حطم المغاربة هذه السنة أيضا الرقم القياسي في الحصول على الجنسيات الأوربية، فقد حصل هذه السنة 64 ألف مغربي على «الباسبور لحمر» متفوقين على بقية الأجناس الأخرى. «الباسبور لحمر» في المتخيل الشعبي المغربي هو مفتاح الفردوس و«الكاغيط» الذي يضمن لحامله التنقل حول العالم بدون الخضوع لمهانة الوقوف أمام السفارات بانتظار التأشيرة. وهو بالنسبة إلى كثيرين صمام الأمان الذي يجب السعي إلى الحصول عليه اتقاء لعوادي الزمن ومفاجآت الوقت. فالأغلبية الساحقة من المغاربة الذين يعيشون في أوربا وأمريكا وكندا يضعون نصب أعينهم هدفا واحدا، وهو الحصول على «الباسبور لحمر» بأي ثمن. وإذا كان مقبولا ومشروعا أن يسعى أي مواطن مغربي مقيم في الخارج إلى الحصول على جنسية البلد الذي يستضيفه ويعيش فيه، تيسيرا لإقامته وإقامة عائلته، فإن ما ليس مقبولا هو أن يحصل المسؤولون الحكوميون والعسكريون على جنسيات بلدان أجنبية وهم يعيشون في المغرب. ولعل الجميع يتذكر إقالة الوزير المنتدب في الخارجية أحمد الخريف بسبب جوازه الإسباني. ولو كان الخريف مواطنا عاديا، لقلنا إن من حقه أن يحمل حتى ثلاث جنسيات إذا أراد وليس فقط جنسية واحدة، لكنه كان مسؤولا حكوميا رفيع المستوى، بل أكثر من ذلك مسؤولا في وزارة الخارجية التي تتولى الدفاع عن مصالح المغرب السياسية والاقتصادية والسيادية في الخارج. الشيء نفسه ينسحب على الوزراء والمسؤولين الذين يحملون جنسيات كندية أو فرنسية أو غيرها، فهل ستكون الصفقات التي يبرمونها مع شركائهم في الدول التي يحملون جنسياتها بريئة؟ إن هذا الولاء المزدوج الذي يعيشه المسؤولون المغاربة يجب أن يوضع له حد. ويجب أن يكون أحد الشروط الأساسية لدخول البرلمان والحكومة وتقلد المسؤوليات في المؤسسات الملكية والعمومية هو التوفر على الجنسية المغربية، والجنسية المغربية وحدها. عندما صدر قرار إقالة الخريف، قرأنا قصاصة لوكالة المغرب العربي للأنباء تتحدث عن اكتشاف الحكومة لقضية تسليم الحكومة الإسبانية لجنسيتها إلى مجموعة من كبار المسؤولين المغاربة. وإلى اليوم، لم تصدر أية لائحة بأسماء هؤلاء المسؤولين المغاربة الذين تسلموا الجنسية الإسبانية. نريد كصحافيين أن نعرف أسماءهم ونوع المسؤوليات التي يتحملونها لكي نطلع الرأي العام على الحقيقة. كلنا يعرف حساسية موضوع الصحراء بالنسبة إلى إسبانيا. فهناك اليوم شبه إجماع داخلها، بين سياسييها ومثقفيها وصحافييها، على ضرورة تمكين ما يسمونه بالشعب الصحراوي من حقه في تقرير مصيره. وتجنيس المسؤولين المغاربة في الصحراء بالجنسية الإسبانية ليس عملا بريئا. إن الأحزاب السياسية التي تقترح مناضليها وأطرها لتحمل مسؤوليات حكومية، والمستشارين الذين يقترحون شخصيات سامية لتحمل مسؤوليات بظهائر ملكية على رأس مؤسسات عمومية، يجب عليهم جميعا أن يدققوا في جنسيات من يقترحونهم على الملك. والأنسب أن يمتنع ويتعفف كل من يتم اقتراحه لتحمل مسؤولية حكومية أو عمومية مهمة عن وضع طلب لدى دولة أجنبية من أجل الحصول على جنسيتها. أما إذا كان حاصلا عليها سلفا، فالأكثر انسجاما مع أعراف الوطنية و«تامغربيت» هو أن يعيد الجنسية الأجنبية التي يحملها إلى أصحابها ويكتفي بجنسيته المغربية وجوازه الدبلوماسي. وإذا كان هؤلاء المسؤولون الحاملون لجنسيات أجنبية يعتقدون أن أسماءهم غير معروفة فهم واهمون، لأن الدول الأوربية، بمجرد ما تمنح جنسيتها لأجنبي، تصدر اسمه في الجريدة الرسمية، وهذه الجريدة تطلع عليها مصالح الاستخبارات المغربية وهي لازالت «سخونة» في اللحظة التي تخرج فيها من فران الحكومة. لذلك، فنحن كصحافيين نطلب من عباس الفاسي أن يكون شفافا في هذه القضية الوطنية ويصدر لائحة بأسماء هؤلاء المسؤولين الكبار الذين قالت عنهم «لاماب»، بعد إعفاء الخريف، إنهم حصلوا على الجنسية الإسبانية. في فترة الحماية، كانت العائلات الغنية تلجأ إلى طلب الحماية من قنصليات البلدان الأوربية الممثلة في المغرب خوفا من «تتريك» المخزن لها واستحواذه على ثرواتها. وكانت كل عائلة مغربية تتبع لحماية دولة أوربية معينة. فعائلة هذا لديها حماية «صبليون» وعائلة الآخر لديها حماية «نكليز» وثالثة لديها حماية «فرنسيس» وهكذا. واليوم، بعد مرور أكثر من نصف قرن على استقلال المغرب، لازالت لدينا عائلات تؤمّن ظهورها وظهور أبنائها بجوازات السفر الحمراء تماما كما كان يحدث في زمن الحماية. وإذا كنا نفهم حصول المغاربة المقيمين في هذه الدول الأجنبية على جنسياتها تسهيلا لأمور إقامتهم واندماجهم، فإننا لا نفهم سبب لجوء مسؤولين كبار في الدولة والحكومة مقيمين في المغرب إلى حمل جنسيات أخرى غير جنسيتهم المغربية. وجود هؤلاء هو أكبر دليل على أنهم هم اليائسون الحقيقيون من المغرب ومستقبله ولسنا نحن الصحافيين القانعين بجنسيتنا المغربية وجواز سفرنا الأخضر والذين يتهموننا بنشر اليأس والعدمية. أحد الوزراء السابقين كان الوحيد الذي أعطى تصريحا صحافيا حول قضية إقالة كاتب الدولة الاستقلالي في الخارجية بسبب جنسيته الإسبانية، وقال إن وزراء أولين سابقين كانوا يحملون جنسيات أجنبية، منهم الراحلان مولاي أحمد العراقي وعبد اللطيف الفيلالي. وأضاف أن عددا كبيرا من وزراء حكومة عباس الفاسي يحملون جنسيات دول أجنبية. واعتبر أن حملة الجنسيات الأجنبية في حكومة عباس إما أنهم يكذبون على المغرب أو يكذبون على الدولة التي أعطتهم جوازات سفرها. أعتقد أن السؤال الذي يجب أن نطرحه اليوم هو: لماذا يلجأ المسؤولون الكبار والوزراء والموظفون السامون وأثرياء البلد إلى طلب جنسيات دول أجنبية مع أنهم يعيشون في المغرب «مفطحين»؟ الجواب بسيط، «الباسبور لحمر» يبقى بمثابة مخرج النجاة من المغرب لكثيرين منهم، فهؤلاء ليست لديهم الثقة في المغرب، ويتوقعون في كل لحظة أن يجدوا أنفسهم مجبرين على مغادرة السفينة. إن «الباسبور لحمر» هو طوق النجاة بالنسبة إليهم. وفي الفترة الأخيرة، شاعت موضة الجنسية الكندية بين كثير من رجال الأعمال والمستثمرين الذين يحملون حوالي 70 ألف دولار ويضعونها في حساب بنكي بكندا ثم يطلبون الجنسية الكندية بوصفهم مستثمرين، ويستمرون في العيش في المغرب بجواز سفر كندي تحسبا للطوارئ. رحم الله الشيخ اليونسي الذي أنشد في حق جواز السفر أغنيته المؤثرة «الباسبور لخضر»، خصوصا حين يقول في أحد مقاطعها: «لو كان الباسبور عندي نديك معايا علاش نخليك نخدم ونتيا حدايا ننسى همومي ونتونس بيك قالت لي يا الراجل تصنت ليا بغيت نسقسيك الضفدعة واش قالت نهار اللي لمهم المليك سقساها سيدنا سليمان وقال يا مرا واشنو بيك علاش قعدت نتيا والوحوش كلها هربت عليك قالت لو عز أوطاني خير من بلاد الناس الدنيا تغدر هاذا زاهي وذاك قاطع لياس». هذا ما قالته الضفدعة للملك سيدنا سليمان عندما سألها لماذا قررت البقاء في الوقت الذي هربت فيه كل الوحوش الأخرى من حولها. فبماذا يمكن أن يجيب كل هؤلاء المسؤولين الذين يضعون «الباسبور لخضر» في جيب و«الباسبور لحمر» في الجيب الآخر عندما يسألهم المغاربة مماذا أنتم خائفون يا ترى؟..