبية لأن هذا المبدأ باعتباره يندرج ضمن ثقافة حقوق الإنسان كان نتاج مناهضة الرق والإستعباد لينتقل إلى ميدان السياسة ليعني موافقة الشعب التي تعطي الشرعية للدولة ، فإذن الشعب لم يشرك في تحديد تلك المرتكزات أو حدود التعديل ، بل خرج الناس بمطالب واضحة لا يبدو إلى حد الآن أنها لقيت آذانا صاغية ، وبخصوص مبدأ السيادة الشعبية لا أرى أن مبدأ "السيادة للأمة" المشار إليه في الدستور الحالي تعبر عنه ، لأن "الأمة" غير دقيق ولأن الملك بمقتضى الفصل 19 هو "الممثل الأسمى للأمة " أي أن السيادة في نهاية المطاف الملك هو الذي يمارسها وفي هذا الإطار نضع تعيينه للجنة المنوني ! الرسالة الموجهة للمنوني – ليس كشخص بل كإجراءات - واضحة وهي :dégage ! ، فهي ليست هيئة ديمقراطية ولا تمثيلية ، بل هي إهانة للشعب المغربي كما قال علاء الدين بنهادي ، هذه ليست لجنة دسترة تنتقد الإستبداد وتسعى لتحجيم صلاحيات الملك ومنح السيادة للشعب بما يقتضيه هذا المبدأ ، إنما لجنة لها وظيفة وهي معالجة التعديلات في إطار المرتكزات السبعة التي حددت سلفا. [email protected] www.anrmis.blogspot.com facebook : hafid elmeskaouy