كان الليل، وكانت الأغلال... كان الظلام حالكا، وكان اليأس مستشريا... استبد بنا الاستبداد، واستعبدنا الاستعباد ، وتناسل على طول تاريخنا الظلمة والقتلة والفراعنة والطواغيت... قطف الحجاج الرؤوس ، وحكَّم معاوية في الرقاب السيوف، وفرح هارون الرشيد دهرا طويلا بمجالسة الجواري والغلمان.فأموال الشعوب غنيمة ، ومعارضة الحاكم جريمة.وحملة المباخر يُفتون الخليفة مقابل الوليمة.(أعطه ألف دينار...واهده جارية وسيمة ... وما ملكت أيمانكم ... ويا ليل طُل ...) وتعود حليمة ، كل مرة ،إلى عادتها القديمة. تكررت ،على مر التاريخ، بين الدجاج قصةُ الحَجَّاج. أبدع الخلفاء في تعسفهم،وتنافس ملوك الطوائف في تشرذمهم،واستبد المماليك والمخصيون بمن تحت قبضتهم،وكانت شهرزاد تغلق الغرف وتفتح الحسابات . توزع القبل ...تشتت القبائل ...توجه الانتخابات. كانت شهرزاد تمسك بنياط القلوب وبمقاليد الأمور.فإذا دب القلق إلى قلب العجوز شهريار، تمنيه بقبلة لذيذة، وحكاية سديدة، وولاية جديدة... وشهريار مهووس بالكرسي و فتح " الثغور"، يصدق الحكاية ويستأنف، في غمرة سكرته، نشوة الولاية.ويؤتى بالشعوب المقهورة، طوابير مرصوصة، تصفق للهاتك بأمر الله، في كل نهاية. كان مسرور يشحذ سيفه ليقطع الرقاب .العدل مُغيَّب ولا لوم على القاتل ولا عتاب.والسجون مشرعة أبوابها ...ويا ويل من يتوارى خلف الأبواب!!. نستورد القمح والملح وعود الثقاب.ونصدر القمع والمنع والصفع وفصل الخطاب.على طول خريطة مسقية بالدماء،مزروعة بالأشلاء، تسمى مجازا بلاد الأعراب. كنا أصفارا على الدوام ، كنا أيتاما في مآدب اللئام،كنا حلالا في الوضع الحرام.كنا ركاما تحت الركام ، وأمواتا لا نقوى على ترديد الكلام. ************** وكان يا ما كان...فحل بديارنا الاستعمارُ،وقاومنا الاستعمارَ ، فرحل عنا الاستعمارُ..... فخلف من بعده حكام مستبدون،وأدوا الحرية ، وباعوا القضية. قتلوا الحسيْنَ مرتين، دنسوا شرف رابعة العدوية.أحرقوا الأخضر واليابس،وملكوا مقاليد الأرض والسماء، عذبوا الأحرار، ذبحوا الشرفاء،سرقوا الشمس والنهار،كتموا الأنفاس،أخرسوا الأجراس، قطفوا بسيوفهم كل الرياحين والأزهار..أرادونَا في السِّلم رعايا، وفي الحرب شظايا، وبين الأمم مجرد بقايا أو ضحايا.. تغوَّل الحاكم ونائبه. تغوَّل المأمور وخادمه. تغوَّل الشرطي الصغير وذنَبُه.تغوَّل الكبير والصغير في دولة الطغيان.وأصبح الظلم مزية . والثورة – يا بعدها – ورطة ورزية... وكان يا ما كان ، في بداية عام جديد، طلع الفجر وانبلج الصبح ونادى المنادي : إذا الشعب يوما أراد الحياة... والبقية تفرحون بها. ولكم عبق الياسمين وروعة الثورة ومجد الخلود. *************** ولدي حلم... لدي حلم ألا ينادي الحجاج ، من فوق منابر الجوامع،وعلى مسامع أهل الإيمان، إن رؤوسا أينعت وحان قطافها وإني والله لصاحبها. فيتردد الصدى على طول خط الزمان ، كلنا فداك أيها الزعيم الولهان ، ما شئت لا ما شاءت الأقدار، أحكم فأنت الواحد القهار. لدي حلم أن ينعم عنترة العبسي بحريته دون منة من أحد، وأن يعشق عبلة على عيون الملأ، ويحضنها إلى صدره، ويرحلا وسط هذه الصحراء العربية، كي ينجبا آلاف الأحرار، دينهم الحرية، وشعارهم الحرية، لا يطيقون الاستعباد، ولا يقبلون الظلم والاستبداد. لدي حلم ألا يعود هارون الرشيد بسيفه ، كي يسطو على الجواري ويدوس أعراض الصبايا ، ويزج بالأحرار في غياهب السجون ، إذا تمنى أحدهم أن يشرب الماء العذب الزلال،سقاه الموت الزؤام.وإذا عشق المرء حريته،غرس في نياط قلبه مُدْيَتَه.وإذا طاف برأس المواطن طيف الحرية،سقاه على الفور كأس المنية. لدي حلم أن يرحل الأمويون والعباسيون والمماليك والسلاجقة والمغول والتتار وبنوعثمان عن هذه الأوطان .فيزهر الفل والقرنفل والياسمين ، وتتطاول أشجار الحرية باسقات ،وخلفها تتوارى رؤوس المخبرين والشياطين.فتعود للوجوه بسمتها،وللشمس طلعتها،وللجماهير كرامتها بعد طول السنين. ************** لدي حلم أن يخرس فقهاء ومثقفو المسكنة والتبرير ، حين تتناقل الفضائيات شموخ وإصرار شباب التحرير. لدي حلم أن نتحرر من الذين يتكلمون بلسان عربي مبين ، ويجعلون عقيدة السيف والقهر والجبر فوق كل دين ،وكل صناعتهم وفنهم بناء السجون والزنازين . لدي حلم أن تبرأ كل هذه الجراح ، وتشرق على ربوع أوطاننا تباشير الصباح.فيرحل الليل إلى الأبد،وتفرح كل أم ويهنأ كل طفل،ويأمَن كلُّ والد وما ولد. لدي حلم أن نشفى من أمراض الطغيان والظلم والاستبداد.وألا تنحني الرقاب إلا لرب العباد . لدي حلم أن تغسل أمواج الحرية « شرق المتوسط » من كل الأدران ، وتخرج « مدن الملح » من سباتها الطويل لتفك القيود والأغلال .وتكتب الفصل الأخير في سفر الحرية والتحرير.فننعم بذهبنا الأصفر والأزرق والأسود.وننعم بالكرامة والعدالة وتقرير المصير. لدي حلم أن يحل الربيع بأرضنا،فتخضر كل الروابي والجبال والسهول،وترفرف الفراشات وتحلق السنونو بين البساتين والجداول والحقول .وتغرد أسراب العصافير بهجة وحبورا، والنحل يمتص رحيق الزهر ليصنع عسلا فيه شفاء من الألم، يهب المرضى أملا وسعادة وسرورا. لدي حلم أن يستفيق الطفل العربي الصغير من نومه الهادئ فوق سرير ناعم، على مناغاة أمه الحنون،تطعمه حليبا ساخنا وخبزا طريا وزبدة وحلوى ،وتصحبه إلى المدرسة المجاورة،كي يبدأ مع أصحابه الصغار يومه الجديد بترتيل مزامير الحرية،شكرا لله وحده،لا تزلفا وتصنعا لطاغية.فينتشر العلم النافع وتستنير العقول الصغيرة بالمعارف الكبيرة.فلا تعشش في رؤوس النشء آفة الجهل والأمية.وأرى المعلمة في مدرستها ،والمربية في روضتها،والأستاذة في كليتها، والطبيبة في عيادتها، كلهن ملائكة رحمة يغرسن في القلوب حب الله والوطن،ويطهرن الأنفس من أدران الشرك والوثن. لدي حلم إذا أقبل النهار فرحنا وطربنا وزهونا بشمس النهار، وإذا جنَّ الليل جنحنا للهدوء وغمرتنا السكينة وتدثرنا بالوقار. فلا نخشى أن تحجب الأيادي السوداء نور النهار، أو تطرق في عتمة الفجر أبوابنا،كي تسرق منا نسيم الحرية بقرار أو بغير قرار. لدي حلم أن يسقط هبل واللات والعزى ... على طول هذي الصحارى... أن تنهار الزنازين وتتهاوى السجون والقلاع ، ويتحرر كل الأُسارى ... فيصدع في كل الآفاق ،صوت الفاروق : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا لدي حلم ، بلسان عربي مبين وعبق وشذى الياسمين ، أن نبقى - إلى الأبد- أحرارا .... أحرارا .... أحرارا .... أحرارا .... أحرارا .... أحرارا . [email protected]