تم مؤخرا الإعلان عن نتائج و خلاصات البحث الوطني حول الإعاقة الذي أعدته وزارة التضامن و الأسرة و المرأة و التنمية الاجتماعية . و يعد هذا البحث الثاني من نوعه بالمغرب، بعد بحث 2004. بعد 12 سنة عن البحث الأول يعتبر نشر نتائج البحث الثاني فرصة مهمة من أجل استقراء الأرقام و محاولة الخروج بخلاصات حول وضعية الإعاقة و الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب . إن الإعاقة بالمغرب تعتبر إشكالية متشعبة و متعددة الجوانب و الأبعاد بحيث لا يجب حصرها في أرقام و نسب مئوية و المرور بعد ذلك إلى أشياء أخرى . الإحصاءات في حد ذاتها لا يجب أن تكون غاية، بل وسيلة من أجل مساءلة السياسات العمومية، و من خلالها الفاعل السياسي حول مكانة الإعاقة داخل المنظومة التنموية لبلادنا . و هكذا فإنه حسب هذا البحث، فنسبة انتشار الإعاقة تصل إلى 6,8% من الساكنة لسنة 2014، أي حوالي 2.264672 شخصا، عوض 5,12% أي 1.532.000 سنة 2004، و ترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 4/1 الأسر المغربية تضم شخص في وضعية إعاقة أو أكثر . و نود خلال هذه القراءة الأولية التوقف عند رقمين مهمين و محاولة مقاربة واقع الأشخاص و الأسر من خلالهما. يستخلص من البحث الوطني أن أكثر من 66,1 من الأشخاص في وضعية إعاقة بدون مستوى تعليمي يذكر، و تبين الأرقام كذلك أن وضعية تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة كارتية بامتياز، فإذا كان المغرب أستطاع أن يعمم التعليم الأساسي لفائدة أطفاله، فإنه بالنسبة لشريحة الأطفال ذوو الإعاقة فإن النسبة لا تتعدى 50,1% للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12و 14 سنة ، 39,9% بالنسبة للأطفال ما بين 15-17 سنة . إن هذه النسبة لم تتحسن عما كان عليه الحال سنة 2004 أي منذ أكثر من 12 سنة حيث كان معدل الأشخاص دون أي مستوى تعليمي يفوق 71,8% أي أنه خلال أكثر من عقد الزمن ما زال أكثر نصف الأشخاص في وضعية إعاقة لا يمارسون حقهم الطبيعي في الحصول على التعليم ذي جودة و في المتناول . إن الولوج للتعليم يعتبر من الأولويات لدى كل دول العالم، لأنه يعتبر شرط أساسي للولوج لباقي الحقوق (حق الشغل، المشاركة و السياسية...) و كذلك المشاركة الاجتماعية، و الارتقاء الاجتماعي. نظريا، الحق في التربية حق تعترف به و تؤكد عليه مجموعة من المواثيق الدولية التي صادق عليها الغرب . فالاتفاقية الدولية تؤكد على هذا الحق في فصلها 24 و ذلك بالمساواة مع الجميع و على جميع مستويات التمدرس. حيث أن الأطفال في وضعية إعاقة لا يجب أن يعترض سبيل تمدرسهم أي عائق مهما كان . و يؤكد كذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في فصله 26 على هذا الحق، الفصل 13 من ميثاق الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، الفصل 10 من CEDAW و كذلك الفصلين 28 و 29 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل . كما أن الفصل 32 من دستور 2011 يقول بصريح العبارة أن التعليم الأساسي حق من حقوق الطفل و هو واجب على الدولة و الأسرة . يتضح من خلال ما سبق أن المغرب ملزم بتوفير كل وسائل التربية و التكوين للأطفال في وضعية إعاقة، إلا أن الواقع و الإحصائيات تؤكد بالملموس أننا ما زلنا بعيدين عن تحقيق هذا الهدف، و هو ما يجعلنا نساءل المسؤولين عن مصير هؤلاء الأطفال و أسرهم ؟ المعطى الثاني و الذي يكتسي أهمية قصوى في حياة الشخص في وضعية إعاقة هو ولوج سوق العمل، فحسب الإحصاء الوطني لسنة 2014 فإن معدل النشاط المهني لدى الأشخاص ذوو الإعاقة لا يتعدى 51,3%، كما أن معدل البطالة وسط هذه الشريحة يفوق 5 مرات المعدل الوطني في هذا المجال . فإذا كان التشغيل و العمل من أهم وسائل الإدماج الاجتماعي، و يعتبر وسيلة للمحافظة على كرامة و آدمية الإنسان، فإنه بالنسبة للشخص ذي الإعاقة أهم و أحسن طريق للإحساس بدور مهم في الحياة. لعل الأسئلة التي تبقى مطروحة منذ ما يزيد عن عقد من الزمن في مجال تشغيل الأشخاص في وضعية إعاقة ببلادنا هي : هل هناك قانون يمنع التمييز على أساس الإعاقة في مجال الشغل ؟ هل هناك تمييز إيجابي لصالح هذه الفئة ؟ هل تساند الدولة التشغيل الذاتي لهؤلاء الأشخاص؟ ما هو دور القطاع العام في هذا الميدان؟ هل التشغيل في المجالات المحصنة يعني تنظيم و تأطير قانوني بالمغرب ؟ هل الأشخاص في وضعية إعاقة يلجون بسهولة قطاع التكوين المهني؟ هل الدولة تقدم تسهيلات للقطاع الخاص من أجل تشجيع تشغيل هذه الشريحة من المواطنين؟ *مهتم بقضايا الإعاقة و حقوق الانسان