لم ينجح الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي في زيارته الأولى للمغرب منذ انتخابه رئيسا، في بيع طائرات رافال الحربية، لكنه نجح في توقيع عقود مدنية مع المغرب تزيد قيمتها على أربعة مليارات دولار. فضل المغرب شراء طائرات اف 16 الأمريكية، وذلك بسبب انخفاض قيمة العقد الأمريكي، وبالرغم من تخفيض الفرنسيين للصفقة لتصل إلى أقل ملياري دولار، فإن العقد الأمريكي فاز في نهاية الأمر. ويمكن القول أن المغرب فضل أن يتسلح من الولاياتالمتحدة، وأن يعتمد على فرنسا في ما تبقى، حيث تم التوقيع على عقود تصل قيمتها إلى أكثر من أربعة مليارات دولار، أهمها بناء خط للقطارات الفائقة السرعة يربط بين طنجة والدار البيضاء ستنفذه شركة الستوم الفرنسية،. سيتيح الخط الجديد الذي ستنتهي مرحلته الأولى عام 2013 السفر بين المدينتين المذكورتين خلال ساعتين وعشر دقائق، بدلا من خمس ساعات كما هو عليه الحال الآن. الشريك الاقتصادي الأكبر : كانت الزيارة والتوقيع على كل هذه العقود ستتم في يوليو الماضي، إلا أن استياء الرباط من وضعها على قدم المساواة مع الجزائر، على عكس ما كان يفعل رؤساء فرنسا السابقون، أدى إلى تأجيل الموعد ليكون بعد أيام قليلة من الانتهاء من تشكيل الحكومة المغربية الجديدة، برئاسة الوزير الأول عباس الفاسي. وضعت الحكومة الجديدة بين يديها أكبر الملفات الاقتصادية التي ستتعامل معها خلال السنوات القادمة. وتعتبر فرنسا هي الشريك الاقتصادي الأكبر للمغرب، حيث تصل المساعدات الفرنسية للمغرب 40% من المساعدات التي تأتيه من كل العالم، ويحتل السواح الفرنسيون في المغرب المرتبة الأولى، إذ يزور المغرب سنويا 1.48 مليون سائح، وتشكل هذه النسبة ربع عدد السواح الذين يزورون المغرب سنويا. ويستقبل المغرب سنويا من المغاربة الذين يعيشون في فرنسا 43 % من التحويلات المالية التي تصل المغرب من كل أنحاء العالم، لذلك اصطحب الرئيس ساركوزي معه في زيارته بالإضافة إلى الوفد الحكومي الرفيع أكثر من 70 من رجال الأعمال. ويبدو أن الولاياتالمتحدة اتفقت مع فرنسا على اعتبار المغرب، وعموم المنطقة المغاربية من حصة فرنسا. مشروع المتوسط النظيف : يحاول الرئيس ساركوزي في زيارته الحالية تسويق مشروعه الأورومتوسطي، وهو المشروع الذي يتكون من الدول المطلة على البحر المتوسط، من أجل تحويل بيئة المتوسط إلى أنظف بيئة في العالم، كما يقول الرئيس ساركوزي، وهو مشروع، بغض النظر عن التسميات، يضمن لفرنسا نفوذا قويا على مستعمراتها السابقة، بالإضافة إلى ليبيا التي نجح ساركوزي في ربطها بالمشروع من خلال علاقته الشخصية مع العقيد القذافي، بعد أن نجح في إطلاق سراح الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني، وإقفال ملف الأطفال الليبيين المصابين بالإيدز. ويبدو أن العلاقة الشخصية بين الزعيمين تطورت بسرعة جعلت العقيد القذافي يعلن عن أسفه لطلاق الرئيس الفرنسي من زوجته سيسيليا دون أن تتاح الفرصة "لأصدقاء الاثنين للتدخل". ويفسر المتابعون أن الرئيس ساركوزي نجح بحيوية ملفتة للنظر في الاستحواذ على الدور الذي كان يقوم به رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، دون أن يضطر إلى دفع نفس ثمن أخطائه. في الوقت الذي خرج فيه حصان بلير من السباق القاسي، حماية لمصالح حزبه في الانتخابات القادمة، جاء ساركوزي ليقف في الوقت المناسب إلى جانب الرئيس جورج بوش، جامعا موقفين في موقف واحد. الموقف الأول هو معارضة فرنسا للحرب في العراق، وهو الموقف الذي تحمله كاملا الرئيس السابق جاك شيراك، والموقف الثاني هو الوقوف إلى جانب الولاياتالمتحدة لمساعدتها للخروج من العراق. المفاعلات النووية : تعرض فرنسا أينما ذهبت مفاعلاتها النووية المصممة للأغراض السلمية. هذا ما حدث أيضاً في المغرب حيث عرض الوفد الفرنسي في هذه الزيارة على الرباط بناء مفاعل جنوب البلاد، لإنتاج الكهرباء، وتحلية مياه البحر، وهو نفس المفاعل التي وعدت فرنسا بتزويد ليبيا به. من هنا يمكن فهم تركيز الرئيس ساركوزي على تحويل البحر المتوسط إلى أنظف بيئة في العالم، باعتباره التعبير الدبلوماسي الفرنسي عن الرغبة في بيع المفاعلات النووية "النظيفة". لا شك أن فرنسا من عرضها هذا إنما تستهدف الربح المادي، وجعل دول جنوب المتوسط تعتمد على تقنياتها لمدة طويلة. لكن المشروع يهدف أيضاً إلى منع تلك الدول من محاولة الوصول إلى أهدافها النووية بنفسها على غرار إيران، خاصة وأن البلدين اتفقا في هذه الزيارة على استخراج اليورانيوم من أسيد الفوسفات المغربي. لم تكتف شركة أليسوم في هذه الزيارة بعقد بناء أسرع خط قطارات في المغرب، وإنما وقعت عقدا أيضا بقيمة 47 مليون يورو لبيع 20 عربة ترام كهربائية، وعقدا آخر بقيمة 200 مليون يورو في مجال الطاقة الكهربائية. لم تخرج فرنسا من هذه الزيارة خالية الوفاض فيما يخص العقود العسكرية، حيث ستزود فرنسا المغرب بفرقاطة عسكرية ثمنها 500 مليون يورو، وتحديث 25 طوافة من طراز بوما، وتحديث 410 مدرعة للجيش المغربي. على صعيد التعاون القضائي بين البلدين وقعت الوزيرة الفرنسية رشيدة داتي مع نظيرها المغربي عبد الواحد الراضي ثلاثة اتفاقات قضائية، ورابعاً حول الأمن الاجتماعي، أما على صعيد المساعدات فقد تم اعتماد مبلغ 38 مليون يورو لتمويل مشروع في منطقة الناظور، واعتماد هبة بقيمة 3 مليون يورو لدعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وهي مبادرة تستهدف الشريحة الأكثر فقرا في البلاد.جحت زيارة ساركوزي الى المغرب ؟ ""