خمّن من يكون هذا الشخص ؟ تراه ؛ ضمن حلقات ؛ منخرطا في لعبة الداما النرد (سير الضيم) ، وبين الفينة والأخرى يعيد إشعال لفافة "كازا" التي يشرب'دخانها 4 إلى 5 مرات في الواحدة ... أو تلفيه ؛ وسط شلة تحتضن طاولة بمقهى ؛ يسرد بطولاته أيام زمان ، أو يستعرض أسماء زملائه ومن منهم حضي بزيارة عزرائيل ! وقد لا نعثر له على أثر ، لا في تلك الحلقات ولا في وسط الشلة .. بل نجده إما واقفا أمام مبنى " صندوق التقاعد " ؛ في طابور طويل ؛ مستندا على عكازته ، ينتظر سبب عدم توصله بمعاشه وهو ما زال حيا يرزق . أو نعثر عليه بركن بيته يتأوه ، وقد أحاطت به علب وقوارير عقاقير وأدوية ... إنه المتقاعد المغربي ؛ الذي ساهم لأزيد من 35 سنة ؛ بدمه وعرق جبينه ؛ في بناء مجد وبطولات وطنه المغرب ! فهلا كافأه على روح وطنيته الصادقة ، وبذله الغالي والنفيس ، في الدفع بعجلة وطنه إلى الأمام ؟! ما موقع المتقاعد من بين فئات المجتمع ؟ وهل هذا الأخير كان بارا به ؟ وكيف ؟ ثم أخيرا كيف تبر الدول الديمقراطية بأبنائها ، سيما ، في أعقاب إحالتهم على المعاش ؟ وضعية المتقاعد في عرف المجتمع المغربي تتداول الأمثال المغربية صيغا شعبية ؛ تكشف عن مدى تقهقر وجود المتقاعد ، وتراجع أدواره منها : " إلى قبطْتي لانتريتْ شدْ ارْكينا أقولْ عييتْ " ؛ " مسكين شافوهْ لْباراحْ كيْكافحْ ومْنينْ خْدا لانتريت .. ولا كلْشي منّوه هرْبان أومْقاباحْ " ؛ " إلى خْديتي لمْعاشْ قبطْ ارْكينا ولاّ لزامْ لفْراشْ " .. وكثيرا من الأحيان ؛ وحسب النظرة الطاغية على المجتمع ؛ فإن دور "الموظف المغربي" ينتهي بانتهاء خدماته الإدارية ، وإحالته على المعاش ، وعند هذه النهاية يبدأ مسلسل الأزمات الصحية والنفسية والاجتماعية تلاحقه ، وإن كانت هناك استثناءات تطال فئة محدودة من المواطنين ممن أدركهم مسارهم الوظيفي في مناصب رفيعة ؛ أهلتهم لاستحقاق معاشات هامة ؛ فتحت أمام بعضهم مجالات حيوية سواء في التجارة أو الخدمات العامة ، وتكاد هذه الفئة تكون محصورة في نسبة 18% من متقاعدي المعاشات المدنية ، والتي يتلقى أصحابها ما بين 8000,00 و 20000,00 درهم/ش ، بينما لا تتخطى معاشات باقي المتقاعدين 89% منهم 3000,00 درهم/ش ، على أن هناك شريحة من المتقاعدين ما زالت أجورهم لم تبارح 1000,00 درهم/ش ، ناهيك عن أصحاب الحقوق من الأرامل والأيتام والذين لا يتعدى أجرهم من 200,00 إلى 300,00 درهم/ش ، وفي حالات عديدة لا تتجاوز 150,00 درهم/ش ، مع ما يستتبعه ذلك من بعض الضروريات الملحة ، والتي تعجز هزالة هذا المعاش على تغطيتها ما بين السكن والعيش والتطبيب . هزالة المعاش وتصاعد مستوى العيش في العديد من أنظمة التقاعد ؛ بدول الجوار ؛ يخضع فيها معاش المواطن إلى المستوى الاقتصادي العام ، والتغيرات التي تطرأ على كتلة الأجور ، فإذا تقررت زيادة مالية في أجور الموظفين ، استتبعتها مباشرة ؛ وبنظام رقمي موحد ؛ زيادة في رواتب المتقاعدين تبعا للراتب الأساسي ، وذلك حرصا ؛ من هذه الدول صاحبة هذه الأنظمة في التأجير ؛ على تمكين المتقاعد من مواجهة ضروريات الحياة ، دون عائق اقتصادي يعزله عن المجتمع . بيد أننا ؛ في المغرب ؛ وتبعا لأنظمة التأجير ، نرى أن المشرع لا يستحضر فترة الزمانة التي يمر منها كل متقاعد ، وما تستلزمه من نفقات إضافية ، وبالتالي نجد معاش متقاعد مغربي ؛ وفي حالات عديدة ؛ مضت عليه أكثر من 20 سنة وبقي جامدا ، دون أن يخضع للتحيين والمواكبة ، بحكم ارتفاع أسعار العيش وما تلته من زيادات في الرواتب باستثناء رواتب المتقاعدين . وهذا النظام أو بالأحرى الحيف الذي يعانيه المتقاعد المغربي ولد فئة أجرية معزولة عن المجتمع ، تخضع لنظام اقتصادي حاد ؛ ميزته الوحيدة شظف العيش ، وضيق ذات اليد ، والأمراض المزمنة . إدماج المتقاعد في الحياة العامة هناك عديد من الدول الديمقراطية ؛ تعتبر متقاعدها مواطنا لا يمكن بحال التنكر لخدماته ، وتحرص على الاستفادة من تجاربه وخبراته ومهاراته في تدبير كثير من القضايا ، وفي حقول ميدانية مختلفة ، فأقدمت على إنشاء عدة مرافق اجتماعية وثقافية وفنية ، تعنى بمواطنيها المتقاعدين منها على سبيل المثال : * أندية ثقافية ؛ غنية بالعروض ، وتفتح أبوابها أمام هذه الفئة للخلق والإبداع ، في شكل محاضرات ، وعروض فنية ، وتبادل الرحلات ؛ * مستوصفات تضم أجنحة لتقديم خدمات طبية للمتقاعدين ؛ * مؤسسات اجتماعية ؛ مكلفة بمنح قروض مالية وبأسعار تفضيلية . حالة مظلمة تتستر عليها الحكومة من المعلوم ؛ لدى الرأي العام ، وقطاع التعليم خاصة ؛ أن هناك مرسوما وزاريا يهم التعويض عن التكوينات في مراكز التربية والتكوين : مركز تكوين مفتشي التعليم ...( CFIE )؛ مركز التوجيه والتخطيط التربوي.....( COPE) ؛ المركز التربوي الحهوي... ( CPR) ؛ المدرسة العليا للأساتذة...(ENS ) هذه التعويضات هي بناء على مرسوم رقم 2.75.829 بتاريخ 20 ذي الحجة 1395 ه (23 دجنبر 1975) يغير بموجبه المرسوم رقم 2.57.1841 الصادر في 23 جمادى الأولى 1377 ه (16 دجنبر 1957) بتحديد أجور الموظفين والأعوان والطلبة الذين يتابعون تكوينا أو دروس استكمال خبرة. والصادرة بالجريدة الرسمية عدد 3296 بتاريخ ذو الحجة 1395 ه (31 دجنبر 1975) ص 3531... ) سبق للحكومة أن سددت الدفعة الأولى سنة 2012 ، ومنذ ذلك الحين (4 سنوات) حتى الآن لم تستأنف أداء المستحقات لأصحابها ، والذين ينحصر عددهم ما بين 5000 و 6000 معني بالاستفادة ؛ جلهم أدركهم سن التقاعد ، وكأن الحكومة تناور بفعل الزمن وتقادم الحقوق حتى "ينمحي" أثر أصحاب هذا الحق ، إما بفعل الوفاة أو النسيان ؛ والحالة هذه ؛ أن ليس هناك مؤسسة نقابية أو جمعية تؤشر في أجندتها على هذه الفئة مهضومة الحقوق .