يعد فصل الربيع أحب الفصول إلى الإنسان على مر التاريخ، تغنى بجماله الشعراء وألهمت مناظره الخلابة ريشة الفنانين التشكيليين، كما شكل فرصة للأسر قصد تنظيم النزهات وتخصيص فترات للاستراحة والترويح عن النفس، إلا أن فئة أخرى تعاني الأمرين مع حلول هذا الفصل الذي يحول حياتهم إلى محنة بسبب حساسية الربيع. ويُعرِّف المنتظم الطبي العالمي "الحساسية" بأنها رد فعل غير طبيعي للجسم نتيجة تعرضه لمادة أو أكثر من المواد المحيطة غير ضارة للإنسان في العادة، بينما يعتبرها الجهاز المناعي عند المصابين بالحساسية مادة غريبة أو خطيرة ويبدأ في مقاومتها، ما ينتج عنه رد فعل مناعي مبالغ فيه يترجم إلى أعراض جسمانية مختلفة. وتنتج حساسية الجهاز التنفسي عن استنشاق جزيئات عن طريق الأنف أو الفم خلال عملية التنفس. وتؤدي إلى نوعين من الأمراض؛ الربو وحساسية الأنف أو الأذن أو الحنجرة أو العين. أخصائية أمراض الجهاز التنفسي والحساسية، الدكتورة الوليل هدى، أوضحت أن حساسية الربيع تتسبب فيها حبوب اللقاح التي هي عبارة عن جزيئات قادرة على التنقل في الهواء الطلق على مدى مسافات مختلفة حسب أنواعها، وغالبا ما يبدأ موسمها مع فصل الربيع، وتتمثل أعراضها الأكثر شيوعا في حساسية الأنف عبر سيلانه واختناقه والعطس المتكرر والحكة فيه. أما أعراض الربو أو حساسية الصدر فتتمثل في السعال المزمن وصعوبة التنفس أو اللهاث وصدور صوت صفير خلال عملية الزفير. وأشارت الاختصاصية إلى أن حدة هذه الأعراض تختلف من شخص إلى آخر كما يمكن أن يعاني فرد من عدة أعراض معا وآخر من عارض واحد فقط . كما ترتبط هذه الأعراض عند العديد من الأشخاص بأعراض حساسية العينين ( دموع وحكة) أو الشعور بالحكة في الحنجرة أو داخل الأذن، وقد تؤثر على نفسية المريض وعلى قدرته على العمل بتركيز وممارسة حياته اليومية بدون شعور بالإزعاج. وعن طرق تشخيص هذا المرض، أوضحت الوليل في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن التشخيص يعتمد أولا على فحص المريض وطرح أسئلة عليه حول طبيعة الأعراض التي يشكو منها وأوقات تزامنها مع فترة اللقاح، يتبع هذه المرحلة الأولية إجراء اختبار الحساسية بوخز طفيف على سطح الجلد الخارجي، إما على الذراع أو الظهر عند الرضع خصوصا. كما يمكن القيام بتحاليل الدم لتشخيص هذه الحساسية في بعض الحالات. الاختصاصية في الحساسية وأمراض الجهاز التنفسي أفادت بأن العلاج النهائي الوحيد للحساسية هو ما يسمى بالعلاج المناعي، أو " désensibilisation"؛ أي تزويد جسم المريض بكميات جد صغيرة من مكونات جزيئات اللقاح تزداد تدريجيا إما عن طريق الفم (تحت اللسان) أو عن طرق الإبر في أعلى الذراع. والهدف من هذا العلاج دفع الجسم تدريجيا إلى التعود على المادة المسببة للحساسية، حيث تستمر مدة هذا العلاج على الأقل ثلاث سنوات، مؤكدة على أهمية احترام الوصفة الطبية لهذا العلاج من جهة، ومن جهة أخرى عدم وصف هذا العلاج إذا كان المريض مصابا بحالات مرضية معينة أو يعاني من حساسية لأنواع أخرى بالإضافة لحساسية اللقاح. وبالنسبة للأدوية التي توصف للمصابين بالحساسية، أوضحت الطبيبة أنها فعالة إلا أن مدة فعاليتها محدودة، فتعتبر بالتالي أدوية مسكنة لأعراض الحساسية المزعجة؛ بحيث يستطيع المريض التنفس جيدا عن طريق الأنف وعدم المعاناة من الحكة أو العطس الكثير أو ضيق التنفس. وتنصح اختصاصية الحساسية المصابين بهذا المرض بغلق نوافذ البيت في وسط الصباح وفي بداية فترة بعد الزوال، وغلق نوافذ السيارات وتشغيل مكيف هواء مزود ب"فلتر" لحبوب اللقاح، مع تفادي المشي بالقرب من بعض الأماكن خلال موسم انتشارها في السنة؛ مثل الغابات أو الحقول أو المزارع، موصية بغسل الشعر في نهاية اليوم وتفادي لعب الرياضة في الهواء الطلق خلال موسم انتشارها، وتفادي الخروج من المنزل بشعر مبلل لأن جزيئات اللقاح تتصل بسهولة بكل ما هو رطب، وبخلع الملابس الخارجية وإبعادها عن غرفة النوم قبل الذهاب إلى النوم.