هل فقدت اللجنة الاستشارية المكلفة بتعديل الدستور، التي يرأسها عبد اللطيف المانوني مصداقيتها؟ سؤال أصبح يطرح نفسه بعد توالي سلسلة الاعتذارات المقاطعة لدعوات اللجنة التي عينها وكلفها الملك بتعديل الدستور حسب خطة طريق محددة مسبقا. فحتى الآن قاطع هذه اللجنة أو اعتذر عن الحضور أمامها العديد من الهيئات والفعاليات السياسية وأخرى تنتمى إلى المجتمع الحقوقي والمدني. من الحزب الاشتراكي الموحد، إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحتى جمعية "أطاك" الغير مرخص له والتي توصلت بدعوة من اللجنة اعتذرت عن الحضور، دون أن نتحدث عن موقف شباب 20 فبراير اللذين كانوا أول من قاطع أشغال اللجنة، أو المواقف المبدئية لحزب النهج الديمقراطي ولجماعة العدل والإحسان. هؤلاء يؤاخذون على اللجنة أنها معينة، وأن سقف التعديلات الدستورية التي تشتغل عليه تم تحديده مسبقا لها، لذلك فهم يطالبون بمجلس تأسيسي منتخب إذا ما أراد المغرب فعلا صياغة دستور ديمقراطي وشعبي يساير العصر ويستجيب لمطالب الشارع. ثمة من سيقول بأن كل هذه الهيئات والجمعيات التي قاطعت لجنة المانوني هي مجرد أقلية من الرافضين اللذين لن يعجبهم العجب العجاب، وقد قيل فعلا مثل هذا الكلام بصيغ متنوعة. لكن لا يجب أن ننسى أن هذه الأقلية التي يحتقرها البعض، ويعاديها الآخر، ويقلل من قيمتها آخرون، هي التي كانت منذ البداية إلى جانب حركة 20 فبراير، دعمت مواقفها عندما كان الجميع ينتقدها، وفتحت مقراتها لاجتماعاتها عندما كانت الشرطة تلاحق مناضليها فقط لأنهم قاموا بتوزيع مناشير تدعوا إلى التظاهر. وبفضل هذه الحركة عرف المغرب هذه الدينامية التي جعلت العروش تتحرك وخلقت لجنة المانوني من عدم لتفتح للأحزاب التي صمتت عقودا عن الإصلاح الباب لتقدم، لأول مرة، تصوراتها للإصلاحات أمام الملأ وتحت ضوء الكاميرات، بعدما كانت أجرأ تلك الأحزاب تقوم بتهريب مقترحاتها بإصلاحات سطحية على شكل مذكرات سرية تهربها لتخفيها حتى عن أصدق مناضليها ! ثانيا، اللجنة طعنت في مصداقيتها بنفسها، عندما خرج أحد أعضائها هو محمد الطوزي بتصريح صحفي يبخس فيه من قدرة النخبة السياسية المغربية بما فيها "سيادته"، على امتلاك النضج والمصداقية وثقة المواطنين للعيش تحت ظل "ملكية برلمانية" ! ف"سعادته"، المعروف بتنظيراته للحداثة والديمقراطية، لا يتصور المواطنين المغاربة إلا "رعايا" أحسن ما يستحقونه هو "ملكية دستورية" يسود فيها الملك ويحكم ! أليس من أجل قلب هذه المعادلة خرجت ومازالت تخرج المظاهرات في شوارع القرى والمدن المغربية؟ أم أن بعد "فيلا الدليمي"، التي تقع في حد أرقى أحياء الرباط، جعلت أعضاء اللجنة ينقطعون عن الواقع الذي ما زال يغلى؟ ثالثا، ما يجعل الكثيرين يشككون في مصداقية اللجنة هو سكوتها عن تصريحات وزير "سيادة"، هو الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية، الذي صرح في أكثر من عاصمة عالمية بأن "وزارات السيادة"، باقية ولن يطرأ عليها أي تغيير. فهل اتفق هذا الوزير مع أعضاء اللجنة قبل أن يطلق العنان لتصريحاته، وإلا فما الجدوى من رفع التصورات والاقتراحات إلى لجنة أصبح وزير غير منتخب وغير متحزب يفتي في قراراتها حتى قبل أن تكمل مشاوراتها؟ ! رابعا، ما سيمنح لجنة المانوني ثقة الناس فيها هو خلق أجواء تخفف من حالة الاحتقان، وتعطي الانطباع بوجود إرادة سياسية حقيقية للإصلاح. إذ كان يجب البدء بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي من معتقلي ملف بلعيرج مرورا بمعتقلي ما يسمى بمعتقلي السلفية الجهادية والمعتقلين الصحراويين والطلبة المعتقلين وأخيرا معتقلي أحداث 20 فبراير... فكيف يمكن أن يصدق الناس وجود إرادة للإصلاح وفي نفس الوقت يستعمون إلى الشهادات المروعة التي بدأت تخرج من السجون على لسان معتقلي السلفية الجهادية والتي تتحدث عما تعرضوا له من تعذيب بشع في أقبية سرية، وقد حدث ذلك قبل شهور وليس قبل أعوام ! هناك من يريد أن يطمئن الرأي العام إلى قراءة مضامين تقرير السفارة الأمريكية عن حقوق الإنسان في المغرب، والذي قدم صورة وردية لهذه الحقوق في ظل وجود شهادات مثل شهادة معتقل السلفية الجهادية بوشتى؟ فمن نصدق؟ شهادة رجل يبكي داخل زنزانته لأن جبناء هتكوا عرضه وشرفه ذات ليلة رمضانية؟ أم شهادة سفير عجوز يعرف الجميع أنه تلقى منصبه في المغرب كتعويض عن الدعم الذي قدمه لرئيسه في حملته الانتخابية؟ من الذي سنصدق تقرير لجنة المانوني، الذي حدد سقفه الملك، وبخست من قيمة المقترحات التي قدمت لإغنائه تنظيرات الطوزي، واستبقت نتائجه تصريحات الطيب الفاسي الفهري، أم صوت الشارع المطالب بالإصلاح وصراخ المعتقلين لرفع الظلم الواقع عليهم، وعفة المناضلين اللذين لم يبدلوا تبديلا؟ !