بالأمس القريب وبالضبط في الدورة الماضية من مهرجان موازين إيقاعات العالم حدث ما لم يكن في حسبان الكل من منظمين ومسؤولين والساكنة أيضا عندما تحولت “الجذبة والشطيح” إلى مأتم حقيقي لقي فيه أحد عشر شخصا حتفهم إثر تدافعهم في الحفل الختامي الذي أحياه حينها المغني الشعبي “عبد العزيز الستاتي”. هذا المهرجان ذو الصبغة العالمية، تنظمه جمعية مغرب الثقافات ويرأسه عزيز داكي كمدير فني. تعرفون جميعا أن الصبغة العالمية ليست وساما سهل المنال، بل هو نتاج صرف الملايير، فمنظموا مهرجان موازين يصرفون سنويا مبالغة طائلة ما أحوج أبناء شعبنا المعوز إليها، أبناء تلتهم الحيتان أجساد بعضهم في مياه البحر الأبيض المتوسط، وتتهاوى عصي قوات التدخل السريع على رؤوس بعضهم أمام مقر البرلمان وتلفح الشمس الحارقة أجساد البعض الآخر في الشوارع والأزقة، والمشكل الكبير أن هذه الأموال لا يستفيد منها المغاربة في شيء فهي تذهب مباشرة إلى جيوب المصريين واللبنانيين وغيرهم من الفنانين الذين يتم استدعاؤهم، مما يفسر كرم المغرب الحاتمي على الأجانب، والمثل المغربي يقول “خبز الدار ياكلو البراني”. لنرجع إلى سيناريو الدورة الماضية التي ابتدأت “بعربدة” جورج وسوف وضحكه الهستيري وهو يتحدث للقناة الأولى دون احترام مشاعر المغاربة كبلد له مبادئه وخصوصياته، وانتهت نهاية تراجيدية مأساوية في ملعب حي النهضة الذي حشر فيه قبل بداية الحفل زهاء 70 ألف شخصا لمشاهدة عبد العزيز الستاتي، وهي نسبة تفوق طاقته الاستيعابية بكثير، وقد يستغرب البعض كيف يأتي المغاربة من كل فج عميق لمشاهدة الستاتي، المغني الشعبي الذي لا يكاد يغيب في جل سهرات القنوات المغربية، لكني على يقين بأن لكل مبتغاه وهدفه، ومصائب قوم عند قوم فوائد، فالبعض يسلب أملاك الغير بالقوة معتمدا السلاح الأبيض، والبعض يجد ضالته في الاحتكاك بالمؤخرات مختبئا وراء ستائر الظلمة، والبعض الأخر تستهويه هواية “الجدبة” تحت تأثير الخمور والأقراص المهلوسة والمخدرات الأخرى التي تعتبر أشياء ضرورية في مثل هذه الحفلات التي يحييها فنانون شعبيون مغاربة، مما يفسر بقوة أن الشعب المغربي شعب بعيد كل البعد عن الفن وعن الموسيقى التي تخاطب الروح وتهذب النفوس وتزرع القيم الإنسانية النبيلة، ونحتاج دوما إلى الصخب و “الرديح” وبدون “الجرة” و”التعريجة” و”البنذير” والخمور أيضا لن نحس بمتعة الموسيقى. ويبدو أن هذا الإحساس تحقق في مهرجان موازين العام الماضي عندما سافر إلى دار الفناء أحد عشر شخصا بدون “فيزا ولا باسبور ديال الستاتي” فيما جرح أزيد من أربعين آخرين عقب تدافع تلك الأمواج البشرية الهائلة. فأين هو دور رجال الأمن يا ترى؟ أم أنهم يستقدمون إلى حفلات الأجانب فحسب؟ وقد تساءل الكثيرون عن دور رجال الوقاية المدنية في مثل هذه الحالات، وأنا أقول بأن أسرة الوقاية المدنية المغربية مغلوبة على أمرها. فعددهم في بلادنا لايتجاوز4920 رجل بمعدل رجل واحد لكل 6096 نسمة، في حين يوجد في فرنسا رجل لكل ألف نسمة، وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية يوجد رجل واحد لكل مائة نسمة حسب معطيات رسمية صادرة عن مديرية الوقاية المدنية سنة 2008. حفلات عبد العزيز الستاتي ترافقها رائحة الموت والجرائم أينما ارتحل، ففي إحدى سهراته الفنية العام الماضي بساحة المشور بمدينة العيون، أقدم أحد المتفرجين الشباب وتحث تأثير الخمر والحبوب المهلوسة على ذبح صديقه من الوريد إلى الوريد بعدما كانا معا “يجدبان مع الجادبين”، وبذلك حصل هذا الشاب هو الآخر على “فيزا وباسبور” إلى الآخرة في خاتمة سيئة، ونحن لا يسعنا إلا أن نقول، اللهم ارزقنا حسن الخاتمة، ولا تنسوا كذلك أن تحذروا………. فالستاتي يقتل….