وقائع بدت تطفو ... عديد من المسؤولين والأطر المغربية ؛ بدرجات متفاوتة في السلطة والنفوذ ؛ يحملون جوازات سفر أجنبية ، أو جنسية مزدوجة ، مسجلون ؛ بصورة خاصة ؛ إما في فرنسا وأمريكا أو ألمانيا أو إسبانيا ... ويعتبرون وجهتهم إلى المغرب بمثابة ضيعة لهم ؛ وفي اعتقادهم أنهم محصنون ، وسيتحللون من كل الإجراءات الجمركية ، والقوانين الزجرية ، أو الرادعة ، وربما يتملصون من أداء الضرائب أو يحضون بامتيازات قلما تتاح للمواطن المغربي العادي . وسنحاول في هذه الورقة استقراء رأي القانون الدولي بخصوص جواز السفر الدبلوماسي ، وتمييزه عن جواز السفر الحامل للجنسية الأجنبية . ما هي الخصوصيات ، وهل يجيز القانون ؛ في دول ما ؛ حمل جنسية بلد أجنبي ؟ أو جنسية مزدوجة ؟ حصانة سياسية وأمنية احتد الجدال ؛ في الآونة الأخيرة وفي أعقاب استعارة العمليات الإرهابية ؛ حول حمل الجنسية الأجنبية من طرف شخصيات نافذة في عالم المال والأعمال ، وعلى رأسهم مسؤولون حكوميون ... لمن الولاء ، هل للجنسية الأصلية أم للجنسية المكتسبة ، أو لهما معا ؟ وعلاقة أصحابها بنشطاء قد تربطهم صلة ما بخلية إرهابية ! بيد أن هناك مقاربة سياسية اقتصادية Economic Policy ؛ تتبناها مجموعة من المصارف والأبناك الدولية ، في سياستها ؛ تجاه الأموال العابرة للقارات أو الوافدة من دول أخرى ؛ لتيسر لأصحابها كامتياز أولي الحصول على جنسية هذا البلد ، واستثمار أمواله بالامتيازات التي تخولها لبقية المواطنين ، مع تمكينهم من لائحة المشاريع التي تدر مكاسب مغرية هذا ، عدا تأمين قنوات حساباتهم ، وإمدادهم بالحصانة ضد تدخل أي تحقيق أجنبي . وربما كان هذا الامتياز أحد الأسباب الرئيسة في هجرة الأموال إلى بلدان أروبية وأمريكية ، ومن ثم ظهور جنسيات أجنبية تخول لحامليها حصانة سياسية وأمنية . تشريعات بحظر الجنسية المكتسبة على مناصب سيادية عديدة هي البحوث والتحقيقات المالية ؛ التي أجريت في بلدان الشرق الأوسط والخليج خاصة ، وبعض دول شمال إفريقيا ؛ كشفت عن تورط مسؤولين كبار في قضايا ذات صلة بقطاع المال ، يمكن إجمالها في النقط التالية : * تهريب الأموال إلى مصارف أجنبية ؛ * التملص الضريبي ؛ * الهيمنة على قطاعي الاستيراد والتصدير ؛ * الاتجار في المخدرات . هؤلاء كانوا يحتمون بحمل جنسية أجنبية ؛ تجعلهم فوق كل شبهة أو مساءلة أو تحقيق .. فاهتدت هذه الدول ؛ مؤخرا وأمام هذا النزيف المالي ؛ إلى سن تشريعات تقضي بحظر الجنسية المكتسبة عن " المسؤولين السياديين " ؛ Sovereign Officials ؛ وهم الذين يمثلون ؛ في مراكزهم ؛ سيادة الدولة ، على شاكلة الوزراء ، ورؤساء المؤسسات الحكومية ، وأعضاء البرلمان وغيرهم ، فتسقط عنهم كل حصانة دبلوماسية ، ويخضعون لكل محاسبة وتحقيق في حالات ثبوت اختلالات أو اختلاسات في الميزانيات القطاعية الكبرى ، فضلا عن وجوب الإدلاء بكشف عام لممتلكاتهم ومدخراتهم في البنوك ، قبل توليهم مهامهم الرسمية كموظفي دولة . جواز السفر الدبلوماسي هذه الوثيقة تتكلف وزارة الخارجية ، أو وزارة الداخلية حسب المهام بإصدارها لموظفين ؛ ينتمون في أغلب الحالات إلى السلك الدبلوماسي ، بالسفارات والقنصليات ، أو تمنح للوزراء وكبار رجال الدولة ، وتتجدد بتجدد مهامهم ، إلا أن فئة منهم تظل حاملة لها رغم تقلبهم في مراكز السلطة .. هذه الوثيقة تخول لصاحبها المرور عبر الممرات ؛ بالمطارات والموانئ ؛ دون خضوع لإجراءات التفتيش والمساءلة . ويتخذها معظم المسؤولين قنطرة لإدخال السلع دونما عبور بالجمارك ! المسؤول الحكومي الحامل لجنسية مزدوجة هذه الحالة ؛ وما أكثرها في الأوساط الحكومية ؛ ما زالت مثار نقاش محتدم بين من يرى أن الولاء لا يمكن أن يكون إلا لدولة واحدة ، بينما يرى آخرون بجواز ازدواجية الولاء ، وبالتالي فلا حرج في حمل الجنسية المزدوجة . ونعثر على حالات من الشق الأخير ؛ في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ؛ وإن كانت بعضها بدأت تستشعر الأخطار المالية المترتبة عنها ، كما أسلفنا . أما في أوروبا والدول الغربية عموما فنجدها ( الجنسية المزدوجة ) ولكنها بنسب أقل مقارنة لها مع بعض دول الجنوب ، بيد أن أصحاب المؤسسات المالية الكبرى ما زال نفوذهم حاضرا بقوة في السماح بهذه الجنسية المزدوجة ؛ ما دامت تعد من أهم الروافد للمصارف والأبناك الدولية . القضاء المغربي والولاء المزدوج سبق لوزير العدل ؛ في الحكومة المغربية ؛ أن نادى بضرورة التنصيص دستوريا على " ألا تسند أية مسؤولية لوزير أو موظف سام أو نائب في البرلمان يحمل جنسية مزدوجة " ، وقد أثير نقاش هذه القضية في أعقاب إقدام الملك على إقالة كاتب دولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون ، بسبب جنسيته الإسبانية . وتشاء الظروف أن تعود هذه الظاهرة ( الجنسية المزدوجة ) إلى الواجهة بعد واقعة دبلوماسية بمنع السلطات الصينية لمسؤول مغربي كبير ؛ ضمن الوفد الرسمي الذي رافق الملك محمد السادس في زيارته الرسمية إلى جمهورية الصين الشعبية ؛ من الدخول إلى أراضيها بسبب عدم توفره على تأشيرة الدخول ، والذي كان يحمل فقط جواز سفر بجنسية فرنسية . وجدير بالذكر أن دولا عديدة سارعت ؛ في المدة الأخيرة ؛ إلى وضع قوانين صارمة في أغلبها منعت تقلد مسؤولين يتوفرون على جنسيات مزدوجة لمناصب عمومية في الدولة ؛ منها الجزائر ومصر والسعودية وفرنساوألمانيا واليابان واستراليا .. وهناك من الدول من تجرم فعلا المواطنة المزدوجة ، وتمنع مزدوجي الجنسية ؛ المقيمين بالخارج ؛ من الدخول إلى التراب الوطني إلا بعد حصولهم على تأشيرة الموافقة من السفارات في هذه البلدان بالخارج . لكن بالنسبة إلى المغرب فما زالت هذه الإشكالية ( الولاء المزدوج ) لم تبارح الفقاعات الإعلامية ، دون أن تعرف طريقها إلى الدستور المغربي للحسم فيها .